• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

خصال الإمام

 خصال الإمام

لا يختار اللـه عبداً لمقام الإمامة . ويجعله حجة بالغة على خلقه إلاّ إذا اكتملت فيه الخصال الجيدة . وكان مثلاً لما أقر به سبحانه في كتابه من خشية اللـه وتوقيره . وتعظيمه وتجليله . وإخلاص العبودية له والتي تتجلى في جملة أقواله وأفعاله . فلا يقول إلاّ صواباً ولا يعمل إلاّ رشداً .

وإذا كنا ننقل بعض خصال الإمام الباقر (ع) الحميدة ، أو خصال أحد المعصومين عليهم السلام ، فلكي نأتي بالشواهد الواضحة التي تدلنا على أمثالها ، وليس لأننا نريد أن تختصر كل حياة الإمام فيها . أو نحصي فضائله وخصاله الحميدة ، كلا .. لأننا نعرف سلفاً أن حياتهم كانت صورة واقعية عن القرآن الكريم ، بيد أن ما بلغنا منها لم يكن مستوعباً لجوانب حياتهم ، لأن جانباً منها انبهر به المؤرخون فأكثروا فيه الحديث واكتفوا بقياس سائر الجوانب عليه ، فمثلاً ذكروا من حياة الإمام السجاد جانب العبادة ، ولم يتحدثوا كثيراً عن جانب العلم ، بينما عكسوا الأمر فيما يتصل بحياة الإمام الباقر (ع) .

وهكذا نكتفي ببعض الإشراقات التي وصلت إلينا من حياة الإمام ونترك للقارئ أن يقيس سائر أبعاد حياته عليها .

“ قال : ابن شهراشوب في المناقب “ : كان أصدق الناس لهجة وأحسنهم بهجة وأبذلهم مهجة ، وكان أقل أهل بيته مالاً وأعظمهم مؤونة ، وكان يتصدق كل جمعة بدينار ، وكان يقول الصدقة يوم الجمعة تضاعــف لفضل يوم الجمعة على غيره من الأيام ، وكان إذا أحزنه أمر جمع النساء والصبيان ثم دعا فأمنوا ، وكان كثير الذكر ، كان يمشي وإنه ليذكر اللـه ويأكل الطعام وإنه ليذكر اللـه ، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله عن ذكر اللـه ، وكان يجمع ولده فيأمرهم بالذكر حتى تطلع الشمس ، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منهم ومن كان لا يقرأ منهم أمره بالذكر ، ويأتي قول المفيد : وكان ظاهر الجود في الخاصة والعامة مشهور الكرم في الكافة ، معروفاً بالتفضل والإحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله ، ويأتي عن سليمان بن دمدم أنه عليه السلام كان يجيز بالخمسمائة درهم إلى الستمائة إلى الألف ، وكان لا يمل من صلة إخوانه وقاصديه ومؤمليه وراجيه ، وكان إذا ضحك قال : اللـهم لا تمقتني . وقال الأبي في كتاب نثر الدرر : كان إذا رأى مبتلى أخفى الاستعاذة ، وكان لايسمع من داره يا سائل بورك فيك ولا يا سائل خذ هذا وكان يقول : سموهم بأحسن أسمائهم.[1]

وحينما يذكر أبو نعيم في كتابه الحلية الإمام يصفه بهذا النعت : الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن علي الباقر.[2]

وكان من شدة خشوعه ما يذكره ( أفلح ) مولى أبي جعفر أنه قال : خرجت مع محمد بن علي حاجّاً فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته ، فقلت : بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو رفعت بصوتك قليلاً ، [3]فقال لي : ويحك يا أفلح ولم لا أبكي لعل اللـه تعالى أن ينظر إليّ منه برحمة فأفــــــــــوز بها عنده غداً ، قال ( أفلح ) ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه مـن سجــــوده فــإذا موضع سجوده مبتل من كثرة دموع عينه ويضيف أفلح قائـــلاً : كـــان إذا ضحك قال : اللـهـــــم لا تمقتنــــي.[4]

ويقول نجلُه الإمام الصادق (ع) وهو يصف تبتل والده إلى اللـه : كان أبي كثير الذكر ، لقد كنت أمشي معه وإنه يذكر اللـه ، وآكل معه الطعام وإنه ليذكر اللـه ، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر اللـه . وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول : لا اللـه إلاّ اللـه ، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ، ويأمر بالقرآن من كان يقرأ منا ومن كان لايقرأ منا أمره بالذكر.[5]

ويقول الإمام الصادق (ع) :

إني كنت أمهد لأبي فراشه فأنتظره حتى يأتي ، فإذا أوى إلى فراشه ونام قمت إلى فراشي . وإنه أبطأ عليّ ذات ليلة فأتيت المسجد في طلبه وذلك بعدما هدأ الناس ، فإذا هو في المسجد ساجد ، وليس في المسجد غيره وسمعت حنينه وهو يقول : سبحانك اللـهم أنت ربي حقاً حقاً ، سجدت لك تعبداً ورقاً ، اللـهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي ، اللـهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ، وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم.[6]

وكان (ع) شديد الحب لكتاب ربه ، عظيم الاهتمام به والتأثر بآياته ، حتى أن أبان بن ميمون القداح قال : قال لي أبو جعفر (ع) : إقرأ . قلت : من أي شيء أقرا ؟. قال : من السورة التاسعة ؟ قال : فجمعت ارتمسها فقال : اقرأ من سورة يونس فقال .. قرأت { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } (يونس/26) قال : حسبك ، قال : قال رسول اللـه (ص) : إنِّي لأَعجبُ كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن.[7]

وكان يستلهم من كتــــاب ربه معارف الدين حتى أنه يدعو الرواة أن يسألوه عن مصدر أقوالهم من القرآن ، هكذا يروي أبو الجارود قال : قال أبو جعفر (ع) : إذا حدثتكم بشيء فاسألوني عن كتاب اللـه . ثم قال : حتى حديثه أن اللـه نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال : فقالوا يابن رسول اللـه وأين هذا من كتاب اللـه ؟ فقال : إن اللـه عزّ وجلّ يقول في كتابه : { لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْوَاهُمْ } (النساء/114) وقال : { وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللـه لَكُمْ قِيَاماً } (النساء/5) وقال : { لاَ تَسْاَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } (المائدة/101).[8]

وإذا سأل عن حاله استغل السؤال لتذكير نفسه والسائل باللـه ، فقد روي أنه قيل لمحمد بن علي الباقــــر (ع) كيــــف أصبحــــت : قــــال : “ أصبحنــــا غرقى في النعمـة ، موتورين بالذنوب ، يتحبب إلينا إلهنــــا

بالنعم ، ونتمقت إليه بالمعاصي ، ونحن نفتقر إليه وهو غني عنّا “.[9]

وكان (ع) شديد التسليم لأمر اللـه فقد روى بعض أصحابه أنه قال : كان قوم أتوا أبا جعفر (ع) : فوافَوا صبياً له مريضاً ، فرأوا منه اهتماماً وغماً ، وجعل لا يقر ( قال ) فقالوا : واللـه لإن أصابه بشيء إنا نتخوف أن نرى منه ما نكره ، قال فما لبثوا أن سمعوا الصياح عليه ، فإذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه في غير الحال التي كان عليها ، فقالوا له : جعلنا اللـه فداك لقد كنا نخاف مما نرى منك أن لو وقع ان نرى منك ما يغمنا ، فقال لهم : إنا لنحب أن نعافى في من نحب ، فإذا جاء أمر اللـه سلمنا فيما يحب.[10]

وكان (ع) لا يلويه عن العمل الصالح شيء . وفي ذلك رواية طريفة ينقلها بعض أصحابه حيث يقول : - حضر أبو جعفر (ع) جنازة رجل من قريش وأنا معه ، وكان فيها عطاء فصرخت صارخة فقال عطاء : لتسكتن أو لنرجعن ، قال : فلم تسكت فرجع عطاء قال : فقلت لأبي جعفر (ع) إن عطاء قد يرجع ، قال : ولِمَ ؟ قلت : صرخت هذه الصارخة فقال لها : لتسكتن أو لنرجعن ؟ فلم تسكت فرجع ، “ فقال : إمضِ بنا فلو أنا إذا رأينا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقضِ حق مسلم ، قال : فلما صلى على الجنازة قال وليها لأبي جعفر : إرجع مأجوراً رحمك اللـه فإنك لا تقوى على المشي ، فأبى أن يرجع ، قال فقلت له : قد اذن لك في الرجوع ولي حاجة أريد أن أسالك عنها ، فقال : إمضِ فليس بإذنه مشينا ولا بإذنه نرجع ، إنما هو فضل وأجر طلبناه فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك.[11]

أما معاشرته لإخوانه فقد كانت غاية في الأدب ، فمثلاً يحكي أبو عبيدة عن آداب عشرته في السفر فيقول : كنت زميل أبي جعفر (ع) وكنت أبدأ بالركوب ثم يركب هو “ فإذا استوينا سلّم وسأل مسألة رجل لا عهد له بصاحبه ، وصافح ، قال : وكان إذا أنزل نزل قبلي ، فإذا استويت أنا وهو على الأرض سلم وسأل مسألة من لا عهد له بصاحبه ، فقلت يابن رسول اللـه إنك تفعل شيئاً ما يفعله من قبلنا ، وإن فعل مرة لكثير ، فقال :

أما علمت ما في المصافحة ، إن المؤمنين يلتقيان فيصافح أحدهما صاحبه فما تزال الذنوب تتحات عنهما كما يتحات الورق عن الشجر واللـه ينظر إليهما حتى يفترقان.[12]

وكان في تعامله مع الناس برّاً عفيفاً ، وكان يعفو عن السيئة أنى استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وكان لذلك أطيب الأثر في نفوس الناس ، فقد قال له نصراني يوماً : أنت بقر قال : لا أنا باقر قال : أنت ابن الطباخة ( يريد تعييره بها ) قال : تلك حرفتها ، قال : أنت ابن السوداء الزنجية البذية ؟ قال : إن كنت صدقت غفر اللـه لها ، وإن كنت كذبت غفر اللـه لك ، فانبهر النصراني بأخلاقه ، ودعاه ذلك إلى الإسلام على يديــه.[13]

وقد كان تعامله مع المستضعفين يتميز بالشفقة والرفق ، وقد روي عن نجله الإمام الصادق (ع) أنه قال :

إذا استكملتم ما ملكت أيمانكم في شيء فيشق عليهم فاعملوا معهم فيه ، قال : وإن كان أبي ( الإمام الباقـــر عليه السلام ) ليأمرهم فيقول كما أنتم ، فيأتي فينظر ، فإن كان ثقيلاً قال باسم اللـه ثم عمل معهم ، وإن كان خفيفاً تنحى عنهم.[14]

وربما كان عمله في إصلاح حقله ومزرعته لهذه الجهة ، حيث كان الأئمة (ع) يرون الكدح والكد أمراً محبوباً يقربهم إلى اللـه .

في ذلك يروي أبو عبد اللـه الصادق أن محمد بن المكدر كان يقول : ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفاً لفضل علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمد بن علي ، فأردت أن اعظه فوعظني ، فقال له أصحابه : بأي شيء يعظك ؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي وكان رجلاً بديناً وهو متّكٍ على غلامين له أسودين أو موليين ، فقلت في نفسي : شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، أشهد لأعظنه ، فدنوت منه فسلمت عليه ، فسلَّم عليَّ ببهر وقد تصبب عرقاً ، فقلت أصلحك اللـه يا شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال ؟ قال : فخلى عن الغلامين من يده ، ثم تساند وقال : لو جاءني واللـه الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات اللـه تعالى أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وإنما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي اللـه ، فقلت : يرحمك اللـه أردت أن أعظك فوعظتني.[15]

وكان يمكن الإمام أن يستخدم عبيده في أمر إصلاح أرضه ، إلاّ أنه أحب أن يراه اللـه كاداً في سبيل إعاشة عياله .

ونختم حديثنا عن عِشرة الإمام بحديث يرويه الإمام الصادق (ع) يقول :

أعتق أبو جعفر من غلمانه عند موته شرارهم وأمســـــك خيارهم . فقلت : يا أبته تعتق هؤلاء وتمسك هؤلاء ؟ فقال : إنهم قد أصابوا مني حزناً فيكون هذا بهذا.[16]

هكذا ضرب الإمام أروع الأمثلة في الخصال الحميدة والآداب الرفيعة ، ولا ريب أن الرواة لم ينقلوا لنا إلاّ نزراً يسيراً من جوانب حياته التي تفيض بالحكمة والرشاد .. فسلام اللـه عليه أبداً وصلاته عليه دائماً سرمداً.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]  في رحاب أئمة أهل البيت سيرة الباقر : ( ص 6 ) .

[2]  بحار الأنوار : ( ج 46 ، ص 289 ) نقلاً عن حلية الأولياء : ( ج 3 ص 180).

[3]  الظاهر خفضت واللـه العالم .

[4]  المصدر : ( ص 290 ) .

[5]  المصدر : ( ص 297 ) .

[6]  المصدر : ( ص 301 ) .

[7]  المصدر : ( ص 303 ) .

[8]  المصدر : ( ص 303 ) .

[9]  المصدر : ( ص 304 ) .

[10]  المصدر : ( ص 301 ) .

[11]  المصدر : ( ص 301 ) .

[12]  المصدر : ( ص 302 ) .

[13]  المصدر : ( ص 289 ) .

[14] المصدر : ( ص 303 ) .

[15] المصدر : ( ص 287 ) .

[16] المصدر : ( ص 300 ) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page