يتّسم الدين الإسلامي في أبرز ما يتّسم به ، بأنّه دين الدنيا والآخرة ، ومن هنا يجب على المسلم أن يهتم بالجانبين ، فيعمل لآخرته كما يعمل لدنياه ، ويتزوّد من حياته الحاضرة لحياته الأبديّة المستقبلة كما قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الاْخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا)(1)
ولهذا كان من الواجب على المسلم أن يعمل بالفرائض الدينية ، ويتجنّب المحرّمات الإلهية ، ويلتزم بقواعد الشرع الحنيف ، جهد إمكانه ، فيصلّي الخمس ، ويصوم شهر رمضان ، ويزكّي ماله ، ويحجّ بيت الله الحرام ، ويأمر بكل خير قَدِر عليه ، ويعتمد في تحصيل السعادة الأُخروية على العمل الصالح ، والطاعة لله تعالى ، كيف وقد نصّت الآيات القرآنية على أنّ كلّ امرئ مرهون بعمله ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر؟!
كما نصّت الأحاديث الشريفة المأثورة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وعترته الطاهرة وصرّحت بضرورة العمل والطاعة للحصول على النجاة والسعادة الأُخرويّتين .
فقد روي أنّ الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ أمر بحضور جميع أقربائه قبيل وفاته ، ثمّ التفت إليهم وأكّد على أهمية الصلاة . وإليك الحديث بأكمله:
روى أبو بصير عن أصحاب الإمام قال: دخلت على أُمّ حميدة (زوجة الإمام جعفر الصادق ـ عليه السلام ـ ) أُعزِّيها بأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ فبكت وبكيت لبكائها ، ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عند الموت لرأيت عجباً ، فتح عينيه ، ثم قال: «اجمعوا كلّ من بيني وبينه قرابة» .
قالت: فما تركنا أحداً إلاّ جمعناه ، فنظر إليهم ثم قال: «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة»(2) .
فليس للمسلم أن يعول على شيء إذا أهمل الواجبات وترك الفرائض ، أو استهان بها .
نعم ، خلق الإنسان ضعيفاً ـ بحكم جبلته ـ محاصَراً بالشهوات ، محاطاً بالغرائز ، ولذلك ربما سها ولها ، وربّما بدرتْ منه معصية ، واستحوذ عليه الشيطان ، ووقع في شباكه وشراكه ، فعصى من حيث لا يريد ، وخالف من حيث لا يجب ، ثم تعرّض لضغط الوجدان ، ووخْزِ الضمير ، فهل له أن ييأس في هذه الحالة ويقنط ، وقد قال ربّ العزّة: ( لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ )(3)
كلاّ ليس له إلاّ الرجاء في رحمة الله ، والأمل في عفوه ولطفه ، وقد فتح الإسلام نوافذ الأمل والرجاء أمام العاصي النادم ، ليعود إلى ربه ، ويواصل مسيرة تكامله في ثقة وطمأنينة .
ومن هذه النوافذ: التوبة والإنابة والاستغفار ، ومنها: الشفاعة للمذنبين ، الشفاعة التي تنالهم وفق معايير وردت في الكتاب والسنّة ، الشفاعة التي يبعث الأمل فيها بصيصاً من الرجاء في نفوس العصاة ، ويمنع من قنوطهم ويأسهم ، ويبعث فيهم روح العمل والنشاط .
وهذا لا يعني تمهيد الطريق للعصاة ، لما للشفاعة من شروط وقيود ، بل هي عملية زرع الأمل ، والرجاء في النفوس ، مادام الأصل هو العمل والإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات .
وتوضيحاً لهذه الحقيقة ، وتبييناً لهذا المفهوم القرآني الإسلامي أعددنا هذا الفصل ، آملين أن نلقي الضوء على إحدى السبل الإسلامية لمعالجة اليأس والقنوط الذي يصيب المذنبين ويقع الكلام في مباحث .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القصص : 77 .
(2) الوسائل3: 71 .
(3) يوسف : 87 .
تمهيد
- الزيارات: 3239