• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نظرة في مناقب عثمان الواردة في الصحاح والمسانيد



إلى هنا سبرنا صحيفة من حياة عثمان ولا أدري أهي بيضاء أم غيرها؟! لكن الباحث الممعن فيها يوقفه التنقيب على نفسياته ومقداره، والغاية من هذا الاسهاب أن نجعل نتيجة هذا الخوض والبحث مقياسا في أمره نرد إليه كل ما يؤثر في حقه فإن ساوى المقياس أثبتناه، وإن طاله أو قصر عنه عرفنا أنه من الغلو في الفضائل.

وما سردنا إلى هنا من دعارة في الخلق، وعرامة في الطباع، وعرارة في الشكيمة وشرة في الغرائز، وفظاظة في الأعمال، وتعسف في الحكم، واتباع للشهوات، وميل عن الحق، ودناءة في النفس، وسقطة في الرأي، وسرف في القول، إلى الكثير المتوفر من أمثال هذه مما لا تحمد فعليته ولا عقباه، لا يدع الباحث أن يخضع لشئ مما قيل أو تقول فيه من الفضل قويت أسانيده أو وهنت.
كما أن آراء الصحابة الأولين التي زففناها إلى مناظرك في هذا الجزء من صفحة 69 - 168 لا تدع مجالا للبحث عن صحة تلكم المفتعلات فضلا عن إثباتها، وأنك تجد في مرسليها أو مسنديها لفائف من زبانية الميول والأهواء من بصري أو شامي أنهوا أسانيدهم في الغالب إلى موالي عثمان أو إلى رجال بيته الساقط، وذلك مما يعطي أنها من صنايع معاوية للخليفة المقتول الذي اتخذ أمره سلما إلى ما كان يبتغيه من المرتقى، وكان معاوية يهب القناطير المقنطرة لوضع الأحاديث في فضائل أبناء بيته الشجرة المنعوتة في القرآن، من بني أمية عامة، ومن آل أبي العاص خاصة، أضف إلى ذلك ما يكتنف أغلب تلك المتون من الموهنات التي لا يقاومها أي تمحل في تصحيحها، وإليك نبذة من تلكم الموضوعات:

1 - أخرج مسلم وأحمد من طريق عقيل الأموي عن الليث العثماني عن يحيى ابن سعيد الأموي عن سعيد بن العاص ابن عم عثمان عن عائشة وعثمان قالا: إن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: إجمعي عليك ثيابك. فقضيت إليه حاجتي. ثم انصرف، فقالت عائشة: يا رسول الله؟ ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان رجل حيي (1) وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته (2).

2 - أخرج مسلم غيره من طريق عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه وساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فلما خرج قالت عائشة رضي الله عنها: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلس وسويت ثيابك؟
فقال: ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة (3).

وأخرج البخاري في مناقب عثمان حديثا وقال في ذيله: زاد عاصم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها. قال ابن حجر في فتح الباري 7: 43: قال ابن التين: أنكر الداودي هذه الرواية وقال: هذه الرواية ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديث في حديث، وإنما ذلك الحديث: إن أبا بكر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر ثم دخل عمر ثم دخل عثمان فغطاها. الحديث.

قال الأميني: الحياء هو انقباض النفس عما لا يلائم خطة الشرف من الناحية الدينية أو الانسانية، وأصله فطري للانسان، وكماله اكتسابي يتأتى بالإيمان، فهو يتدرج في الرقي بتدرج الإيمان والمعرفة، فتنتهي إلى ملكة راسخة تأبى لصاحبهما التورط في المخازي كلها، فيكون بها الانسان محدودا في أفعاله وتروكه وشهواته وميوله وتنبسط تلكم الحدود على الأعضاء والجوارح وعلى النفس والعقل، فلا يسع أيا منها الخروج عن حده، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى (4) فكل عمل خارج عن حدود الدين والانسانية مناف للحياء، وهو الرادع الوحيد عن الفحشاء والمنكر، وعن كل ما يلوث ذيل الانسانية والعفة والإيمان من صغيرة أو كبيرة، ومن لم يستح فله أن يفعل ما يشاء، وجاء في النبوي على المحدث به وآله السلام: إذا لم تستح فاصنع - فافعل - ما شئت (5).

وعلى هذا فكل من الفحش والبذاء والكذب والخيانة والغدر والمكر ونقض العهد التخلع والمجون وما يجري مجراها أضداد للحياء، وقد وقع التقابل بينها وبينه في لسان المشرع الأعظم منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار (6).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الحياء والعي من الإيمان وهما يقربان من الجنة ويباعدان من النار، والفحش والبذاء من الشيطان وهما يقربان من النار ويباعدان من الجنة.

أخرجه الطبراني كما في الترغيب والترهيب 3: 165.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عائشة! لو كان الحياء رجلا كان رجلا صالحا، ولو كان الفحش رجلا كان رجل سوء. رواه الطبراني وأبو الشيخ كما في الترغيب والترهيب 3: 166.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ما كان الفحش في شئ إلا شانه، وما كان الحياء في شئ إلا زانه أخرجه ابن ماجة في سننه 2: 546، والترمذي في الصحيح.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا، فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا، فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الاسلام.

أخرجه ابن ماجة كما في الترغيب والترهيب 2: 167.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: الحياء لا يأتي إلا بخير (7) وقال المناوي في شرحه في فيض القدير 3: 427: لأن من استحيا من الناس أن يروه يأتي بقبيح دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربه أشد فلا يضيع فريضة، ولا يرتكب خطيئة، قال ابن عربي: الحياء أن لا يفعل الانسان ما يخجله إذا عرف منه أنه عرف منه أنه فعله، والمؤمن يعلم بأن الله يرى كل ما يفعله، فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك، وبأنه لا بد أن يقرره يوم القيامة على ما عمله فيخجل فيؤديه إلى ترك ما يخجل منه، وذلك هو الحياء فمن ثم لا يأتي إلا بخير.

وقال: حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق الغير، وقال بعض الحكماء: من كسا (8) الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.
إذن هلم معي لنسبر حياة الخليفة - عثمان - علنا نجد فيها ما يصح للبرهنة على ثبوت هذه الملكة له إن لم يكفأنا الإياس منها بخفي حنين، فارجع البصر كرتين فيما سردناه من أفعال الخليفة وتروكه ومحاوراته وأقواله، ثم انظر هل تجد في شئ منها ما يدعم هذه الدعوى له فضلا عن أن يكون أحيأ الناس، أو أشد الأمة حياء، أو تستحيي منه الملائكة؟

أيصلح شاهدا لذلك قوله لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام: والله ما أنت عندي أفضل من مروان؟ هلا كان يعلم أن الله عد عليا في كتابه نفس النبي الأقدس وقد طهره بنص الذكر الحكيم، ومروان طريد ابن طريد، وزغ ابن وزغ، لعين ابن لعين؟    راجع الجزء الثامن ص 260 ط 2.

أو اتهامه ذلك الإمام الطاهر سيد العترة بكتاب كتبه هو في قتل محمد بن أبي بكر وأصحابه وتعذيبهم وتنكيلهم، فينكر ما كتب ويقول له عليه السلام: اتهمك واتهم كاتبي مروان؟

أو قوله للإمام عليه السلام: لئن بقيت لا أعدم طاغيا يتخذك سلما وعضدا ويعدك كهفا وملجأ؟ أو قوله له عليه السلام لما كلمه في أمر عمار ونفيه إياه: أنت أحق بالنفي منه؟

أو قوله لأصحابه مروان ومن كان على شاكلته يستشيرهم في أمر أبي ذر: أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب إما أن أضربه أو أحبسه أو أقتله؟ وملأ مسامع الصحابة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أظلت الخضراء، وما أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. إلى كلمات أخرى له صلى الله عليه وآله وسلم في الثناء عليه، راجع الجزء الثامن ص 312 ط 2.

أو قوله لعمار لما سمع منه - رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا -: يا عاض أير أبيه أتراني ندمت على تسييره؟ وأمر فدفع في قفاه، وعمار كما عرفته في هذا الجزء ص 20 إلى 28 جلدة ما بين عيني رسول الله وأنفه، وهو الطيب المطيب، ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، اختلط الإيمان بلحمه ودمه، يدور مع الحق حيث دار، وقد جاء الثناء عليه في الذكر الحكيم.

إذا كان حقا ما يدعيه عثمان لنفسه (9) من أنه لم يمس فرجه بيمينه منذ بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشريفا ليد النبي الكريمة؟ فليت شعري لماذا طفق يلوك بلسانه اسم أير ياسر أبي عمار؟ وطالما لهج بأحاديث النبوة به، ورتل كتاب الله ترتيلا، أما كان عليه أن يكف لسانه عن البذاءة كرامة للكتاب والسنة، كما ادعى كلاءة نفسه عن مس فرجه كرامة ليد النبوة؟ إن لم يداحمنا هنالك من ينكر دعواه في اليد قياسا على ما شوهد منه في اللسان مرة بعد أخرى.

أيصلح شاهدا لذلك قوله على صهوة المنبر بين ملأ المسلمين في ابن مسعود لما قدم المدينة: ألا إنه قد قدمت عليكم دويبة سوء من يمشي على طعامه يقئ ويسلح؟

وابن مسعود أحد الذين أطراهم الكتاب العزيز، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هديا ودلا وسمتا. راجع ما مر في هذا الجزء ص 6 - 11.

أو قوله لعبد الرحمن بن عوف: إنك منافق (10)؟ وهو أحد العشرة المبشرة فيما يحسبون.

أو قوله لصعصعة بن صوحان: البجباج النفاج؟ وهو ذلك السيد الخطيب الفصيح الدين كما مر في ص 42 من هذا الجزء.

أو شتمه المغيرة بن الوليد المخزومي لما دافع عن عمار حينما ضربه عثمان حتى غشي عليه؟

أو قوله في كتابه إلى معاوية: إن أهل المدينة قد كفروا؟ أو قوله في كتاب آخر له: فهم كالأحزاب أيام الأحزاب أو من غزانا بأحد؟ وهو يريد الأنصار الذين آووا ونصروا، والمهاجرين الذين صدقوا واتبعوا، وهم الذين يحسب أتباع الخليفة أن كلهم عدول، ولم يكن بينهم متخلف عن النقمة عليه إلا ثلاثة أو أربعة حفظ التاريخ ترجمة حياتهم الموصومة.

أو قوله في كتابه إلى الأشتر وأصحابه: إني قد سيرتكم إلى حمص، فإنكم لستم تألون الاسلام وأهله شرا.

أو قوله المائن على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم؟ يقول ذلك بعد ما عهد على نفسه أن يعمل بالكتاب والسنة، وكتب بهذا كتابا وشهد عليه أمة من الصحابة بعد ما اعترف بهناته بين الملأ وأظهر الندامة منها وتاب عنها ولذلك كله رجع المصريون وغيرهم من الثائرين عليه إلى بلادهم، وكان يحنث عهده وينقض توبته بتلبيس أبالسته مروان ونظرائه، فهل يفعل مثل هذا من تردى بأبراد الحياء؟

أو مقارفته ليلة وفاة أم كلثوم النبي الاقدس؟ وكان ذلك ممقوتا جدا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه ألمح إليه بقوله: هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟ فمنعه بذلك عن دفن حبيبته، وألصق به هوان الأبد.

أو تربعه على صهوة منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما استخلف؟ وكان أبو بكر يجلس دون مقامه صلى الله عليه وآله وسلم بمرقاة ثم عمر دونه بمرقاة، وكان من حق عثمان الذي كان أشد حياء من صاحبيه أن لا يطأ ذلك المرتقى، وأن يتبع ولا أقل سيرة الشيخين في الحياء والأدب، لكنه.....

أو مخالفته الكتاب والسنة؟ كما كتب المهاجرون الأولون وبقية الشورى إلى من بمصر من الصحابة والتابعين: أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها فإن كتاب الله قد بدل، وسنة رسوله قد غيرت (11). وكتبوا إلى الصحابة في الثغور: إن دين محمد قد أفسده من خلفكم وترك، فهلموا فأقيموا دين محمد صلى الله عليه وسلم ورفعت عائشة نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تقول: تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل. وتقول: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد.

وتقول: عثمان قد أبلى سنة رسول الله. وتقول: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا إنه قد كفر.

إلى كلمات أخرى لها ولغيرها في مخالفة الرجل الكتاب والسنة.

أو إعرابه عن تلكم الآراء الشاذة عن الكتاب والسنة في الصلاة والصلاة و الصدقات والأخماس والزكوات والحج والنكاح والحدود والديات بلهجة شديدة بمثل قوله: هذا رأي رأيته. وقوله: لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام هذا مال الله أعطيه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم. فقال له علي إذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه. وقال عمار: أشهد الله إن أنفي أول راغم من ذلك. أو قال: أنا والله أول من رغم أنفه من ذلك. راجع صفحة 15 من هذا الجزء.

أو حثه الناس على الأخذ بتلكم الآراء المنتئية عن ناموس الإسلام المقدس حتى قال له أمير المؤمنين لما قال له عثمان: لا تراني أنهى الناس عن شئ وتفعله أنت؟

لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس؟ أو قال له: لم أكن لأدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك. وكاد أمير المؤمنين يقتل من جراء تلك الأحدوثة، مر حديثه في ج 6: 219 و ج 8: 130 ط 2.

وقد فتح بذلك باب الجرأة على الله والتقول عليه بمصراعيه فجاء بعده معاوية ومروان وأبناء أبيه الآخرون يلعبون بدين الله لعبة الصبيان بالدوامة (12).

أو إيواءه عبيد الله بن عمر لما قتل نفوسا أبرياء ولم يقتص منه ونقم عليه بذلك جل الصحابة - لو لم نقل كلهم - ممن يأبه به وبرأيه؟!

أو تعطيله الحد على الوليد بن عقبة لرحمه وقرابته منه وقد شرب الخمر وقاء في محراب المسجد الأعظم بالكوفة، حتى وقع التحاور والتحارش بين المسلمين، واحتدم الحوار والمكالمة وتضاربوا بالنعال؟ مر في الجزء الثامن ص 120 - 125.

أو تسليطه بني أمية رجال العيث والفساد أبناء الشجرة الملعونة في القرآن على رقاب الناس ونواميس الاسلام المقدسة وتوطيده لهم الملك العضوض؟ وتأسيسه بهم حكومة أموية غاشمة في الحواضر الإسلامية؟ كما فصلنا القول فيه في الجزء الثامن ص 288 - 292 ط 2.

أورده إلى المدينة وإيواءه عمه وأبناؤه وكان قد طردهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنزيها لتلك الأرض المقدسة من أولئك الأدناس الأرجاس؟.

أو تفويضه الصالح العام إلى مروان المهتوك؟ وتطوره في سياسة العباد بتقلباته؟

كأن بيده مقاليد أمور الأمة حتى قال له مولانا أمير المؤمنين: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به؟

وقال: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بإفساد دينك وخديعتك عن عقلك، وإني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك.

أو كتابه إلى ولاته في قتل صلحاء الأمة وحبسهم وتنكيلهم وتعذيبهم؟.

أو تسييره عباد الله الصالحين من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان من معتقل إلى معتقل، ونفيهم عن عقر دورهم من المدينة والبصرة والكوفة، وإيذائهم بكل ما يمكنه من ضرب ووقيعة وتنكيل؟

مشردين نفوا عن عقر دارهم * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

حتى هلك في تسييره سيد غفار أبو ذر الصديق المصدق بعد ما تسلخ لحوم أفخاذه من الجهد في تسييره.

هذه نبذ يسيرة قرأناها في صحيفة حياء الخليفة ليعطي الباحث الممعن فيها للنصفة حقها، فيصدق السائل في جوابه، فهل يجد في شئ منها دلالة على تلفع الرجل بشئ من أبراد الحياء؟ أو يجدها أدلة واضحة على فقده لهاتيك الملكة الفاضلة؟ ويجده مترديا بضد هذه الغريزة في كل تلكم الأحوال؟ وعلى هذه فقس ما سواها.

على أن أبا بكر كان أولى بالاستحياء منه إن صح ما مر في الجزء السابع ص 248 من رواية استحياء الله منه، وتكذيبه نبيه استحياء من أبي بكر (13)؟ فكيف لم يهتش صلى الله عليه واله وسلم له ولم يبال به ويهتش لعثمان.

لنا كرة ثانية لرواية الحياء من ناحية أخرى فإن مختلق هذه الأفيكة أعشاه الحب المعمي والمصم حيث أراد إثبات فضيلة رابية للخليفة ذاهلا أو متذاهلا عن أن لازم ذلك سلب تلك الفضيلة عن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم - والعياذ بالله - حيث نسب إليه صلى الله عليه وآله وسلم الكشف عن أفخاده بمنتدى من صحابته غير مكترث لحضورهم حتى إذا جاء الذي تستحي منه الملائكة فاستحى منه وسترها، ونحن نقول أولا: إن هذا الفعل مما لا يرتكبه عظماء الناس ورجالات الأمم وإنما تجئ بمثله الطبقات الواطئة من أذناب الأعراب، فنبي العظمة الذي يهزأ بالطود في وقاره، ويزري بالبحر في معارفه، وكان كما وصفه أبو سعيد الخدري، أشد حياء من العذراء في خدرها (14) وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه. وقد أدبه الله تعالى فلم يدع فيه من شائنة وهذبه حتى استعظم خلقه الكريم بقوله تعالى: " إنك لعلى خلق عظيم " لا يستسيغ ذو لب مؤمن به وبفضله أن يعزو إليه مثل هذا التخلع الشائن.

على أن الشريعة التي صدع بها جعلت الأفخاذ عورة وأمرت بسترها، أخرج أحمد إمام الحنابلة في مسنده 5: 290 بالإسناد عن محمد بن جحش ختن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر على معمر بفناء المسجد محتبيا كاشفا عن طرف فخذه فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: خمر فخذك يا معمر! فإن الفخذ عورة.

وفي لفظ بإسناد آخر من طريق ابن جحش قال: مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفان فقال: يا معمر! غط فخذيك فإن الفخذ عورة.

وأخرجه البخاري بهذا الطريق وطريقي ابن عباس وجرهد في صحيحه باب ما يذكر في الفخذ 1: 138 ثم ذكر من طريقي أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حسر عن فخذه فقال: حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط وأخرجه من طريق ابن جحش في تاريخه 1 " قسم " 1: 12: وأخرجه البيهقي في سننه 2: 228، والحاكم في المستدرك 4: 180 قال ابن حجر في الإصابة 3: 448 أخرجه أحمد والحاكم وصححه، وأخرجه ابن قانع من وجه آخر عن الأعرج عن معمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه. الحديث.

وقال العسقلاني في فتح الباري 1: 380: رجاله رجال الصحيح غير أبي كثير فقد روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحا بتعديل، وقد أخرج ابن قانع هذا الحديث من طريقه أيضا. ووقع لي حديث محمد بن جحش مسلسلا بالمحمدين من ابتدائه إلى انتهائه وقد أمليته في الأربعين المتباينة.

وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 2: 52 عن أحمد والطبراني في الكبير فقال: رجال أحمد ثقات.

2 - عن علي رضي الله عنه مرفوعا: لا تبرز فخذك - فخذيك - ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت أخرجه البيهقي في سننه 2: 228 والحاكم في المستدرك 4. 180
والبزار كما في نيل الأوطار 2: 48.

3 - عن جرهد الأسلمي قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بردة وقد انكشفت فخذي وقال: غط فخذك فإن الفخذ عورة.

أخرجه البخاري في صحيحه كما سمعت تعليقا، ورواه مالك في الموطأ وأبو داود وأحمد والترمذي وقال: حسن. وذكره القسطلاني في إرشاد الساري عن مالك والترمذي فقال: وصححه ابن حبان، وذكر الشوكاني في نيل الأوطار 2: 50 تصحيح ابن حبان إياه، وأخرجه البيهقي في سننه 2: 228 من طريقين، والحاكم في المستدرك 4: 180 4 - عن ابن عباس: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وفخذه خارجة. فقال: غط فخذيك، فإن فخذ الرجل من عورته.

أخرجه البخاري تعليقا كما مر، ورواه الترمذي وأحمد في مسنده 1: 275، والبيهقي في سننه 2: 228 فقال: قال الشيخ: وهذه (15) أسانيد صحيحة يحتج بها، و أخرجه الحاكم في المستدرك 4: 181.

5 - أخرج الدارقطني في سننه من طريق عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرو صبيانكم بالصلاة في سبع سنين واضربوهم عليها في عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع، وإذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة، فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة.

وأخرجه أحمد في مسنده 2: 187 ولفظه: فلا ينظرن إلى شئ من عورته فإنما أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته. وذكره الزيلعي في نصب الراية 1: 296 نقلا عن الدارقطني وأبي داود وأحمد والعقيلي فقال: وله طريق آخر عند ابن عدي في الكامل. وأخرجه البيهقي في سننه 2: 229 من أربعة طرق، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري 1: 389.

6 - أخرج الدارقطني في سننه ص 85، والبيهقي في سننه 2: 229 من طريق أبي أيوب مرفوعا: ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من العورة.
وذكره الزيلعي في نصب الراية 1: 297.

هذه الأحاديث أخذها الأعلام أئمة الفقه والفتيا وذهبوا إلى أن الفخذ عورة وهو رأي أكثر العلماء كما قال النووي (16) والجمهور كما قاله القسطلاني والشوكاني (17) قال ابن رشد في بداية المجتهد 1: 111: ذهب مالك والشافعي إلى أن حد العورة من الرجل ما بين السرة إلى الركبة وكذلك قال أبو حنيفة. وقال قوم: العورة هما السوءتان فقط من الرجل، وسبب الخلاف في ذلك أثران متعارضان كلاهما ثابت، أحدهما حديث جرهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفخذ عورة. والثاني: حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم حسر عن فخذه وهو جالس مع أصحابه. ثم ذكر قول البخاري المذكور.

وقال القسطلاني في إرشاد الساري 1: 389: قال الجمهور من التابعين وأبو حنيفة ومالك في أصح أقواله، والشافعي وأحمد في أصح روايتيه، وأبو يوسف ومحمد: الفخذ عورة. وذهب ابن أبي ذئب وداود وأحمد في إحدى روايتيه والاصطخري من الشافعية وابن حزم إلى أنه ليس بعورة.

وفي الفقه على المذاهب الأربعة 1: 142: أما عورة الرجل خارج الصلاة فهي ما بين سرته وركبته فيحل النظر إلى ما عدا ذلك من بدنه مطلقا عند أمن الفتنة.

وفيه: قال المالكية والشافعية: إن عورة الرجل خارج الصلاة تختلف باختلاف الناظر إليه فبالنسبة للمحارم والرجال هي ما بين سرته وركبته وبالنسبة للأجنبية منه هي جميع بدنه إلا أن المالكية استثنوا الوجه والأطراف وهي الرأس واليدان والرجلان فيجوز للأجنبية النظر إليها عند أمن التلذذ، وإلا منع خلافا للشافعية فإنهم قالوا:

يحرم النظر إلى ذلك مطلقا.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار 2: 49 بعد ذكر حديث علي أمير المؤمنين المذكور مرفوعا والحديث يدل على أن الفخذ عورة وقد ذهب إلى ذاك العترة والشافعي وأبو خنيفة، قال النووي، ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة وعن أحمد ومالك في رواية: العورة القبل والدبر فقط " إلى أن قال: " والحق أن الفخذ من العورة، وحديث علي هذا وإن كان غير منتهض على الاستقلال ففي الباب من الأحاديث ما يصلح للاحتجاج به على المطلوب. وقال بعد ذكر حديث جرهد: الحديث من أدلة القائلين بأن الفخذ عورة وهم الجمهور. ا هـ.

هب أن النهي عن كشف الأفخاذ تنزيهي إلا أنه لا شك في أن سترها أدب من آداب الشريعة، ومن لوازم الوقار ومقارنات الأبهة: ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى برعاية هذا الأدب الذي صدع به هو، قال ابن رشد في تمهيدات المدونة الكبرى 1:

110: والذي أقول به إن ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في الفخذ ليس باختلاف تعارض ومعناه أنه ليس بعورة يجب سترها فرضا كالقبل والدبر وأنه عورة يجب سترها في مكارم الأخلاق ومحاسنها، فلا ينبغي التهاون بذلك في المحافل والجماعات ولا عند ذوي الأقدار والهيئات، فعلى هذا تستعمل الآثار كلها واستعمالها كلها أولى من اطراح بعضها. ا هـ.

فعلى كلا التقديرين نحاشي نبي العظمة والجلال أن يكشف عن فخذيه في الملأ غير مكترث للحضور - وهو أشد حياء من العذراء - ولا يأبه بهم حتى أن يأتي رضيع ثدي الحياء، وربيب بين القداسة وليد آل أمية، أشد الأمة حياء، وقد قتلته أفعاله النائية عن تلك الملكة الفاضلة.

ولا يهولنك وجود الرواية في الصحيحين فإنهما كما قلنا عنهما علبتا السفاسف وعيبتا السقطات وفيهما من المخازي والمخاريق ما شوه سمعة التأليف، وفت في عضد علم الحديث، ولعلنا سوف ندعم ما ادعيناه بالبرهنة الصادقة إنشاء الله تعالى: وليتهما اقتصرا من الخزاية على رواية كشف الفخذ فحسب ولم يخرجا تعريه صلى الله عليه وآله وسلم بين الناس، أخرج البخاري في صحيحه باب بنيان الكعبة ج 6: 13، ومسلم في صحيحه ج 1: 184 من طريق جابر بن عبد الله قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان حجارة، فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: إجعل إزارك على عاتقك يقيك من الحجارة.

ففعل، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال: إزاري إزاري فشد عليه إزاره.

وفي لفظ لمسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي! لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة قال: فحله فجعله على منكبيه فسقط مغشيا عليه قال: فما رؤي بعد ذلك اليوم عريانا.

وفي قصة لابن هشام في السيرة 1: 197 قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي، يحدث عما كان يحفظه به في صغره وأمر جاهليته أنه قال: لقد رأيتني في غلمان قريش تنقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان، كلنا قد تعرى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة، فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر، إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة ثم قال: شد عليك إزارك قال: فأخذته وشددته علي، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي، وإزاري علي من بين أصحابي.

هلموا معي أيها المسلمون جميعا نسائل هذين الرجلين - صاحبي الصحيحين - أهذا جزاء نبي العظمة على جهوده؟ وحق شكره على إصلاحه؟ أهذا من إكباره وتعظيمه؟ أصحيح أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان يمشي بين ملأ العمال عاريا قد نضا عنه ثيابه وألقى عنه إزاره، غير ساتر عن الحضور عورته؟ وكان عمره صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ خمسا وثلاثين سنة كما قال ابن إسحاق (18).

هب أن رواة السوء أخرجوه لغاية مستهدفة لكن ما المبرر للرجلين أن يستصحاه ويثبتاه في صحيحهما كأثر ثابت؟ أيحسبان أن هذا العمل الفاضح من مصاديق ما أثبتاه له صلى الله عليه وآله وسلم - وهو الصحيح الثابت - من أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد حياء من العذراء؟ (19) وهل تجد في العذراء من يستبيح هذه الخلاعة؟ لاها الله، لاها الله.

أو يحسبان صاحب هذا المجون غير نبي الاسلام الذي نهى جرهدا. ومعمرا عن كشف فخذيهما لأنهما عورة؟ أو ينهي صلى الله عليه وآله وسلم عن كشف الفخذ يوما ويكشف هو عما فوقها يوما آخر؟ أو من الهين أن نعتقد أن الفخذ عورة لكن ما يعلوها من السوءة ليس بعورة؟.
هلم معي نعطف النظرة بين ما أثبته الصحيحان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين ما جاء به أحمد في مسنده 1: 74 عن الحسن البصري أنه ذكر عثمان وشدة حياءه فقال: إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء أن يقيم صلبه (20) انظر إلى حياء نبي العصمة والقداسة، وحياء وليد الشجرة المنعوتة في القرآن، وشتان بينهما؟.

أو ليس هذا النبي الأعظم هو الذي سأله معاوية بن حيدة فقال له: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: إحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك. قال: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها. قال: فإذا كان أحدنا خاليا؟

قال فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه (21).

لقد أغرق صلى الله عليه وآله وسلم نزعا في ستر العورة حتى أنه لم يرض بكشفها والمرأ خال حياء من الله تعالى، واستدل به من قال: إن التعري في الخلاء غير جائز مطلقا (22) لكن من عذيري من صاحبي الصحيحين حيث يحسبان أنه صلى الله عليه وآله وسلم كشفها بملأ من الأشهاد؟ والله من فوقهم رقيب. وعلى فرضه - وهو فرض محال - فأين الحياء المربي على حياء العذراء؟ وأين الحياء من الله؟ غفرانك أللهم هذا بهتان عظيم.

هل يحسب الشيخان أن ذلك الحياء فاجأه صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذه الوقايع أو الفظايع، وما كان غريزة فيه منذ صيغ في بوتقة القداسة؟ إن كانا يزعمان ذلك؟ فبئس ما زعما، وإن الحق الثابت أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان نبيا وآدم بين الروح والجسد (23) وقد اكتنفته الغرائز الكريمة كلها منذ ذلك العهد المتقادم، شرع سواء في ذلك وهو في عالم الأنوار:

أو: في عالم الأجنة، وفي أدوار كونه رضيعا وطفلا ويافعا وغلاما وكهلا وشيخا، صلى الله عليه وآله وسلم يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.

أو ليس مسلم هو الذي يروي من طريق المسور بن مخرمة أنه قال: أقبلت بحجر ثقيل أحمله وعلي إزار خفيف فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أمنعه حتى بلغت به إلى موضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إرجع إلى إزارك فخذه ولا تمشوا عراة (24).

أفمن المستطاع أن يقال: إنه صلى الله عليه وآله وسلم ينهى مسورا عن المشي عاريا ويزجره عن حمل الحجر كذلك ويرتكب هو ما نهى عنه؟ إن هذا لشئ عجاب.

وأعجب منه إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى أن المشرك إذا شاهد الناظر المحترم لم يكشف عن عورته فكيف هو بنفسه، جاء في السير في قصة الغار، أن رجلا كشف عن فرجه وجلس يبول فقال أبو بكر: قد رآنا يا رسول الله! قال: لو رآنا لم يكشف عن فرجه.    فتح الباري 7: 9.

وأعجب من الكل إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى لعورة الصغير حرمة كما جاء في صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك 3: 257 من طريق محمد بن عياض قال: رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغري وعلي خرقة وقد كشفت عورتي فقال: غطوا حرمة عورته فإن حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير، ولا ينظر الله إلى كاشف عورة.

وأنى يصح حديث الشيخين إن صح ما مر عن ابن هشام ص 286 من قصة لعبه صلى الله عليه وآله وسلم مع الغلمان في صغره وقد حل إزاره وجعله على رقبته، إذ لكمه لاكم فأورعه، وهتف بقوله: شد عليك إزارك؟ أبعد تلكم اللكمة وذلك الهتاف عاد صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما نهي عنه لما كبر وبلغ مبلغ الرجال؟

وكيف يتفق حديث الشيخين مع ما أخرجه البزار من طريق ابن عباس قال:

كان صلى الله عليه وسلم يغتسل وراء الحجرات وما رأى أحد عورته قط. وقال: إسناده حسن (25).

وأبلغ من ذلك ما رواه القاضي عياض في الشفا 1: 91 عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط.
كوني أنت يا أم المؤمنين حكما عدلا بيننا وبين رواة السفاسف، واحكمي قسطا فيمن يعزو إلى بعلك المقدس مما يربي بنفسه عنه كل سافل ساقط، ويقولون:

إن رجلا لم ير عورته قط أحد حتى حليلته، وأنت من اطلع الناس على خلواته وسرياته كان يحمل الحجر بين العمال عاريا وقد حل إزاره وجعله على منكبيه.

أيهما صحيح عنك يا أم المؤمنين مما أسندوه إليك؟ أحديثك هذا؟ أم ما حدثت به - إن كنت حدثت به - من حديث عثمان مشفوعا بما ثبت عن بعلك صلى الله عليه وسلم من أن الفخذ عورة؟.

وكأني بأم المؤمنين تقول: حسبك أيها السائل لقد منيت بالكذابة كما مني بها بعلي صلى الله عليه وآله وسلم قبلي، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا.

وسيعلم المبطلون غب ما فرطوا في جنب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلوا في فضائل أناس آخرين، ونعم الحكم الله غدا والخصيم محمد صلى الله عليه وآله.

ليت شعري هل كانت عائشة تعتقد باستقرار ملكة الحياء في عثمان في كل تلك المدة التي روت عن أولياتها حديث الفخذين، وطفقت في أخرياتها تثير الناس على عثمان وتقول فيه تلكم الكلم القارصة الفظة التي أسلفناها في الجزء صفحة 77 - 86 ولم تفتأ حتى أوردته حياض المنية، وهل كانت ترى استمرار حياء الملائكة منه طيلة ما بين الحدين؟! أو أنها ترتأي انفصام عراه بتقطع حلقات ما أثبتت له من ملكة الحياء؟

ولذلك قلبت عليه ظهر المجن، فإن كان الأول فما المبرر للهجاته الأخيرة؟ وإن كان غيره؟ فالحديث باطل أيضا لأن تبجيل عالم الملكوت لا يكون إلا على حقيقة مستوعبة لمدة حياة الانسان كلها، والتظاهر بالفضل المنصرم لا حقيقة له تكبرها الملائكة وتستحي من جهتها، هذا إن لم تعد أم المؤمنين علينا جوابها الأول مرة أخرى من أنها منيت بالكذابة كما أنه جوابها المطرد في كل ما يروى عنها من فضل عثمان وإن كلها من ولائد عهد معاوية المحشو بالأكاذيب والمفتريات طمعا في رضائخه.

3 - أخرج الطبراني من حديث أبي معشر البراء البصري عن إبراهيم بن عمر بن أبان بن عثمان عن أبيه عمر بن أبان عن أبيه أبان بن عثمان بن عفان قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعائشة وراءه إذ استأذن أبو بكر فدخل، ثم استأذن عمر فدخل، ثم استأذن سعد بن مالك فدخل، ثم استأذن عثمان بن عفان فدخل و رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث كاشفا عن ركبته فرد ثوبه على ركبته حين استأذن عثمان و قال لامرأته: استأخري فتحدثوا ساعة ثم خرجوا فقالت عائشة: يا نبي الله دخل أبي وأصحابه فلم تصلح ثوبك على ركبتك ولم تؤخرني عنك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ والذي نفسي بيده إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحي من الله ورسوله، ولو دخل وأنت قريب مني لم يتحدث، ولم يرفع رأسه حتى يخرج.

ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 203 فقال: هذا حديث غريب وفي سنده ضعف.

وأوعز الذهبي إليه في الميزان 2: 250 فقال: قال البخاري: في حديث عمر بن أبان نظر.

قال الأميني: هذه الرواية لدة ما أسلفناه من مسلم وأحمد مشفوعا بتفنيده و إبطاله ونزيدك هاهنا: إن البراء أبا معشر البصري ضعفه ابن معين، وقال أبو داود:

ليس بذاك (26) وفيها إبراهيم بن عمر بصري أموي حفيد الممدوح قال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال ابن أبي حاتم: ترك أبو زرعة حديثه فلم يقرأه علينا. وقال ابن حبان:

لا يحتج بخبره إذا انفرد (27) وقال ابن عدي: حدثنا أبو يعلى عن المقدمي عن أبي معشر عن إبراهيم بن عمر بن أبان بأحاديث كلها غير محفوظة منها: إن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إلى عثمان أنه يقتل ظلما (28).

4 - أخرج الطبراني من طريق أبي مروان محمد بن عثمان الأموي العثماني عن أبيه عثمان بن خالد حفيد عثمان بن عفان عن مالك عن أبي الزناد (مولى بنت عثمان) عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عثمان حيي تستحي منه الملائكة (29) قال الأميني: في الاسناد أبو مروان محمد قال صالح الأسدي: يروي عن أبيه المناكير، وقال ابن حبان: يخطئ ويخالف (30).
وفيه عثمان بن خالد قال البخاري: عنده مناكير. وقال النسائي: ليس بثقة. و قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم. وقال أبو أحمد: منكر الحديث: وقال ابن عدي: أحاديثه كلها غير محفوظة. وقال الساجي: عنده مناكير غير معروفة. وقال الحاكم وأبو نعيم: حدث عن مالك وغيره بأحاديث موضوعة (31) وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به (32)، وقال السندي في شرح سنن ابن ماجة 1: 53 في حديث يأتي: إسناده ضعيف فيه عثمان بن خالد وهو ضعيف باتفاقهم.

وقد فصلنا القول قبيل هذا في حياء الرجل بما لا مزيد عليه وبذلك تعلم أن الحديث باطل وإن صح إسناده فكيف به وإسناده أوهن من متنه.

5 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 56 من طريق هشيم أبي نصر التمار عن الكوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد أمتي حياء عثمان بن عفان.

قال الأميني: تغمرني الحيرة في حياء أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومبلغها منه بعد أن كان عثمان أشدها حياء وبين يديك أفعاله وتروكه، فعلى الأمة العفا إن صدقت الأحلام.

نعم: هذا لا يكون، ونبي العظمة لا يسرف في القول، ولا يجازف في الاطراء، والإسناد باطل لا يعول عليه لمكان كوثر بن حكيم قال أبو زرعة: ضعيف. وقال يحيى بن معين: ليس بشئ. وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه بواطيل ليس بشئ. وقال الدارقطني وغيره: مجهول. وقال أبو طالب: سألت أحمد عنه فقال: ليس هو من عيالنا، وكان أحمد إذ لم يروعن رجل قال: ليس هو من عيالنا متروك الحديث وقال: ضعيف منكر الحديث.

وقال الجوزجاني: لا يحل كتابة حديثه عندي لأنه متروك. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظة. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ضعيف الحديث. قلت: هو متروك؟

قال: لا، ولا أعلم له حديثا مستقيما وهو ليس بشئ. وقال ابن أبي شيبة: منكر الحديث.

وقال أبو الفتح والساجي: ضعيف. وقال البرقاني والدارقطني: متروك الحديث. وذكره العقيلي والدولابي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء. ميزان الاعتدال 2: 359، لسان الميزان 4: 491.

6 - أخرج أبو نعيم في الحلية 1: 56 من طريق زكريا بن يحيى المقري (33) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عثمان أحيا أمتي وأكرمها.

قال الأميني: ما خطر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن كان أحياها وأكرمها قتيل الصحابة العدول إثر هناته وموبقاته، وليد الشجرة الملعونة في القرآن، وليد أبي العاص وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم في ولده قوله: إذا بلغوا ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا، ودينه دخلا. وقد كان بلاغهم ثلاثين يوم عثمان وهو أحدهم ورأسهم، وأسلفنا في ذلك قول أبي ذر الناظر إليه وإليهم من كثب. فهل يثمر الشوك العنب؟ لاها الله.

أيحسب الباحث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسر بهذه المنقبة الرابية إلى ابن عمر فحسب من بين الصحابة؟ أم أعلن بها في ملأ من أصحابه وكان في الآذان وقر؟ أم سمعوها ونسوها من يومهم الأول؟ أم حفظوها ونبذوها وراء ظهورهم يوم تركوا جثمان أحيا الأمة وأكرمها منبوذا ثلاثة أيام في مزبلة من غير دفن؟ ثم دفنها عدة أناس ليلا وما أمكنهم تغسيله وتكفينه وتجهيزه والصلاة عليه، دفن في مقبرة اليهود بعد ما رجم سريره وكسر ضلع من أضلاعه، وعفي قبره خوفا عليه من النبش.

على أن الاسناد لا يصح لمكان زكريا بن يحيى وهو ضعيف وشيخه يخطئ في الاسناد والمتن وقد أخطأ في أحاديث كثيرة، وغرائب حديثه وما ينفرد به كثير. راجع تاريخ الخطيب البغدادي وميزان الاعتدال ولسانه.

7 - أخرج ابن عساكر في ترجمة عثمان من طريق أبي هريرة مرفوعا: الحياء من الإيمان وأحيى أمتي عثمان.

ضعفه السيوطي في الجامع الصغير وأقره المناوي راجع فيض القدير 3: 429

* (لفت نظر) *

يعطينا سبر التاريخ والحديث خبرا بأن السيرة المطردة لرجال الوضع والاختلاق في شنشنة التقول والافتعال في الفضائل هي العناية الخاصة بالملكات التي كان يفقدها الممدوح رأسا. والمبالغة والاكثار في كل غريزة ثبت خلافها مما علم من تاريخ حياة الرجل ومن سيرته الثابتة المشهورة، فنجدهم يبالغون في شجاعة أبي بكر بما لا مزيد عليه حتى حسبوه أشجع الصحابة، وقد شهد مشاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها وما سل فيها سيفا، ولا نزل في معترك قتال، ولا تقدم لبراز أي مجالد، وما رئي قط مناضلا، وما شوهد يوما في ميادين الحراب منازلا، فأكثروا القول فيها وجاؤا بأحاديث خرافة في شجاعته رجاء أن يثبت له منها شئ تجاه تلك الدراية الثابتة بالمحسوس المشاهد (34).

ويبالغون في زهده وتقواه وجعلوا كبده مشويا من خوف الله والدخان يتصاعد من فمه إلى السماء مهما تنفس، ولم يثبت له ميز في العبادة ولم يرو عنه الاكثار من الصوم والصلاة ومن كل ما يقربه إلى الله زلفى (35).

ويبالغون في علم عمر وجعلوه أعلم الصحابة في يومه على الإطلاق وأفقههم في دين الله، وحابوه تسعة أعشار العلم، راجحا علمه علم أهل الأرض، علم أحياء العرب في كفة الميزان، وجاؤا فيه بكثير لدة هذه الخرافات (36) والرجل قد ألهاه الصفق بالأسواق عن علم الكتاب والسنة، وكل الناس أفقه منه حتى ربات الحجال أخذا بقوله وهو الصادق المصدق فيه (37).

ويبالغون في إنكاره الباطل وبغضه الغناء ونكيره الشديد عليه، وقد ثبت من شكيمته أنه كان يتعاطاه ويجوزه (38).

ولما وجدوا أن التاريخ الصحيح وما ثبت من سيرة عثمان ينفي عنه ملكة الحياء ويمثله للمجتمع بما يضادها، نسجوا له النسج المبرم، وأتوا بالمخازي ووضعت يد الافتعال فيها ما سمعت من الأفائك، حتى جعلوه أشد أمة محمد حياء وأحياها و أكرمها، حييا تستحي منه الملائكة. فحياء عثمان كشجاعة أبي بكر وعلم عمر سالبة بانتفاء موضوعاتها، وهي فيهم تضاهي أمانة معاوية وعلمه الواردين فيما يعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: كاد أن يبعث معاوية نبيا من كثرة علمه وائتمانه على كلام ربي. وقوله:
الأمناء سبعة: اللوح والقلم وإسرافيل وميكائيل وجبريل ومحمد ومعاوية (39).

ويعرب عن أمانة معاوية ومبلغه من هذه الملكة الفاضلة ما رواه أبو بكر الهذلي قال: إن أبا الأسود الدؤلي كان يحدث معاوية يوما فتحرك فضرط فقال لمعاوية: استرها علي. فقال: نعم. فلما خرج حدث بها معاوية عمرو بن العاص ومروان بن الحكم، فلما غدا عليه أبو الأسود قال عمرو: ما فعلت ضرطتك يا أبا الأسود بالأمس؟

قال: ذهبت كما تذهب الريح مقبلة ومدبرة من شيخ ألان الدهر أعصابه ولحمه عن إمساكها، وكل أجوف ضروط. ثم أقبل على معاوية فقال: إن امرء ضعفت أمانته و مروأته عن كتمان ضرطة لحقيق بأن لا يؤمن على أمور المسلمين.

الأغاني 11: 113، حياة الحيوان للدميري 1: 351. محاضرات الراغب 2: 125.

8 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 102 من طريق الدارمي عن سعيد بن عبد الله الجرجسي عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عمرو بن أبان بن عثمان (الممدوح) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر.

فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله، وأما ما ذكر من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الحاكم: قال الدارمي: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن حرب يسند هذا الحديث والناس يحدثون به عن الزهري مرسلا إنما هو عمرو بن أبان ولم يكن لأبان ابن عثمان ابن يقال له عمرو.

قال الأميني: ألا تعجب من رؤيا رئاها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وحدث بها في ملأ الصحابة ولم يسمعها منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا جابر بن عبد الله وهو لم يرتب عليها أي أثر عملي، ولم يروها عنه إلا حفيد عثمان عمرو بن أبان الذي لم يكن له وجود، أو اختلف في أنه كان أو لم يكن؟ نعم: ينبغي حقا أن يكون مستدرك الصحيحين أمثال هذه التافهات.

9 - أخرج ابن ماجة في سننه 1: 53 عن أبي مروان محمد بن عثمان الأموي العثماني عن أبيه عثمان بن خالد حفيد عثمان بن عفان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه (مولى عائشة بنت عثمان) عن الأعرج عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان.

رجال الاسناد:

1 - أبو مروان مر الايعاز إليه ص 290.

2 - عثمان بن خالد، أسلفنا في هذا الجزء ص 291 كلمات الحفاظ فيه وأنه ليس بثقة، وأحاديثه كلها غير محفوظة، وحدث بأحاديث موضوعة لا يجوز الاحتجاج به. ورواه الترمذي من طريق طلحة بن عبيد الله وقال: غريب ليس إسناده بالقوي وهو منقطع.

3 - عبد الرحمن بن أبي الزناد، قال يحيى بن معين: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث ليس بشئ. وقال ابن صالح وغيره عن ابن معين: ضعيف. وقال الدوري عن ابن معين: لا يحتج بحديثه. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: مضطرب الحديث. وعن ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفا. وقال النسائي: لا يحتج بحديثه. وقال ابن سعد:

كان كثير الحديث وكان يضعف لروايته عن أبيه.    (تهذيب التهذيب 6: 171)

وبعد ذلك كله فإني أستغرب هذه الرفاقة وإن الرجل بماذا اختص بها وحصل عليها من دون الصحابة المقدمين ذوي الفضائل والمآثر، وفي مقدمهم صنوه صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وهو نفسه في الذكر الحكيم، وأخوه المخصوص به في حديث المواخاة المعربة عن المجانسة بينهما في النفسيات، وهو الذاب الوحيد عنه في حروبه ومغازيه، ومثله الأعلى في العصمة والقداسة بصريح آية التطهير، وباب مدينة علمه في الحديث المتواتر.

فبماذا اختص عثمان بهذه الرفاقة دون علي أمير المؤمنين؟ ألمشاكلته مع صاحب الرسالة العظمى في النسب أو الحسب في العلم والتقوى والملكات الفاضلة؟ أو لاتباعه ما جاء به صلى الله عليه وآله وسلم من كتاب أو سنة؟ وأنت متى استشففت ما تلوناه في هذا الكتاب من موارد الخليفة ومصادره، وأخذه ورده، وأفعاله وتروكه، تعلم مبوأه من كل هاتيك الفضائل وتجد من المستحيل ما أثبتته له هذه الرواية الواهية بإسنادها الساقط، تعالى نبي العظمة عن ذلك علوا كبيرا.
ولست أدري لماذا رد الله دعاء نبيه الأعظم في أبي بكر الوارد فيما أخرجه ابن عدي من طريق الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أللهم إنك جعلت أبا بكر رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة (40)

نعم: هذا كحديث ابن ماجة هما سواسية في البطلان، في إسناده محمد بن الوليد القلانسي البغدادي. كذاب يضع الحديث كما مر في سلسلة الكذابين ج 5: 265 ط 2، ومصعب بن سعيد يحدث عن الثقات بالمناكير ويصحف، وكان مدلسا لا يدري ما يقول وستوافيك ترجمته، وعيسى بن يونس مجهول لا يعرف.

10 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 97 من طريق عبيد الله بن عمرو القواريري البصري عن القاسم بن الحكم بن أوس الأنصاري عن أبي عبادة الزرقي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: شهدت عثمان يوم حصر في موضع الجنائز فقال: أنشدك الله يا طلحة! أتذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكان كذا وكذا وليس معه من أصحابه غيري وغيرك فقال لك: يا طلحة! إنه ليس من نبي إلا وله رفيق من أمته معه في الجنة وإن عثمان رفيقي ومعي في الجنة؟ فقال طلحة: أللهم نعم. قال: ثم انصرف طلحة.

وفي لفظ أحمد في مسنده 1: 74 بالإسناد نفسه عن أسلم قال: شهدت عثمان رضي الله عنه حوصر في موضع الجنائز ولو القي حجر لم يقع إلا على رأس رجل فرأيت عثمان رضي الله عنه أشرف من الخوخة التي تلي مقام جبريل عليه السلام فقال: أيها الناس أفيكم طلحة؟ فسكتوا. ثم قال: أيها الناس أفيكم طلحة؟ فسكتوا. ثم قال: يا أيها الناس أفيكم طلحة؟ فقام طلحة بن عبيد الله فقال له عثمان رضي الله عنه: ألا أراك ههنا ما كنت أرى أنك تكون في جماعة تسمع ندائي آخر ثلاث مرات ثم لا تجيبني أنشدك الله يا طلحة! تذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع كذا كذا ليس معه أحد من أصحابه غيري وغيرك؟ قال: نعم. فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا طلحة!

إنه ليس من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق من أمته معه في الجنة، وإن عثمان ابن عفان رضي الله عنه هذا يعنيني رفيقي معي في الجنة؟ قال: طلحة: أللهم نعم. ثم انصرف.
صححه الحاكم وعقبه الذهبي فقال: قلت قاسم هذا قال البخاري: لا يصح حديثه. وقال أبو حاتم: مجهول. وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 8: 312 وحكى عن البخاري وأبي حاتم ما ذكره الذهبي.

وفي الاسناد عبيد الله القواريري روى عنه البخاري خمسة أحاديث فحسب، و مسلم أربعين حديثا (41) وقد سمع منه أحمد بن يحيى مائة ألف حديث (42) فما حكم ذلك الحوش الحائش مما جاء به القواريري بعد ما لم يأخذ البخاري ومسلم منه إلا عدة أحاديث وضربا عن كل ذلك صفحا؟ ومن المستبعد جدا عدم وقوفهما عليها.

وفيه: أبو عبادة الزرقي عيسى بن عبد الرحمن الأنصاري قال أبو زرعة: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: منكر الحديث ضعيف الحديث شبيه بالمتروك لا أعلمه روى عن الزهري حديثا صحيحا. وقال البخاري والنسائي: منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك. وقال العقيلي: مضطرب الحديث. وقال الأزدي: منكر الحديث مجهول. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال ابن حبان أيضا: لا ينبغي أن يحتج بما انفرد به (43).

قال الأميني: ولا يكاد يصح انصراف طلحة مع إصراره الثابت في التشديد على عثمان إلى آخر نفس لفظه الرجل، ولم يقنعه الإجهاز عليه حتى أنه منعه عن الدفن في مقابر المسلمين، وجعل ناسا هناك أكمنهم كمينا ورموا حملة جنازته بالحجارة و صاحوا: نعثل نعثل. وقال طلحة: يدفن بدير " سلع " يعني مقابر اليهود، ولذلك قال مروان لما قتل طلحة لأبان بن عثمان: قد كفيتك بعض قتلة أبيك، ومروان كان شاهدا عليه من كثب (44).

ومن العجيب أن هذه المناشدة كانت في ذلك المحتشد الرحيب بمسمع من أولئك الجم الغفير وكان لو ألقي الحجر لم يقع إلا على رأس رجل لكنها لم تكفئ أحدا منهم، فهل كانوا معترفين بها معرضين عنها؟ فأين العدالة المزعومة فيهم؟ أو أنهم عرفوا بطلانها وما صدقوا الرجلين في دعواهما فتركوها في مدحرة الإعراض؟ أو لم تكن هنالك مناشدة قط؟ وهو أقرب الوجوه إلى الحق.

ولو فرضنا أنها أكفأت طلحة كما يحسبه مختلق هذه الرواية فإنه لم يكن إلا إكفاء وقتيا ثم راجع طلحة رشده فعرف أنها حجة داحضة فاستمر على ما ثار له، وثبت عنه من الثبات على عمله وتضييقه.

هذه غاية ما يمكن أن يقال متى تجشمنا لوضع هذه المزعمة في بقعة الامكان، ومن المستصحب ذلك أو المتعذر، وقد أسلفنا أن الرفاقة المزعومة ليس من السهل تصديقها لعدم المجانسة بين الرفيقين قط ولو كان من جهة.

والرفاقة كالأخوة والصحبة - المنبعثة ثلاثتها عن التجانس في الخلل والمزايا - تخص بعلي أمير المؤمنين عليه السلام كما جاء مرفوعا: يا علي أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة (45) وهذا التخصص تعاضده البرهنة الثابتة، ويؤيد بالاعتبار.

11 - أخرج أبو يعلى وأبو نعيم وابن عساكر في تاريخه 7: 65، والحاكم في المستدرك 3: 97 من طريق شيبان بن فروخ عن طلحة بن زيد الدمشقي عن عبيدة (46) ابن حسان عن عطاء الكيخاراني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بينما نحن في بيت ابن حشفة في نفر من المهاجرين فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينهض كل رجل منكم إلى كفؤه فنهض النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عثمان فاعتنقه وقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة.

صححه الحاكم وعقبه الذهبي في تلخيصه وقال: قلت: بل ضعيف فيه طلحة ابن زيد وهو واه عن عبيدة بن حسان شويخ مقل عن عطاء. وقال السيوطي في اللئالي 1: 317: موضوع، طلحة لا يحتج به، وعبيدة يروي الموضوعات عن الثقات. ا هـ.

وذكره المحب الطبري في رياضه النضرة 2: 101، وابن كثير في تاريخه 7: 212 ساكتين عما في إسناده من الغمز شأنهما في فضائل من يحبانه ويواليانه، ولا يخفى عليهما قول أحمد: طلحة بن زيد ليس بذاك قد حدث بأحاديث مناكير. وقوله: ليس بشئ كان يضع الحديث لا يعجبني حديثه. وقول البخاري والنسائي: منكر الحديث.

وقول النسائي أيضا: ليس بثقة متروك. وقول صالح بن محمد: لا يكتب حديثه. وقول ابن حبان: منكر الحديث لا يحل الاحتجاج بخبره. وقول الدارقطني والبرقاني: ضعيف. وقول أبي نعيم: حدث بالمناكير لا شئ. وقول الآجري عن أبي داود: يضع الحديث. ونسبة ابن المدايني إياه إلى وضع الحديث. وقول الساجي: منكر الحديث (47)

كما لا يخفى على الرجلين رأي الحفاظ في عبيدة بن حسان قال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وقال الدارقطني: ضعيف.    لسان الميزان 4: 125.

والغرابة في هذه المماثلة والولاية المنبعثة عنها في الدنيا والآخرة، وهي ليست بأقل من الرفاقة التي أسلفنا القول فيها قبيل هذا، وإن من المؤسف جدا المقارنة بين رسول العظمة وبين من لم يقم الصحابة الأولون - العدول كلهم فيما يرتأون - له وزنا، ولا رأوا لحياته قيمة، ولا حسبوا لتسنمه عرش الخلافة مؤهلا، فلم يزل ممقوتا عندهم حتى كبت به بطنته، وأجهز عليه عمله، كما قاله مولانا أمير المؤمنين (48) ولم يفتأ الصحابة مصرين على مقته حتى أوردوه حياض المنية، ولم تبرح أعماله مؤكدة لعقائد الملأ الديني في همزه ولمزه حتى وقع من الأمر ما وقع.

ولا يسع قط لعارف عرفان وجه المكافأة بين نبي العظمة وبين عثمان، فإنها إن كانت من ناحية النسب؟ فأنى هي؟ هذا من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وذلك من شجرة ملعونة في القرآن.

وإن كانت من حيث الحسب؟ ففرق بينهما فيه بعد المشرقين ولا حرج، هذا حسيب. وذلك مقشب الحسب؟ وإن كانت من جهة الملكات الفاضلة والنفسيات الكريمة فالمشاكلة منتفية وهما طرفا نقيض، هذا ناصح الجيب، واري الزند (49) لعلى خلق عظيم، والآخر يحمل منها بين جنبيه ما عرفناك حديثه.

ونحن إن أخذنا ما جاء به القوم من قضايا الملكات فالبون بينهما شاسع أيضا، فالنبي الأقدس مثلا عندهم كما مر كان يكشف في الملأ عن ركبتيه وعن فخذيه و عما هو بينهما وبين سرته ولم يكن يبالي. وعثمان إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه، كما مر في حديث الحسن ص 287.

وإن فرضت المشاكلة من جانب الأخذ بالدين والعمل بما فيه من أفعال أو تروك؟

قالتباين بينهما ظاهر وأي تباين، ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون، ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا؟ (50) هذا رسول التوحيد أسلم وجهه لله وهو محسن، يعبد ربه مخلصا له الدين تحت راية لا إله إلا الله، وقرط أذنه قوله تعالى: قل الله ثم ذرهم، وورد لسانه: وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت. وأما عثمان فهو أسير هوى مروان ومعاوية وسعيد ومن شاكلهم من أبناء بيته، يسير مع ميولهم وشهواتهم، حتى قال مولانا أمير المؤمنين: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به (51) قدم ربه وقد خلط عملا صالحا وآخر سيئا، كسب سيئة وأحاطت به خطيئته.

إيه إيه يا نبي العظمة أنزلك الدهر ثم أنزلك حتى جعلك كفو عثمان بعد ما اختارك ربك واصطفاك من بريته وجعلك لسان صدق نبيا، هذا جزاءك من أمتك جزاء سنمار، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

* (لفت نظر) *

وضعت يد الأمانة الخائنة على ودائع الاسلام المقدس هذه الرواية تجاه ما صح عن النبي الأقدس في صنوه الطاهر أمير المؤمنين في حديث طويل عن ابن عباس من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أنت وليي في الدنيا والآخرة.

أخرجه أحمد في مسنده 1: 331 بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات كما مر الايعاز إليه في الجزء الأول ص 50، وفي الجزء الثالث ص 195 ط 2، رجاله:

1 - يحيى بن حماد أبو بكر البصري، أحد رجال الصحيحين، وثقه ابن سعد و أبو حاتم وابن حبان والعجلي.

2 - أبو عوانة الوضاح اليشكري، من رجال الصحيحين وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وأحمد وابن حبان وابن سعد والعجلي وابن شاهين. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة ثبت حجة.

3 - أبو بلج يحيى بن سليم الواسطي. وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي و الدارقطني وابن حبان وأبو الفتح الأزدي.

4 - عمرو بن ميمون أبو عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثقه العجلي وابن معين والنسائي وغيرهم. عن ابن عباس.

وأخرجه جمع من الحفاظ وذكره غير واحد من المؤلفين ومنهم.

1 - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي المتوفى 303 في الخصائص ص 7.

2 - الحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفى 360 كما في الفرايد والمجمع وغيرهما.

3 - الحافظ أبو يعلى النيسابوري المتوفى 374 كما في البداية والنهاية.

4 - الحافظ أبو عبد الله الحاكم المتوفى 405 في المستدرك 3: 132 وصححه.

5 - الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفى 458 كما في المناقب للخوارزمي.

6 - أخطب خوارزم أبو المؤيد المتوفى 568 في المناقب ص 75.

7 - الحافظ أبو القاسم ابن عساكر المتوفى 571 في الأربعين الطوال والموافقات.

8 - الحافظ أبو عبد الله الكنجي المتوفى 658 في كفاية الطالب ص 115.

9 - الحافظ أبو المحب الطبري المتوفى 694 في الرياض النضرة 2: 203، ذخائر العقبى ص 87.

10 - شيخ الاسلام الحموئي المتوفى 722 في فرائد السمطين.

11 - الحافظ ابن كثير الدمشقي المتوفى 774 في البداية والنهاية 7: 337.

12 - " أبو الحسن الهيثمي المتوفى 807 في مجمع الزوائد 9: 108 وصححه من طريق أحمد.
13 - الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى 852 في الإصابة 2: 509.

14 - أبو حامد محمود الصالحاني كما في (توضيح الدلائل) لشهاب الدين أحمد.

15 - السيد شهاب الدين أحمد في (توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل).

16 - الشيخ أحمد بن الفضل باكثير المتوفى 1042 في وسيلة المآل.

17 - ميرزا محمد البدخشاني المتوفى 1123 في نزل الأبرار ص 16 ومفتاح النجا.

18 - شاه ولي الله الهندي المتوفى 1126 في إزالة الخفا 2: 261.

19 - الأمير محمد بن إسماعيل اليمني الصنعاني في الروضة الندية.

20 - المولوي ولي الله الهند المتوفى 1270 في مرآة المؤمنين. وغيرهم هذا ما صح عن النبي الأعظم من قوله: أنت وليي في الدنيا والآخرة. فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم.

12 - أخرج البزار من طريق خارجة بن مصعب عن عبد الله بن عبيد الحميري البصري عن أبيه قال: كنت عند عثمان حين حصر فقال: هاهنا طلحة؟ فقال طلحة: نعم.

فقال: أنشدتك الله أما علمت أنا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فأخذت بيد فلان، وأخذ فلان بيد فلان، حتى أخذ كل رجل بيد صاحبه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال: هذا جليسي في الدنيا ووليي في الآخرة؟ قال: أللهم نعم.

وذكره ابن حجر في فتح الباري 5. 315 عن ابن منده من طريق عبيد الحميري المذكور ساكتا عما في إسناده من العلة، كأنه ليس هو الذي حكى تلكم الآراء الواردة في جرح خارجة بن مصعب عن الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل قال في تهذيب التهذيب 3: 78 قال الأثرم عن أحمد: لا يكتب حديثه. وقال عبد الله بن أحمد: نهاني أبي أن أكتب عنه شيئا من الحديث. وقال الدوري ومعاوية وعباس عن ابن نمير: ليس بثقة، ليس بشئ، كذاب، ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشئ. وقال يحيى بن يحيى: يدلس وقال النسائي: متروك الأحاديث، ليس بثقة، ضعيف. وقال ابن سعد: إتقى الناس حديثه فتركوه. وقال ابن خراش وأبو أحمد: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف.

وقال يعقوب: ضعيف الحديث عند جميع أصحابنا. وقال ابن المديني: هو عندنا ضعيف.
وقال أبو داود: ضعيف ليس بشئ. وقال ابن حبان: وقع في حديثه الموضوعات عن الاثبات لا يجوز الاحتجاج بخبره. وذكره ابن الجارود والعقيلي وابن السكن وأبو زرعة وأبو العرب وغيرهم في الضعفاء.

وقال السيوطي في اللئالي 1: 317: قال ابن حبان: خارجة يدلس عن الكذابين ووقع في حديثه الموضوعات.

ولعلنا أوقفناك على مقياس صحيح في أمثال هذه الرواية في ذيل الروايتين اللتين تشبهانها قبيل هذا، فإنك إذن لا تجد مقيلا لها من الصحة والاعتبار نظرا إلى متنها قبل أن تقف على ضعف إسنادها، فدعها ومر بها كريما، وذر الوضاعين في غلوائهم يرمون القول على عواهنه ولو كان طلحة سمع هذه المزعمة منه صلى الله عليه وآله وسلم واعتراف بها يوم الحصار في ملأ الصحابة لما كان يأخذ بخناق الرجل ويشدد عليه، وما كان يثير عليه نقع الفتن حتى يورده مورد المنية، ولم يك يمنع عنه إيصال الماء إليه، ولم يرض بإنهاء أمره إلى القتل الذريع، ولم يرضه دفنه في مقابر اليهود.

لو كان طلحة يعرف شيئا من هذه الرواية لما استسهل ركوب ذلك المركب الصعب الجموح وهو صحابي عادل أحد العشرة المبشرة كما يحسبون.

13 - أخرج ابن ماجة في سننه 1: 53 عن أبي مروان محمد بن عثمان الأموي العثماني عن أبيه عثمان بن خالد حفيد عثمان بن عفان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عثمان عند باب المسجد فقال: يا عثمان! هذا جبريل أخبرني إن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها. ورواه ابن عساكر كما في تاريخ ابن كثير 7: 211.

قال الأميني: أسلفنا فيما مر صفحة 290 أن محمد بن عثمان يخطئ ويخالف و يروي عن أبيه مناكير، وإن أباه ليس بثقة وأحاديثه غير محفوظة، وأنه حدث بأحاديث موضوعة لا يجوز الاحتجاج به، ومر في صفحة 295 أن عبد الرحمن بن أبي الزناد: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث وأنه ضعيف مضطرب الحديث لا يحتج بحديثه وعليك بمراجعة ما فصلناه في الجزء الثامن ص 231 - 234 ط 2.
14 - أخرج ابن عدي قال: حدثنا محمد بن داود بن دينار حدثنا أحمد بن محمد ابن حباب البصري حدثنا عمرو بن فائد البصري عن موسى بن سيار البصري عن الحسن البصري عن أنس مرفوعا: إن لله تعالى سيفا مغمودا في غمده ما دام عثمان بن عفان حيا، فإذا قتل جرد ذلك السيف فلم يغمد إلى يوم القيامة. ورواه ابن عساكر بالإسناد.

قال السيوطي في اللئالي 1: 316: موضوع آفته عمرو بن فائد وشيخه كذاب أيضا.

قال الأميني: ألا تعجب من السيوطي؟ يحكم هاهنا على الرواية بالوضع ويكذب راويه ويذكرها في تاريخ الخلفاء ص 110 في عد فضائل عثمان ويقتصر على قوله: تفرد به عمرو بن فائد وله مناكير. نعم هكذا يموهون على الحقايق ويغرون الناس بالجهل، كان على الرجل أن يلغيها عن سياق عد الفضائل - التي من طبعها أن يحتج بها - بعد ما رآها موضوعة رواها كذاب عن كذاب، غير أنه لو اقتصر على ما يحتج به في باب الفضائل، وألغى ما لا يصح منها سندا أو متنا، لما يجد هو وغيره فضيلة قط لعثمان، وهذا مما لا يروقه هو ولا يحبذه قومه.

وللدار قطني، وابن المديني، والعقيلي، وابن عدي، والنسائي، والذهبي، كلمات في جرح عمرو بن فائد وبطلان حديثه. راجع لسان الميزان 4: 372.

وليحيى القطان، وأبي حاتم، وابن عدي، وابن معين، والذهبي، أقوال في تفنيد موسى ابن سيار البصري وتكذيبه وبطلان حديثه. راجع ميزان الاعتدال 3: 211، ولسان الميزان 6: 120.

وفي الاسناد محمد بن داود الفارسي، قال الذهبي في الميزان 3: 54: من شيوخ ابن عدي ذكره فقال: كان يكذب. وذكرا بن حجر في اللسان 5: 161 حديثا في فضل علي أمير المؤمنين فقال: هو من وضع محمد بن داود بن دينار.

هذا شأن هذه المكذوبة غير أن أناسا من الغالين في الفضائل كالسيوطي و القرماني (52) وأحمد زيني دحلان (53) اتخذوها حجة عند ذكرهم فضائل عثمان مرسلين إياها إرسال المسلم شأنهم في الموضوعات المفتعلة في الثناء على رجالاتهم 15 - وأخرج الحاكم في المستدرك 3: 103 من طريق أحمد بن كامل القاضي عن أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي عن الفضل بن جبير الوراق عن خالد بن عبد الله الطحان المزني عن عطاء بن السائب عن سعد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما دنا منه قال: يا عثمان! تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة فتقع قطرة من دمك على " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " وتبعث يوم القيامة أميرا على كل مخذول يغبطك أهل الشرق والغرب، وتشفع في عدد ربيعة ومضر.

قال الأميني: سكت الحاكم عن صحة الحديث وأنصف الذهبي فقال في تلخيصه:

كذب بحت، وفي الاسناد أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي وهو المتهم به. ا هـ.

وشيخ الجعفي أيضا لا يتابع على حديثه كما قاله العقيلي وحكاه عنه الذهبي في الميزان وابن حجر في لسانه 4: 438.

إن مما يقضى منه العجب أن أحدا من الصحابة العدول لم يسمع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كأن المجلس الذي ألقى صلى الله عليه وآله وسلم فيه هذه الكلمة كان خلوا عنهم جميعا ومن العجيب أيضا أنه لم يروه أحد منهم لصاحبه - إن كان سمعه أحد - حتى تتداوله الألسن فعسى أن يكون رادعا عن التجمهر على عثمان والاتفاق على نبذه والجرأة على قتله، نعم: لم يسمعه أحد منه صلى الله عليه وآله وسلم عدا ابن عباس الذي كان صبيا في عهد النبوة لم يبلغ الحلم وقد توفي صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس ابن ثلاثة عشر سنة كما قاله الواقدي و الزبير وصححه أبو عمر في " الاستيعاب " أو عشر سنين كما روي عن ابن عباس نفسه من وجوه (54) أو أكثر منها، وربما يشك في أنه هل كان يحسن التحمل عندئذ أو لا؟

ولعله هو أيضا كان شاكا في تحمله هذا الحديث حيث جاءته استغاثة عثمان (55) وهو يخطب الحاج يوم عرفة فتلاها نافع بن طريف فلما أتمها مضى ابن عباس في خطبته غير مكترث لاستغاثة الخليفة وهو بين الناب والمخلب، على حين أنه كان منصوبا من قبله لإمارة الحاج، فلم يعرض لشئ من شأنه ولا للزوم الدفاع عنه، وما ذلك إلا لاصفاقه مع المجهزين عليه في الرأي وإلا لكان من واجبه الحث على الذب عنه، وبيان وجوب إغاثته، وملأ سمعه هذا الحديث الذي عزي إليه وملأ فيه روايته - وحاشاه عن راويته - وكأن الحضرة النبوية نصب عينيه يتلقى فيه الرواية، وهو الذي يقتضيه عدله وتقواه.

وهناك شاهد آخر لعدم إخباته إلى مضمون هذه الرواية وهو إنه لما بعثه عثمان أميرا على الحاج لقيته عائشة في بعض المنازل فقالت له: يا ابن عباس! إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية (56) تعني عثمان، فلم يبد ابن عباس لها تجاه تلك الشدة تجهما ولا قولا لينا كمن يوافقها على النزعة، كما رد عليها في حثها على عدم التخذيل عن طلحة وجنوحها إلى توليه الأمر، فلو كان ابن عباس يعرف في شأن عثمان شيئا من هذه الرواية لرواه لها واتخذه مستندا في الدفاع عنه، فجامع القول إن الحبر لم يسمع مما تقول عليه شيئا، وإنما هو من مواليد العهد الأموي بعد عهد ابن عباس.

وليس من المستسهل الكشف عن إمارة المخذولين يوم القيامة، كما أن من المستصعب جدا عرفان أعيانهم وأشخاصهم، أفيهم أولئك الصفوة الأبرار من الصحابة والتابعين أمثال أبي ذر وعمار وابن مسعود ومالك الأشتر وزيد وصعصعة ابني صوحان وكعب بن عبدة وعامر بن قيس وآخرين من صلحاء المدينة والكوفة والبصرة الذين خذلهم عثمان وأبناء بيته؟.

ولعل في المخذولين الحكم ومروان وآلهما وعبد الله بن أبي سرح وأبا سفيان وولده وأضرابهم الذين خذلهم الاسلام وآواهم عثمان وعزرهم وسلطهم على صلحاء الأمة من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان.

ونحن على يقين من أن الشفاعة المزعومة التي لا تصدقها سيرة عثمان ولا تساعدها البرهنة ويضادها نداء الكتاب الكريم إن حققت تدنس ساحة الجنة المقدسة بإدخال عثمان أرجاس آل أمية فيها كما يعرب عنه قوله الثابت المذكور في الجزء الثامن ص 291 ط 2: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم.
6 - أخرج الحاكم المستدرك 3: 103 عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم العدل (57) عن يحيى بن أبي طالب عن بشار بن موسى الخفاف البصري عن الحاطبي عبد الرحمن (58) بن محمد عن أبيه عن جده قال: لما كان يوم الجمل خرجت أنظر في القتلى قال: فقام علي والحسن بن علي وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وزيد بن صوحان يدورون في القتلى قال: فأبصر الحسن بن علي قتيلا مكبوبا على وجهه فقلبه على قفاه ثم صرخ ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون فرخ قريش والله. فقال أبوه: من هو يا بني قال: محمد بن طلحة بن عبيد الله. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أما والله لقد كان شابا صالحا ثم قعد كئيبا حزينا فقال له الحسن: يا أبت! قد كنت أنهاك عن هذا المسير فغلبك على رأيك فلان وفلان. قال: قد كان ذاك يا بني! ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة. قال محمد بن حاطب: فقمت فقلت: يا أمير المؤمنين! إنا قادمون المدينة والناس سائلونا عن عثمان فإذا نقول فيه؟ قال: فتكلم عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر فقاما وقالا فقال لهما علي: يا عمار ويا محمد! تقولان: إن عثمان استأثر وأساء الأثرة وعاقبتم والله فأسأتم العقوبة، وستقدمون على حكم عدل يحكم بينكم ثم قال: يا محمد بن حاطب! إذا قدمت المدينة وسئلت عن عثمان فقل: كان والله من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين وعلى الله فليتوكل المؤمنون.

قال الأميني: سكت الحاكم عما في إسناد هذه الأكذوبة من العلل ولم يصححه ولم ينبس فيه بكلمة غمز ولا تصحيح، واكتفى الذهبي فيه بقوله: بشار بن موسى واه. ونحن نقول:

عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم. قال الدارقطني فيه لين، وذكره بذلك الخطيب البغدادي في تاريخه 9: 414.

ويحيى بن أبي طالب قال فيه موسى بن هارون: أشهد أنه يكذب عني. وقال مسلمة بن قاسم: تكلم فيه الناس. " لسان الميزان 6: 262 ".
وبشار بن موسى البصري، قال ابن معين: ليس بثقة. وقال: إنه من الدجالين.

وقال أبو حفص: ضعيف الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث وقد رأيته وكتبت عنه وتركت حديثه. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: ضعيف. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وذكر عند الفضل بن سهل فأساء القول فيه (59).

وعبد الرحمن الحاطبي ضعفه أبو حاتم الرازي كما في ميزان الاعتدال للذهبي.

ووالده عثمان لم أقف على ثناء عليه في معاجم التراجم.

فأي عبرة بما يرويه أو يرتأيه أمثال هؤلاء الدجالين؟ على أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان على بصيرة من مسيره إلى حروبه كلها ومنقلبه عنها وفي جميع ما ارتكبه فيها أو تركه، وكل ذلك كان بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهد منه إليه عليه السلام، وقد عد ذلك من فضائله، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحث أصحابه على مناصرته يومئذ كما مر تفصيله في الجزء الثالث ص 188 - 195 ط 2 وكان صلى الله عليه وآله ويلم يقول: سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا على الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك بشئ (60). وكان أبو أيوب الأنصاري وغيره من الصحابة يقول: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقاتل مع علي الناكثين (61).

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحذر أم المؤمنين عايشة عن ذلك التبرج تبرج الجاهلية الأولى ويقول لها: يا حميراء! كأني بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له ظالمة (62) وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم كما مر في ج 3 ص 191 ط 2 قوله للزبير: إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له.

فكان مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه مندفعا إلى ما ناء به من أعباء تلكم الحروب بالأمر النبوي، ولم يكن قط قد غلب على رأيه فلان وفلان، ولم يكن الإمام المجتبى المعصوم عن كل زلة وهفوة بالذي ينهى أباه عما أمر به جده الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولا أمير المؤمنين عليه السلام بالذي يندم على ما نهض به من قم جذور الفساد وقلع جذومه، ولو سوغنا عليه الندم في هذه لسوغنا عليه فيما قتله في مغازي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أشياع الكفر وزبانية الشرك والالحاد، فإذ كان سلام الله عليه في المقامين جميعا منبعثا بباعث إلهي ومصلحة دينية من استئصال شأفة العيث وقطع جراثيم الالحاد، فلا يطرق ساحته المقدسة الندم في أي من الحالين.

وأي صلاح في محمد بن طلحة؟ وقد شهر سيفه يحارب إمام المسلمين وقد أمر بنصرته والجهاد معه، فحاله حال أبيه في الزيغ والنكوص عن السنن اللاحب. هذه حقيقة الأمر لكن مهملجة الخلاف الوضاعين شاءوا أن يختلقوا ما يبرر أعمال الواثبين مع الهودج فقالوا، ولكن أين؟ وأني؟...

وكيف يصح عن مولانا أمير المؤمنين ما اختلقوا عليه من قوله لمحمد بن حاطب؟

وقد صدر عنه من فعل وقول قبل هذا الموقف وبعده ما يعرب عن رأيه في عثمان، ولا يصدق الخبر الخبر، راجع ما مر في هذا الجزء ص 69 - 77، وفي الجزء الثامن ص 287، 298، 300، 301 ط 2، وفي الجزء السابع ص 81 ط 2.

وهل تساعد سيرة الرجل أن يراه أمير المؤمنين من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا. الآية. وهي التي أركبته النهابير، وسقته كأس المنية، وكانت تخالف الكتاب والسنة، والصحابة الأولون وفي مقدمهم سيدنا الإمام عليه السلام كانوا مطبقين عن النكير والنقمة عليها، ولأجلها تمخضت البلاد عليه، وهي التي أقعدت الصحابة عن نصرته والذب عنه، وهي التي زحزحت الأمة الصالحة عن تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه، وهي التي دفنته في مقابر اليهود بعد ما بقي جثمانه في مزبلة أياما وليالي تمر به عواصف الذل والهوان والملا الديني ينظر إليه من كثب، والناس قد بايع أمير المؤمنين عليا عليه السلام وبيده مقاليد الأمور يسمع قوله ويطاع، وهو الذي يتحمس لأمر ما، يراه الناس هينا وهو عنده عظيم، فيعاتب أصحابه ويقول في خطبته له: لقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها (63) ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلا منهم كلهم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرء مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا (64) هذا أمير المؤمنين وهذا مبلغ غيرته على الاسلام وأهله ولكن:

وابن عفان حوله لم يجهز - ه ولا كف عنه كف أذاها
لست أدري أكان ذلك مقتا * من علي؟ أم عفة ونزاها؟

فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق.

17 - أخرج ابن أبي الدنيا من طريق فرج بن فضالة الدمشقي عن مروان بن أبي أمية عن عبد الله بن سلام قال: أتيت عثمان لأسلم عليه وهو محصور فدخلت عليه فقال: مرحبا بأخي، مرحبا بأخي، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في هذه الخوخة - قال: و خوخة في البيت - فقال: يا عثمان! حصروك؟ قلت: نعم. قال: عطشوك؟ قلت: نعم، فأدلى دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت حتى أني لأجد برده بين ثديي وبين كتفي وقال لي: إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا، فاخترت أن أفطر عنده، فقتل ذلك اليوم (65).

قال الأميني: هذه السفسطة من آفات فرج بن فضالة الدمشقي قال أحمد: يحدث عن الثقات أحاديث مناكير. وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال ابن المديني: ضعيف لا أحدث عنه. وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم. وقال الدارقطني: ضعيف الحديث. وذكر البرقاني حديثا للدار قطني من طريق فرج بن فضالة فقال: الدارقطني: هذا باطل. فقال البرقاني: من جهة الفرج؟ قال: نعم. وقال عبد الرحمن ابن مهدي: حدث بأحاديث منكرة مقلوبة. وقال الساجي: ضعيف الحديث. وقال الخطيب: لا يغتر أحد بالحكاية المروية في توثيقه عن ابن مهدي فإنها من رواية سليمان بن أحمد وهو الواسطي وهو كذاب، وقد قال البخاري: تركه ابن مهدي. و قال ابن حبان: فرج بن فضالة يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة لا يحل الاحتجاج به. وقال الحاكم: هو ممن لا يحتج به (66).

هذا فرج بن فضالة وأما شيخه مروان فلست أدري أي هي بن بي هو (67) لم أقف في المعاجم على ترجمته ولم أجد له ذكرا لا في مشايخ ابن فضالة ولا فيمن يروي عن ابن سلام، ولعله لم يولد بعدوكم في سلسلة أسانيد الفضائل أمثاله من أناس لا تعرفهم أم الدنيا، وما صورهم فلم التصوير، وإنما اختلق أسمائهم الغلو في الفضائل.

ولست أدري هل أسر عثمان بهذه المكرمة إلى ابن سلام فحسب؟ أو أخبر بها هو أو ابن سلام جمهور الصحابة فوجدوها رؤيا لا تنهض للحجة، أو بلغتهم حينما مس الحزام الطبيين، وبلغ السيل الزبى، واتسع الخرق على الراقع، حينما فاتت الخليفة نهزة الحجاج، وتمت عليه الحجة وأصبح محجوجا، والأمة مجتمعة على مقته، و قطع أصول حياته وهي لا تجتمع على خطأ.

وفي الرواية موقع نظر أيضا من ناحية صوم عثمان عند من أرخ قتله بثاني أيام التشريق - كما في رواية أبي عثمان النهدي في أنساب البلاذري 5: 86، وقد رواه الواقدي أيضا، واختاره المبرد في " الكامل " 2: 241، وذكره أبو عمر في " الاستيعاب " 2: 477، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 117، وابن حجر الهيثمي في الصواعق ص 66، والعسقلاني في تهذيب التهذيب 7: 141، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 109 والديار بكري في تاريخ الخميس 2: 258، 264، ومن مؤلفي اليوم الأستاذ علي فكري في أحسن القصص 3: 164 وذلك أن الصوم في أيام التشريق محظور عند القوم، و هو قول أبي حنيفة والشافعي وعند مالك لغير المتمتع (68) وقال ابن العماد الحنبلي في الشذرات 1: 41: قوله: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: وتفطر عندنا. معناه أول شئ تستعمله على الريق يكون عندنا لا أنه فطر صائم إذ لم يكن يومئذ صائما، فإن يوم قتله كان ثاني أيام التشريق ولا يجوز صومه. ا هـ.
وهذا التأويل يخالف ما أثنى به المؤرخون على عثمان من إنه كان يوم قتله صائما، وهو من المتسالم عليه عند القوم سلفا وخلفا حتى اليوم كما ذكره الأستاذ علي فكري في أحسن القصص 3: 164. ويضاد أيضا صريح ما أخرجه ابن كثير في تاريخه 7: 182 من طريق ابن عمر عن عثمان قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا عثمان!

أفطر عندنا. فأصبح صائما وقتل من يومه.

وكذلك لا يلتئم هو وما أخرجه الهيثم بن كليب بالإسناد عن نائلة بنت الفرافصة " امرأة عثمان " قالت: لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان فيه قتله صائما، فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب فأبوا عليه، وقالوا: دونك ذلك الركي - وركي في الدار الذي يلقى فيه النتن - قالت: فلم يفطر فرأيت جارا على أحاجير متواصلة - وذلك في السحر - فسألت الماء العذب. فأعطوني كوزا من ماء فأتيته فقلت: هذا ماء عذب أتيتك به، قالت: فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال: إني أصبحت صائما، قالت فقلت: ومن أين ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: اشرب يا عثمان! فشربت حتى رويت ثم قال: ازدد فشربت حتى نهلت، ثم قال: أما إن القوم سينكرون عليك فإن قاتلتهم ظفرت، وإن تركتهم أفطرت عندنا. قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه (69).

نعم: إن الحديثين لا يعول عليهما أيضا لما في إسنادهما من داعية إلى الأرجاء يبغض أهل بيت نبيه، ومن مجهول منكر لا يعرف، ومن متحامل على أمير المؤمنين من الفئة الباغية، فالحديثان كرواية ابن أبي الدنيا باطلان، وما ذهب إليه القوم من أن الرجل كان يوم قتله صائما منقبة مفتعلة لا تصح لاستنادهم فيها إلى تلكم الأباطيل التي اختلقتها يد الغلو في الفضائل.

18 - أخرج الحاكم وابن عساكر وغيرهما من طريق محمد بن يونس الكديمي أبي العباس البصري، عن هارون بن إسماعيل الخزاز أبي الحسن البصري، عن قرة ابن خالد السدوسي البصري، قال: سمع الحسن البصري عن قيس بن عباد البصري قال: شهدت عليا رضي الله عنه يوم الجمل يقول كذا: أللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت نفسي وأرادوني على البيعة فقلت: والله إني لاستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة. وإني لاستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا فلما دفن رجع الناس إلي فسألوني البيعة فقلت: أللهم إني مشفق لما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين! فكأنما صدع قلبي، فقلت: أللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى. وفي لفظ ابن كثير: فلما قالوا: أمير المؤمنين. كان صدع قلبي وأمسكت (70).

قال الأميني: ألا تعجب من الحاكم يذكر مثل هذه الأضحوكة ويعدها مما استدرك به على الصحيحين ويمر بما فيها من اللغو كريما، ولعل الذهبي عرف بطلانها غير أنه لما وجدها في منقبة عثمان سكت عنها نهائيا ولم يلخصها ولم ينبس فيها ببنت شفة، ويدخر ما في علبة علمه أو في كنانة جهله إلى تزييف حديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وأمثاله من الصحيح الوارد في فضائل مولانا أمير المؤمنين فيجابهها بكل جلبة ولغط، ولا تقصر عن أشواطهما خطى ابن كثير في تاريخه فيستند إليها مستدلا على ما يرومه من دحض الحق وترصيف الباطل، ونحن أسلفنا في الجزء الخامس ص 266 ط 2 في سلسلة الكذابين والوضاعين نزرا من أقوال الحافظ في جرح محمد بن يونس الكديمي وأنه كان يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضع أكثر من ألف حديث وهاهنا نبسط القول فيها:

قال الآجري: سمعت أبا داود ابن الأشعث يتكلم في محمد بن سنان وفي محمد بن يونس يطلق فيهما الكذب. وقال ابن التمار: ما أظهر أبو داود السجستاني تكذيب أحد إلا في رجلين: الكديمي وغلام خليل. وقال أبو سهل القطان: كان موسى بن هارون ينهي الناس عن السماع من الكديمي ويقول: قد تقرب إلي بأني كتبت عن أبيك في مجلس محمد بن القاسم الأسدي وما حدث أبي قط عن محمد بن القاسم الأسدي. و عن موسى بن هارون أنه كان يقول وهو متعلق بأستار الكعبة -: أللهم إني أشهدك أن الكديمي كذاب يضع الحديث. وقال الشاذ كوني: الكديمي وأخو الكديمي وابن الكديمي بيت الكذب. وقال أبو بكر الهاشمي: كنا يوما عند القاسم المطرز وكان يقرأ علينا مسند أبي هريرة فمر في كتابه حديث عن الكديمي فامتنع عن قراءته فقام إليه محمد بن عبد الجبار - وكان قد أكثر عن الكديمي - فقال: أيها الشيخ أحب أن تقرأه فأبى وقال: أنا أحاسبه بين يدي الله يوم القيامة وأقول: إن هذا كان يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى العلماء. وقال الدارقطني: الكديمي يتهم بوضع الحديث وقال: ما أحسن القول فيه إلا من لم يخبر حاله. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث لعله قد وضع على الثقات أكثر من ألف حديث. وقال ابن عدي: قد اتهم بالوضع وادعى الرواية عمن لم يرهم، ترك عامة مشايخنا الرواية عنه، ومن حدث عنه نسبه إلى جده لئلا يعرف (71) وقال ابن عدي أيضا: روى الكديمي عن أبي هريرة عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر حديثا باطلا، وكان مع وضعه الحديث وادعائه ما لم يسمع علق لنفسه شيوخا. وكان ابن صاعد وعبد الله بن محمد لا يمتنعان من الرواية عن كل ضعيف كتبا عنه إلا عن الكديمي فإنهما كانا لا يرويان عنه لكثرة مناكيره، ولو ذكرت كلما أنكر عليه وادعائه ووضعه لطال ذلك. وقال الحاكم أبو أحمد: الكديمي ذاهب الحديث تركه ابن صاعد وابن عقدة وسمع منه خزيمة ولم يحدث عنه، وقد حفظ فيه سوء القول عن غير واحد من أئمة الحديث (72).

وذكر السيوطي في اللئالي المصنوعة عدة أحاديث في شتى الأبحاث من طريق الكديمي فحكى فيها عن الحفاظ الحكم بوضعها وقولهم: إن آفتها الكديمي وإنه كذاب وضاع. وكأنه نسي كل ما ذكر هنالك فأورد هذه الأكذوبة في تاريخ الخلفاء ص 110 محذوفة الاسناد وقال: أخرجه الحاكم وصححه. ألم تكن تلك الأقوال الجارحة في الكديمي نصب عينه عند عد فضائل عثمان؟ أم أن فضائل الرجل لها حساب آخر يسوغ الغلو فيها كل كذب واختلاق؟ على أن الحاكم سكت عن هذه الأكذوبة ولم يصححها فنسبة التصحيح إليه لمحض إخراجه إياها في مستدرك الصحيحين وإلا فلا صراحة فيه بالتصحيح.
وبعد هذه كلها فإن المعلوم من نظرية مولانا أمير المؤمنين في عثمان كآراء بقية الصحابة فيه يفند نسبة هذه الأقاويل المختلقة إليه، أليس من المضحك ما ينسب إليه صلوات الله عليه من قول: ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان.. الخ؟ ليته عليه السلام بدل هذه الكلمة كان يخطو خطوة في التحفظ على حرمة الرجل وكرامته، ويأمر ولده وذويه بتجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، وليته كان يقيم له مأتما ويأبنه ويذكره بالخير بعد ما تسنم منصة الخلافة، أو كان يحضر عند تربته ويقوم على قبره ويقرأ له الفاتحة ويأتي بسنة الله التي جاءت في زيارة قبور المسلمين، وأي مسلم لم تكن له معاظم واجبة المراعاة (73).

وليته كان يسكت عنه يوم قام به وقعد (74) وقال على رؤس الاشهاد: قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.

وقال في اليوم الثاني من بيعته في خطبة له: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله. الخ.

وليته كان لم يجابهه بقوله: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل الظعينة سار حيث سار به.

وليته كان لم يكتب إلى المصريين بقوله: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم الظاعن، فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه.

وليته كان لم يقل: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه. أو كان لم يقل: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرني ولا ساءني.

وليته كان لم يخطب بقوله: من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني.
وليته كان لم ينفر أصحابه إلى قتال طالبي دم عثمان بقوله على صهوة المنبر: يا أبناء المهاجرين انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا. الخ.

وليته لما قال له حبيب وشرحبيل: أتشهد أن عثمان قتل مظلوما. كان لم يجب بقوله: لا أقول بذلك (75) وليته وليته..

والعجب كل العجب من قول علي صلوات الله عليه " فلما قالوا: أمير المؤمنين صدع قلبي " لماذا صدع قلبه صلوات الله عليه ولم تكن لهذه التسمية جدة؟ وإنما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وحكاه عن الله تعالى وعن جبرئيل عليه السلام وما صدع قلبه يوم ذاك، فعلي من أول يومه هو أمير المؤمنين بنص من الصادع الأمين، وما أنزل الله آية فيها يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها (76).

19 - أخرج ابن سعد في الطبقات 3: 47 ط ليدن عن محمد بن عمر عن عمرو بن عبد الله بن عنبسة بن عمرو بن عثمان عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن لبيبة قال: إن عثمان بن عفان لما حصر أشرف عليهم من كوة في الطمار فقال: أفيكم طلحة؟ قالوا: نعم. قال: أنشدك الله هل تعلم أنه لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين نفسه؟ فقال طلحة: أللهم نعم. فقيل لطلحة في ذلك فقال: نشدني وأمر رأيته ألا أشهد به؟

رجال الاسناد:

1 - محمد بن عمر. هو الواقدي، راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3: 110.

2 - عمرو بن عبد الله الأموي حفيد عثمان، لم أجد له ذكرا في المعاجم، ولعل فيه تدليس.

3 - محمد بن عبد الله الأموي حفيد عثمان، قال البخاري: عنده عجائب، وقال ابن الجارود: لا يكاد يتابع على حديثه. وقال النسائي مرة: ثقة. وأخرى: ليس بالقوي. راجع تهذيب التهذيب 9: 268.

4 - ابن لبيبة ويقال: ابن أبي لبيبة محمد بن عبد الرحمن. قال ابن معين: ليس حديثه بشئ. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال آخر ليس: بالقوي (77) على أن ابن لبيبة لم يشهد حصر عثمان ولم يرو عن صحابي فحديثه عن عثمان وعلي وسعد مرسل، يروي عن سعيد بن المسيب وعبد الله بن عمرو بن عثمان وطبقتهما، فالرواية مرسلة، وابن سعد جد عليم بأن مثل هذه المفتعلة لا يخفى بطلانه على أي أحد سواء أرسله أو أسنده.

وهلا يعلم مفتعل هذه الأضحوكة أن أئمة الحديث وحفاظه ورجال التاريخ أصفقت على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخذ لنفسه أخا يوم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إلا ابن عمه علي بن أبي طالب؟ وهذا الذي يقتضيه الاعتبار بعد ما نص الكتاب العزيز على أن عليا سلام الله عليه نفس النبي الأقدس. وإنهما من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وإن ولاية علي مقرونة بولاية الله ورسوله (78).

وبعد ما ثبت أنه سلام الله عليه صنو النبي الأعظم في الفضائل، وشاكلته في النفسيات، ورديفه في الملكات الفاضلة، ونظيره من أمته كما جاء عنه صلى الله عليه وآله سلم (79) وهو منه صلى الله عليه وآله بمنزله رأسه من بدنه نصا منه صلى الله عليه وآله وسلم (80) وهو منه صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلته من ربه كما ورد عن أبي بكر مرفوعا (81) وهما من شجرة واحدة وساير الناس من شجر شتى كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم (82) وهو الذي ثبت فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت مني وأنا منك (83) وهو الذي أنزله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه بمنزلة هارون من موسى ولم يستثن له مما اختصه الله به إلا النبوة (84).
لقد أدينا البحث عن حديث المؤاخاة حقه في الجزء الثالث ص 112 - 125 وذكرنا هنالك خمسين حديثا مما وقفنا عليه من أحاديث الاخاء الثابت بين النبي الأعظم و أخيه أمير المؤمنين، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: أنت أخي في الدنيا والآخرة. من طريق عمر وأنس وابن أبي أو في وابن عباس ومحدوج بن زيد الذهلي وجابر بن عبد الله و عامر بن ربيعة وأبي ذر وغيرهم.

إنما فدحت هذه المأثرة أهل الأهواء كبقية مآثر الإمام صلوات الله عليه فوضعوا تجاها أكذوبة في أبي بكر وأنه هو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (85) وأخرى في عثمان و إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بينه وبين نفسه. وثالثة في علي عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عثمان (86) ورواة السوء يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أبي بكر و بين عمر في المؤاخاة الأولى بمكة (87) وبينه وبين خارجة بن زيد الأنصاري في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بالمدينة (88) وآخر بين عثمان وبين عبد الرحمن بن عوف في المؤاخاة بمكة (89) وبينه وبين أوس بن ثابت يوم المؤاخاة بالمدينة. (90) فعثمان قط لا ينشد بالمكذوب، وطلحة لا يدعي رؤية ما لم يره، ولا يشهد بخلاف ما شاهده وعاينه، إن كانا من عدول الصحابة صدقا، ومن المبشرين بالجنة حقا، وأنت تعرف حكم هذه الدعاوي من الصحيح الثابت عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها أحد غيري إلا كذاب. قال ابن كثير في تاريخه 7: 335: وقد جاء من غير وجه. وقال ابن حجر: رويناه من وجوه (91) و كان قول أمير المؤمنين هذا أخذا بما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: أنت أخي وأنا أخوك فإن ناكرك أحد - وفي لفظ فإن حاجك - أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يدعيها بعدك إلا كذاب (92).

وأول من فتح باب التجري بمصراعيه على هذه الفضيلة الرابية هو عمر بن الخطاب يوم قادوا صاحب الفضيلة إلى البيعة كما يقاد الجمل المخشوش، وقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا (93).

أنا لست أخدش العواطف بالأعراب عن حكم إنكار عمر الأخوة الثابتة بتلكم النصوص الصريحة الأكيدة وقد سمعها هو من الصادع الكريم في ذلك اليوم المشهود غير أني جد عليم بأن حجاج مولانا أمير المؤمنين كان أخذا بما مر قبيل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: فإن ناكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله. وهل قرع هذا سمع عمر أيضا وجابهه مع ذلك بالشدة في النكير عليه؟ أنا لا أدري، فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين " المائدة 42 ".

20 - أخرج ابن عدي من طريق مصعب بن سعيد المصيصي عن عيسى بن يونس عن وائل بن داود عن البهي عن الزبير رضي الله عنه مرفوعا: لا يقتل قرشي بعد اليوم صبرا إلا قاتل عثمان فإن لم يفعلوا فابشروا بذبح مثل ذبح الشاة.

قال الأميني: ذكره الذهبي في الميزان 3: 173 مع حديثين من طريق مصعب ابن سعيد فقال: ما هذه إلا مناكير وبلايا.

وقال ابن عدي: يحدث مصعب عن الثقات بالمناكير ويصحف وهو حراني (94) نزل المعصيصة (95) وله غير ما ذكر والضعف على رواياته بين. وقال ابن حبان: كان مدلسا. وقال صالح بن جزرة: شيخ ضرير لا يدري ما يقول (96).

وفي الاسناد عيسى بن يونس قال الدارقطني: مجهول. والبهي هو عبد الله أبو محمد مولى مصعب بن الزبير ولا يصح روايته عن الزبير بل يروي عن عبد الله بن الزبير، وقال أبو حاتم في العلل: لا يحتج بالبهي وهو مضطرب الحديث.

21 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 57 من طريق حامد بن آدم المروزي عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن عثمان بن غياث البصري عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من تلك الحوائط إذ جاء رجل فاستفتح الباب فقال: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه. فإذا هو عثمان فأخبرته فقال: الله المستعان.

قال الأميني: هلا يعرف أبو نعيم مفتعل هذه الأكذوبة حامد بن آدم؟ أو يعرفه بعجره وبجره غير أن الغلو في الفضائل يسوغ له ولقومه رواية كل كذب مختلق في فضائل المستخلفين بالانتخاب الدستوري الذي لم تره عين الدنيا صحيحا قط.

أنى يخفى على مثل أبي نعيم أن حامد بن آدم كذبه الجوزجاني وابن عدي، وعده أحمد بن علي السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث. وقال أبو داود السبخي: قلت لابن معين: عندنا شيخ يقال له: حامد بن آدم. الخ. فقال: هذا كذاب لعنه الله (97).

على أن عثمان لو كان مبشرا بالجنة ومصدقا بوعد النبي الأقدس لما كان في نفسه خيفة من أن يكون هو ذلك الملحد بمكة الذي أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأن عليه عذاب نصف أهل الأرض كما مر فصحيحة أحمد. وأعجب من هذا مهزأة جاء بها الخطيب ألا وهي:

22 - أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 8: 157 من طريق الحسين بن حميد ابن موسى العكي قال: حدثنا حماد بن المبارك البغدادي قال: حدثنا إسماعيل بن أمية عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: ما صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر قط إلا قال: عثمان في الجنة. قال: قال الدارقطني: كذا قال حماد بن المبارك عن عبد الله بن ميمون عن إسماعيل بن أمية عن ابن جريج، وهذا الحديث إنما يعرف من رواية إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي عن ابن جريج والله أعلم. وقال الذهبي في الميزان 1: 281:

خبر غير صحيح. راجع لسان الميزان 2: 353.

قال الأميني: لا تعجب من الخطيب يذكر مثل هذه السفسطة بهذا الاسناد الوعر ولم ينبس ببنت شفة، ولم يعرب عن حال رجاله عادته في فضائل كل من أعماه حبه وأصمه، وأنت تجد نقضه وإبرامه، وجرحه وتعديله، وتصويبه وتصعيده في مناقب آل الله صلوات الله عليهم.

أيخفى على مثل الخطيب قول مسلمة بن قاسم في الحسين العكي: إنه مجهول؟

أم لا يهمه وجود حماد بن المبارك في الاسناد؟ وهو المجهول الذي لا يعرف (98) أم عزب عنه قول البخاري في عبد الله بن ميمون: إنه ذاهب الحديث؟ وقول أبي زرعة: إنه واهي الحديث؟ وقول أبي حاتم والترمذي: إنه منكر الحديث؟ وقول ابن عدي: إن عامة ما يرويه لا يتابع عليه؟ وقول النسائي: إنه ضعيف؟ وقول أبي حاتم أيضا: يروي عن الاثبات الملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد؟ وقول الحاكم: إنه يروي أحاديث موضوعة؟ وقول أبي نعيم: إنه روى المناكير؟ (99)

أم لا يروق الخطيب الجرح في إسماعيل بن أمية العبشمي الأموي وهو ابن عم عثمان وقد جاء بالرواية مختلقة في ابن عمه الخليفة؟ أم لا ينبهه ما حكاه عن الدارقطني إلى أن إسماعيل لا يروي عن ابن جريج؟ وإنما الراوي إسماعيل بن يحيى التيمي.

أم أراد حفظ سمعة الصديق أبي بكر في حفيده إسماعيل بن يحيى التيمي (100) والستر على قول صالح بن جزرة فيه: إنه كان يضع الحديث. وقول الأزدي: إنه ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه. وقول أبي علي النيسابوري والدارقطني والحاكم إنه كذاب. وقول الحاكم: روى أحاديث موضوعة. وقول الدارقطني: إنه كان يكذب على مالك والثوري وغيرهما. وقول ابن حبان: إنه كان يروي الموضوعات عن الثقات لا تحل الرواية عنه بحال؟ (101)
نعم: هذه كلها بين يدي الخطيب غير أن الغلو في الفضائل أبكمه فبكم (102) وذكر الذهبي هذه الرواية في " ميزان الاعتدال " في ترجمة حماد بن المبارك، وقال: خبر غير صحيح.

ولو كان لهذا الخيال مقيل من الصحة لاستدعى أن يكون ما اختلق فيه من كون عثمان في الجنة أهم ما صدع به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المعارف والأحكام والحكم فإنا لم نجد ولا وجد واجد شيئا منها يهتم صلى الله عليه وآله وسلم له هذا الاهتمام ويصدع به على كل منبر صعده، نعم كان يكرر بعض ما يصدع به في عدة مقامات للكشف عن أهميته غير أنها مما تعده الأنامل، حتى أن الصلاة التي هي عماد الدين لم يكررها هذا التكرار الممل.

وليت شعري هل كون عثمان في الجنة من أصول الدين وأسس الاسلام التي لا تتم الشريعة إلا بها فطفق صلى الله عليه وآله وسلم يبالغ في تبليغه هذه المبالغة في كل حين؟

فهل هو حكم شرعي؟ أو حكمة بالغة؟ أو ملكة فاضلة؟ أو ناموس إلهي يستحق هذا التأكيد والاصرار؟

ثم لو كان عثمان من المؤمنين لكفاه تبشير الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الجمة لهم بالجنة، فما الحاجة إلى هذا التهالك في تخصيصه بالذكر تهالكا لم يشاهد له نظير في شئ مما بلغه صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه؟

على أنه لو كان صلى الله عليه وآله وسلم مرتكبا ذلك لوجب أن يسمعه منه جميع الصحابة حتى من حظي بالإصاخة إلى قيله ولو مرة واحدة طليلة حياته، ووجب أن يتواتر الحديث منه صلى الله عليه واله وسلم فلا يختص بعزوه المختلق جابر، ولم يك يسنده عنه أناس دجالون، وإن من أهم تلكم المنابر منبر يوم الغدير وقد حضره مائة ألف أو يزيدون، فهل سمع أحد من أحدهم من الأعالي والساقة يحدث أنه صلى الله عليه وآله وسلم هتف عليه بأن عثمان في الجنة؟ و هذه خطب النبي الأعظم هل تجد في شئ منها عما تقولوه حسيسا أو تسمع منه ركزا؟ وهل هؤلاء الصحابة البالغون مئات الألوف الذين سمعوا هذا المقال ووعوه تركوه وراء ظهورهم يوم الدار؟ يوم قالوا له: والله أحل الله دمك (103)  يوم كتبوا إليه يدعونه إلى التوبة وحاجوه وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه (104) يوم سلم عليهم فما سمع أحدا من الناس يرد عليه، وكان فيهم من عمد الصحابة من فيهم (105) يوم رفعت أمهم عقيرتها وهي تقول: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر، إلى أيام قصصنا عليك حوادثها، أو أنهم كلهم نسوه فنالوا من الرجل ما نالوا؟ وهل حصل لهم مذكر من عند أنفسهم فلم يوافقوه على السماع؟ أو لم يعيروا له أذنا مصغية؟ هذا وهم عدول، وإن ممن سمع بطبع الحال هاتيك الكلمة نفس عثمان فلماذا كان يخاف من القفول إلى مكة حذار أن يكون هو الذي سمع فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما مر من أنه يلحد بمكة رجل عليه عذاب نصف أهل الأرض؟

23 - ذكر ابن كثير في تاريخه عند عد مناقب عثمان عن إسماعيل بن عبد الملك عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه حتى يبدو ضبعيه إلا لعثمان بن عفان إذا دعا له.

قال الأميني: حذف ابن كثير وغيره ممن ذكر هذه المهزأة إسنادها وأرسلوها إرسال المسلم ذاهلين عن أن في ذكر إسماعيل بن عبد الملك كفاية من عرفان بقية رجاله قال ابن عمار وأبو داود: ضعيف. وقال ابن الجارود وابن معين والنسائي وأبو حاتم:

ليس بالقوي. وقال عبد الرحمن بن مهدي: أضرب على حديثه. وقال الفلاس وأبو موسى:

كان عبد الرحمن ويحيى لا يحدثان عنه. وقال ابن حبان: كان يقلب ما يروي (106) وأنا لا أدري أن عائشة متى روت هذه الرواية، قبل تكفيرها الرجل وتأليب الناس عليه، ثم نسيتها؟ وسرعان ما تنسى أم المؤمنين ما حفظته كما نسيت أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها في مناوئة أمير المؤمنين علي عليه السلام وعن كلاب الحوأب ونباحها، أم أنها روتها حين كانت تثير العواطف على عثمان وترهج عليه نقع الحروب حتى أوردته موارد الهلكة فاعجب إذن بالمناقضة بين روايتها وعملها دواليك وهي صحابية عادلة أم الصحابة العدول كما يزعمون.

أم أنها أسندتها بعد تلكم المعامع؟ بعد أن سول لها الناكثان النهضة للطلب بثاراته. فخرجا يجران حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن خدرها (107) فثارت لتتدارك ذلك الحوب بما هو أكبر منه، فخالفت القرآن الكريم فيما خص زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " فكان من استقرارها في بيتها أن ركبت الجمل وقادت العساكر، وباشرت الحرب بنفسها، وعاشرت الرجال الأجانب، ونبذت الكتاب وراء ظهرها، ولم ترع لبعلها حرمة ولا كرامة.

وخالفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نواهيه المتعاقبة عن خصوص موقف الجمل كما مرت في الجزء الثالث ص 188 - 191 ط 2، وعن مطلق مناوءة أمير المؤمنين عليه السلام ومحاربته فيما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم مستفيضا كما أسلفنا نزرا منه في ج 1: 336، 337 و ج 2: 300 - 303، و ج 3: 26، 182 - 188 و ج 4: 322 - 325 ط 2.

نعم خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصاياه المؤكدة بوصيه الطاهر حتى جاء في حديث معمر: عائشة كانت لا تطيب نفسا لعلي بخير. وفي حديث آخر: لكنها لا تقدر على أن تذكره بخير (108).

والحديث صحيح رجاله كلهم ثقات أخرجه أحمد في مسنده 6: 228 من طريق معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة أن عائشة أخبرته قالت: أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها فأذن له قالت: فخرج ويد له على الفضل بن عباس، ويد على رجل آخر، وهو يخط برجليه في الأرض.

قال عبيد الله فحدثت به ابن عباس فقال: أتدرون من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ هو علي، ولكن عائشة لا تطيب له نفسا.

وأخرجه البخاري في صحيحه في باب حد المريض أن يشهد الجماعة، غير أنه حذف منه قول ابن عباس: " ولكن عائشة لا تطيب له نفسا " وهذا شأن البخاري في كل ما لا يروقه.

نعم عائشة لا تقدر أن تسمي عليا وتذكره بخير، غير أنها كانت تصيخ إلى من نال من علي عليه السلام وتأنس بالوقيعة فيه ولا تنهى عنها كما في صحيحة رجالها كلهم ثقات أخرجها أحمد في مسنده 6: 113 من طريق عطاء بن يسار قال: جاء رجل فوقع في علي وفي عمار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة فقالت: أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا، وأما عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما.

لم يا أماه لست قائلة شيئا في علي؟ أما سمعت أذناك من بعلك حديثا واحدا في فضله مثل ما سمعت في عمار؟ أما تجدين في كتاب الله مما نزل في علي ما يعادل حديثك في عمار؟ وفضل علي عليه السلام على عمار كما قال حذيفة اليماني: فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عمارا من الأخيار (109).

لم يا أماه لا تكرهين أن يقذع عندك علي عليه السلام، وأنت التي كنت كارهة أن يسب عندك حسان بن ثابت؟ وقد أخبر بذلك عروة قال: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول: إنه الذي قال:

فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء (110)

أما كانت عندك لمواقف علي المشكورة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولمبيته على فراشه ليلة هجرته من مكة وقد باهى الله به ملائكته، قيمة وكرامة مقدار بيت شعر لحسان؟ وحسان أنت أدرى به مني. إي يا أماه؟ شنشنة أعرفها من أخزم.

ومن رشحات ما كانت تحمله أم المؤمنين بين جنبيها من الضغينة على أول المسلمين وأولاهم لهم بهم من أنفسهم قولها يوم سمعت بيعة الناس له: لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا.

وخالفت العقيدة الراسخة من حرمة قتال خليفة الوقت، وليتني علمت ماذا يكون جواب أم المؤمنين لو أحفيت السؤال عن خطيئتها أيهما أعظم؟ إجهازها على عثمان أم محاربتها الإمام أمير المؤمنين عليا عليه السلام؟ غير أنها اليوم وقد كشف عنها الغطاء تجيب بأن الخطيئة كانت واحدة مرتكزة على سنام الجمل وتحت أستار الهودج، وهل كانت روايتها هذه لتبرير عملها الأخير؟ وقد جعلتها معذرة لها في ثورتها أو أنها اختلقت عليها فأخرجتها رواة السفاسف أو حملة الأضغان على البيت النبوي الطاهر، أو سماسرة البيت الأموي الذين حاولوا نشر الفضيلة لهم ولو بالأفائك؟

وكانت أم المؤمنين عالمة جدا بأن قتل عثمان كان هينا عند الله ورسوله في جنب خروجها من عقر دارها كما قال لها جارية بن قدامة السعدي الصحابي: يا أم المؤمنين؟ والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك، وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك، إن كنت أتيتينا طائعة؟ فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مستكرهة؟ فاستعيني بالناس (111)

ثم هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لعثمان بالثبات على الحق من إتباع الكتاب والسنة؟ فلماذا لم يستجب ذلك الدعاء فخالفهما؟ وظهر ذلك منه حتى عرفته عامة الصحابة فأنكروه عليه حتى قتلوه.

أو أنه كان يدعو له بالتوفيق للتوبة؟ فلماذا لم يوفق؟ فكلما تاب رجع، وكلما عهد حنث، حتى عرف ذلك الثائرون عليه فلم يجدوا بدا من إعدامه.

أو أنه كان يدعو له بالمغفرة وإن لم تكن توبته نصوحا؟ فذلك إغراء بالجهل، وترخيص في المعصية، وهو محال على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أو أنه كان يدعو له بدفع عادية الناس عنه على ما هو عليه من طاعة أو معصية؟

فهبني قلت: إنه جائز لكن الدعاء لم يستجب، وما غناء بقاء رجل هو هكذا سالما؟

وهو لا يقتص أثره في صلاح، ولا يقتفى في طاعة، ولا يتبع في خير، وإنما تورث سلامته تجريا على المعاصي وولعا بالميول والشهوات.

أو أنه كان يدعو له باليسار والثروة ليرغد عيشه ويرغد عيش من لف لفه و احتف به ولو كان بالأثرة لنفسه وذويه على المسلمين عامة متعديا حدود الله المأثورة في الأموال والصدقات؟ فهل الدعاء لمثل هذا جائز في الشريعة؟ وهل يستسيغ العقل السليم الدعاء للحصول على المآثم؟

أو أنه كان يدعو له بنيل الخلافة؟ وهذا إن صح فقد استجيب غير أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان بواسع علم النبوة بصيرا بما يؤل إليه أمر الرجل وينوء به مما لا تحمده شريعة أو عقيدة، ولا يستتبع خلافته إلا وهنا في الدين، وذهابا لأبهة الإمامة وقلقا في مستوى الاسلام وعاصمة النبوة، وتعكيرا لصفو الألفة بين أفراد المسلمين، وفتا في عضدهم، وهوانا على صلحاء الأمة في الحواضر الإسلامية، وتعطيلا للأحكام، وتعديا للحدود، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، وكل هذه مما عرفته منه الصحابة فتألبوا عليه، فما كان حاجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خليفة هو هكذا؟.

هذه محتملات الدعاء المزعوم، ولنا ها هنا مسائلة أخرى عن السبب الموجب لهذا الدعاء أولا وعن ظرفه ثانيا، أهل كان الموجب له أعماله السابقة على الدعاء؟ أو ما ارتكبه في أخريات أيامه؟ فجر على نفسه ومن اكتنفه الويلات من جرائه، أما الأخيرة فقد عرفت أنها لا تنهض موجبا لذلك، وأما سوابقه فسل عنه يوم بدر وتخلفه عنه وكان يعير بذلك طيلة حياته، ووقع فيه عبد الرحمن بن عوف لذلك في أخريات خلافته بملأ من الناس فأنهى إليه ذلك الوليد بن عقبة السكير الفاسق بلسان الوحي المبين (112) هنالك نحت له عذرا من تمريض رقية بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم (113) لكن الصحابة ما كانوا يعرفون ذلك العذر المفتعل حتى أولى الناس به أخوه بالمؤاخاة بمكة عبد الرحمن بن عوف، ولو كان ما يقوله صحيحا لعرفوه وهو بين ظهرانيهم غير منتأى عنهم.

وسل عنه يوم أحد وفراره من الزحف وقد نزل فيه وفيمن فر قوله تعالى " في سورة آل عمران آية: 155 ": إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا. الآية (114).
وسل عنه ليلة وفاة أم كلثوم واقترافه الذنب فيها، وهتك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمته في صبيحتها بملأ من الصحابة بحرمانه من دفنها وهي زوجته وهو أحق الناس بدفنها، راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 231 ط 2.

وسل عنه إيواءه عبد الله بن أبي سرح وقد ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين فأهدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دمه يوم الفتح وأمر بقتله ولو وجد تحت أستار الكعبة، لكنه فر إلى أخيه من الرضاعة " عثمان " فآواه وغيبه، وكان من واجبه قتله أينما وجده، لكنه بدلا عن ذلك أتى به إلى رسول الله فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويلا رجاء أن يقتله أحد من الحضور لأنه ما كان يروقه صلى الله عليه وآله وسلم إسعافه ولا يرى لحياة ابن أبي سرح قيمة. راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 280 ط 2.

وسل عنه إيواءه ابن عمه المشرك معاوية بن المغيرة بن أبي العاص يوم حمراء الأسد لما ظفر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خروجه منها فأمر بضرب عنقه صبرا فلجأ إلى عثمان فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمنه على أنه إن وجد بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث و توارى فبعث صلى الله عليه وآله وسلم عمار بن ياسر وزيد بن حارثة وقال: إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا فوجداه فقتلاه (115).

وما أشبه فعلته هذه بإيوائه الحكم وابنه مروان في خلافته وهما طريدا رسول الله ولعيناه؟ (116) فأمره سواسية في المبدأ والمنتهى.

هذا كل ما علمناه من سوابق الرجل ولواحقه، وشئ منها لا يصلح أن يكون باعثا للحب والدعاء كما أن شيئا منها لا يترك للدعاء المزعوم ظرفا يستساغ له الدعاء فيه، فزبدة المخض أنه من مختلق الدور الأموي الذي لم يأل العبشميون فيه جهدا في وضع الفضائل أو الرذائل.

نعم ذكروا له صلى الله عليه وآله وسلم دعوات عديدة لعثمان عند تجهيزه جيش العسرة، ولعل المتهالك في حب عثمان ينحته موجبا لتلكم الدعوات، والباحث جد خبير بأنه لا يعدو شيئا منها وهن في الاسناد لضعف في رجاله أو إرسال فيه، على اضطراب الروايات في كيفية التجهيز وكمية ما أنفقته يده فيه، اضطرابا لا يعدوه الحكم بالبطلان في جميعها:

قال ابن هشام في السيرة 4: 172: أنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها. حدثني من أثق به أن عثمان بن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار. إلى آخر ما يأتي من حديثه.

وأخذ الطبري الجملة الأولى من قول ابن هشام وترك حديثه.

وعند الكلبي مرسلا كما في أسباب النزول للواحدي 61 جهز بألف بعير بأقتابها وأحلاسها.

وعند قتادة مرسلا: حمل على ألف بعير وسبعين فرسا.

وعند البلاذري بإسناد ضعيف مرسل: جهزهم بسبعين ألفا.

وعند الطبراني بإسناد ضعيف: مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقية من الذهب.

وعند أبي يعلى بسند ضعيف: جاء بسبعمائة أوقية ذهب.

وعند أبي ابن عدي بسند واه ضعيف جدا: جاء بعشرة آلاف دينار.

وعند أبي نعيم بإسنادين باطلين: جاء بألف دينار.

وعند أحمد وأبي نعيم بإسناد معلول: ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها.

وعند ابن عساكر مرسلا: جهز ثلث ذلك الجيش مؤنتهم.

وعند ابن الأثير ما ذكره الطبري وزاد عليه: قيل كانت ثلثمائة بعير وألف دينار.

وعند عماد الدين العامري دعوى مجردة: أنفق ألف دينار، وحمل على تسعمائة وخمسين بعيرا وخمسين فرسا.

وعند الحلبي صاحب السيرة قولا بلا دليل: جهز عشرة آلاف دينار غير الإبل و الخيل وهي تسعمائة بعير ومائة فرس والزاد وما يتعلق بذلك حتى ما تربط به الأسقية.

وعند بعض كما في السيرة الحلبية: أعطى ثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها و خمسين فرسا.

وفي رواية عند الحلبي: جاء بعشرة آلاف دينار إلى رسول الله فصبت بين يديه.

فقال: لعل هذه العشرة آلاف غير الذي جهز بها العشرة آلاف إنسان.
فترى كل واحد يكل ويزن ما أنفقه الرجل في جيش العسرة بكيلة مروءته و ميزان كرامته، وما تستدعيه سعة صدره، ورحب ذات يده.

على أن هناك أناسا آخرين شاركوا من جهز الجيش وأربوا، فلا أدري ما الموجب لاختصاص عثمان بتلكم الأدعية دونهم؟ فمن أولئك المجهزين العباس بن عبد المطلب فإنه حمل مالا يقال إنه تسعون ألفا (117) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: العباس عم نبيكم أجود قريش كفا وأحناه عليها. وفي حديث: أوصلها لها " مستدرك الحاكم 3: 328 " وأول من حمل ماله كله هو أبو بكر على زعم القوم فإنه جاء بماله كله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل أبقيت شيئا؟ قال: الله ورسوله (118).

وهب أن ما حمله أبو بكر كان نزرا يسيرا لكنه أنفق بكل ماله إن صدق الحديث وكمال الجود بذل الموجود. فما الذي أرجأه من الحظوة بالدعاء له ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

يراه أمن الناس عليه بماله؟ وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أحمد في مسنده 1: 270 قوله: ليس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة.

على أن طبع الحال يستدعي أن يكون هناك منفقون آخرون لأن عدد الجيش كان ثلاثين ألفا وعشرة آلاف فرس واثنا عشر ألف بعير عند كثير من المؤرخين، وعند أبي زرعة كانوا سبعين ألفا، وفي رواية أربعين ألفا (119) وما ذكروه من النفقات لعثمان وغيره لا تفي بتجهيز هذا الجيش اللجب، فلماذا حرم أولئك كلهم من الدعاء وحظي به عثمان فحسب؟ أنا أنبئك لماذا، وجد عثمان بعد ما خذل وقتل أنصارا ينحتون له الفضائل، وتصرمت أيام أولئك من غير نصير مفتعل.

وإليك جملة مما روي في الباب وافية للنهوض بإثبات بطلان ما يهتف به من المبالغة في أمر التجهيز المذكور، منها:

24 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 59 من طريق حبيب بن أبي حبيب أبي محمد البصري - كاتب مالك - عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لما جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة جاء عثمان بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

أللهم لا تنس لعثمان، ما على عثمان ما عمل بعد هذا.

قال الأميني: أتخفى على مثل الحافظ أبي نعيم أقوال أئمة الفن من قومه في حبيب كاتب مالك؟ قال عبد الله بن أحمد - إمام الحنابلة - عن أبيه أنه قال: حبيب ليس بثقة قدم علينا رجل أحسبه قال من خراسان كتب عنه كتابا. إلى أن قال: قال أبي: كان يكذب، ولم يكن أبي يوثقه ولا يرضاه وأثنى عليه شرا وسوء.

وقال أبو داود: كان من أكذب الناس كان يضع الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث روى عن ابن أخي الزهري أحاديث موضوعة. وقال النسائي والأزدي، متروك الحديث. وقال ابن حبان: كان يدخل على الشيوخ الثقات ما ليس من حديثهم. و قال: أحاديثه كلها موضوعة وذكر له عدة أحاديث عن هشام بن سعد وغيره وقال:

كلها موضوعة، وعامة حديثه موضوع المتن، مقلوب الاسناد، ولا يحتشم حبيب في وضع الحديث على الثقات، وأمره بين في الكذب. وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث. وقال سهل بن عسكر: كتبنا عنه عشرين حديثا وعرضناها على ابن المديني فقال:

هذا كله كذب، وقال النسائي: متروك أحاديثه كلها موضوعة عن مالك وغيره (120).

وأخرجه أحمد من طريق ضمرة بن ربيعة الدمشقي الرملي، قال الساجي: صدوق يهم عنده مناكير، وجاء ضمرة عن الثوري عن ابن دينار عن ابن عمر بحديث فأنكره أحمد ورده ردا شديدا، وقال: لو قال رجل إن هذا كذب لما كان مخطئا.

وأخرجه الترمذي وقال: لا يتابع ضمرة عليه وهو خطأ عند أهل الحديث راجع تهذيب التهذيب 4: 461. (ومنها):

25 - أخرج أحمد في مسنده 1: 74 من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي البصري عن محمد بن عبد الله الأنصاري البصري عن هلال بن حق البصري عن سعيد الجريري (121) البصري عن ثمامة القشيري قال: شهدت الدار يوم أصيب عثمان رضي الله عنه فطلع عليهم إطلاعة فقال: ادعوا لي صاحبيكم اللذين (122)  ألباكم علي فدعيا له فقال:

نشدتكما الله أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله فقال:

من يشتري هذه البقعة من خالص ماله؟ فيكون فيها كالمسلمين وله خير منها في الجنة.

فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين؟ وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين.

ثم قال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه إلا رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلى المسلمين؟ وله خير منها في الجنة. فاشتريتها من خالص مالي؟ فأنتم تمنعوني أن أشرب منها. ثم قال هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة؟ قالوا: أللهم نعم.

وذكره البلاذري في الأنساب 5: 5، 6 من طريق يحيى بن أبي الحجاج البصري عن سعيد الجريري وزاد: فأنشدكما الله هل تعلمان أني جهزت جيش العسرة من مالي؟

قالا: أللهم نعم. قال: أنشدكما الله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بثبير، أو قال:

بحراء. فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض فركضه برجله فقال: أسكن فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالا: أللهم نعم.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 168 من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن الجريري عن ثمامة.

* (رجال الاسناد) *

1 - محمد بن عبد الله الأنصاري: قال العقيلي: منكر الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم: روى يحيى بن خذام عنه عن مالك بن دينار أحاديث منكرة والله أعلم الحمل فيه عليه أو على يحيى. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به وقال: ابن طاهر: كذاب. وقال الحاكم النيسابوري:

يروي أحاديث موضوعة. وقال أبو الفضل الهروي: ضعيف. وقال الأزدي: منكر الحديث جدا روى عن مالك بن دينار أحاديث معاضيل: تهذيب التهذيب 9: 256.
لا يحسب الباحث أن محمد بن عبد الله الأنصاري هذا هو عبد الله البصري محمد ابن عبد الله بن المثنى فإنه يروي عن سعيد الجريري بلا واسطة كما في تهذيب التهذيب 4: 6 و ج 9: 274 والذي يروي عنه بالواسطة هو هذا الأنصاري المترجم له.

2 - سعيد أبو مسعود الجريري وهو وإن كان ثقة في نفسه لكنه لا تصح روايته لاختلاطه ثلاث سنين من عمره، قال أبو حاتم: تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما فهو صالح. وقال يزيد بن هارون ربما ابتلانا الجريري وكان قد أنكر. وقال ابن معين عن ابن عدي: لا نكذب الله سمعنا من الجريري وهو مختلط. وقال ابن حبان: اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين. وقال يحيى بن سعيد لعيسى بن يونس: أسمعت من الجريري؟

قال: نعم. قال: لا ترو عنه، يعني لأنه سمع منه بعد اختلاطه. وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله إلا أنه اختلط آخر عمره " تهذيب التهذيب 4: 6 ".

3 - يحيى بن أبي الحجاج البصري في طريق البلاذري. قال النسائي وابن معين:

ابن أبي الحجاج ليس بشئ. وقال أبوح أتم: ليس بالقوي.

ونحن لو غاضينا العثمانيين على صحة هذه الرواية وأمثالها فإنها تعود وبالا على عثمان أكثر منها منقبة فإن في صريحها أن الرجلين وهما من العشرة المبشرة ومن الستة أصحاب الشورى وفي الجبهة والسنام من الصحابة العدول " عند القوم " إعترفا له بما استنشدهما لكنهما لم يأبها بما حاوله عثمان من مفاد الرواية فاستمرا على التأليب عليه والضغط والتشديد، فهل هو مجابهة منهما لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟

" ويرده عدلهما وكونهما من العشرة " أو أنهما علما أن الشئ حدث بعده شئ أزاح موضوعه؟ وإنما كان قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرحلة الاقتضاء من آثار تلكم الأعمال الطبيعية إذا استمر صاحبها على ما هو عليه في هاتيك الأحوال، ولم يحدث موانع فإنهما كانا يرتئيان حدوث موانع هنالك سالبة لأثر الاقتضاء. وبهذا الاعتقاد مضيا مصرين على ما ارتكباه من أمر الخليفة، وهما يريانه حائدا عن الصراط السوي.

ولعل عثمان نفسه ما كان جازما ببقاء تلكم الآثار التي كان نوه بها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم نظرا منه لما أحدث بعد ذلك من الحوادث، ولذلك كان يحاذر أن يكون هو الرجل الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنه يلحد بمكة رجل عليه نصف عذاب أهل الأرض كما مر حديثه الصحيح في ص 152 من هذا الجزء.

ويشبه طلحة والزبير بل وعثمان نفسه بقية الصحابة المجهزين عليه فيما بيناه من الاعتقاد في حق الرجل. فراجع ما قدمناه من أقوالهم وأعمالهم المذكورة في الجزء الثامن وفي هذا الجزء ص 69 - 163، ولا تنس قولهم له في مناشدته المذكورة في ص 204: وأما ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله فإنك قد كنت ذا قدم وسلف وكنت أهلا للولاية، ولكن: بدلت بعد ذلك وأحدثت ما قد علمت.

وقولهم له: وأما قولك: إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت: قتل من سعى في الأرض فسادا، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق، وحلت دونه، وكابرت عليه. الخ.

ونظير هذه الأقوال الكثير المعرب عن آراء الصحابة فيه وفي أحداثه، وكلها تكذب القول بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمي الرجل شهيدا. نعوذ بالله من الاختلاق بلا تدبر (ومنها):

26 - أخرج سيف بن عمر في الفتوح من طريق صعصعة بن معاوية التيمي قال:

أرسل عثمان وهو محصور إلى علي وطلحة والزبير وغيرهم. فقال: احضروا غدا فأشرف عليهم وقال: أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر رومة فله الجنة. فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنه قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة. فجهزته؟ قال: فصدقوه بما قال.

ذكره ابن حجر في فتح الباري 5: 314 وقال: وللنسائي من طريق الأحنف بن قيس إن الذين صدقوه بذلك هم: علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص.

ترى ابن حجر هاهنا ساكتا عن الغمز في هذه الرواية وهو الذي جمع أقوال الحفاظ في سيف بن عمر من أنه ضعيف، متروك، ساقط، وضاع، عامة حديثه منكر، يروي الموضوعات عن الاثبات، كان يضع الحديث، واتهم بالزندقة " راجع ج 8: ص 84، 333 من كتابنا هذا " وكأنه أراد من عد من صدق عثمان في دعواه إثبات فضيلة له ذاهلا عن أن كثرة المصدقين في المقامين على تقدير صحة الخبر - وأنى هي؟ - تزيد عارا وشنارا على الرجل، وتعود وبالا عليه أكثر منها منقبة كما مر بيانه، وإني لا أشك في أن الباحث بعد هذا البيان الضافي لا يقيم لهذه المناشدة وزنا وإن خرجه البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا باب إذا وقف أرضا أو بئرا ج 4 ص 236 (123) وما أكثر بين دفتي هذا الصحيح من سقيم يجب أن يضرب به عرض الحائط كما هو الظاهر لدى من يراجع كتاب " أبو هريرة " لسيدنا الآية شرف الدين وغيره من تآليفه، وسنوقفك على جلية الحال في الأجزاء الآتية إن شاء الله تعالى. (ومنها):

27 - أخرج أسد بن موسى في فضائل الصحابة عن قتادة البصري قال؟ حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا في العسرة.

ذكره ابن حجر في فتح الباري 5: 315 وقال: مرسل. ولم يسم ابن حجر رجال الاسناد بين أسد بن موسى وبين قتادة وكذلك من قتادة إلى منتهى السند، فالرواية مرسلة من الطرفين، ولعل في مرحلتي السند أناس من الوضاعين المفضوحين ستر عليهم أسد بني مروان بذيل أمانته، وراقه الابقاء على كرامة الحديث بإسقاطهم، وأسد ابن موسى هو حفيد الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي قال النسائي مع توثيقه: لو لم يصنف كان خيرا له. وقال ابن يونس: حدث بأحاديث منكرة وأحسب الآفة من غيره. وقال ابن حزم: منكر الحديث ضعيف. وقال عبد الحق: لا يحتج به عندهم (124) (ومنها):

28 - أخرج أبو يعلى من وجه آخر فيه قال: فجاء عثمان بسبعمائة أوقية ذهب.

ذكره ابن حجر في الفتح 5: 315 وقال: ضعيف. وليته كان يذكره بإسناده حتى كنا نوقف الباحث على ترجمة رجاله الكذابين. (ومنها):

29 - أخرج ابن عدي من طريق عمار بن هارون (125) أبي ياسر المستملي عن إسحاق ابن إبراهيم المستملي عن أبي وائل عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان يستعينه في غزاة غزاها فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار فوضعها بين يديه فجعل يقلبها بين يديه ويدعو له: غفر الله لك يا عثمان! ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها.

ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 212 ساكتا عما في إسناده من العلل عاداته في فضائل من غمره حبه، وأورده ابن حجر في فتح الباري 5: 315 فقال: سند ضعيف جدا. وقال في ج 7 ص 43: سنده واه. وذكره القسطلاني في المواهب اللدنية 1: 172 ساكتا عن علله وعقبه الزرقاني بقول ابن حجر راجع شرح المواهب 3: 65، و ستوافيك ترجمة بعض رجال الاسناد الضعفاء في هذا الجزء.

وذكر ابن كثير في تاريخه 7: 212 وقال: روى الحسن بن عرفة عن محمد بن القاسم الأسدي الشامي عن الأوزاعي الشامي عن حسان بن عطية الدمشقي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أنه قال لعثمان: غفر الله لك ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما كان منك وما هو كائن إلى يوم القيامة.

قال الأميني: لو لم يكن في إسناد هذه الأكذوبة المرسلة إلا محمد بن القاسم الذي كان عثمانيا كما قاله العجلي لكفاه وهنا، أيخفى على ابن كثير المحتج بها قول النسائي في محمد بن القاسم: إنه ليس بثقة كذبه أحمد؟ أم قول الترمذي: تكلم فيه أحمد وضعفه؟ أم قول أبي حاتم: ليس بقوي لا يعجبني حديثه؟ أم قول أبي داود:

إنه غير ثقة ولا مأمون أحاديثه موضوعة؟ أم قول ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه؟ أم قول البراء: حدث بأحاديث لم يتابع عليها؟ أم قول الدارقطني: كذاب؟ أم قول ابن القاسم: أحاديثه موضوعة ليس بشئ؟ أم قول البخاري عن أحمد: رمينا حديثه؟

أم قوله في موضع آخر: كذبه أحمد؟ أم قول ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم لا يجوز الاحتجاج به؟ أم قول العقيلي: يعرف وينكر، تركه أحمد و قال: أحاديثه أحاديث سوء؟ أم قول أبي أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم؟ أم قول البغوي: ضعيف الحديث؟ أم قول الأزدي: متروك (126).

وهذا كاف في وهن السند وبطلانه، وإن غضضنا الطرف عن بقية ما فيه من الشاميين أعداء الحق وأضداد العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، وما فيه من الإرسال الموهن للرواية، ودع عنك ما في متنه مما يضاد الأصول المسلمة من الترخيص في المعصية مما هو كائن إلى يوم القيامة، فهو يوجب التجري على المعاصي فيما يستقبل الرجل من الأيام، وأي إنسان غير معصوم يقال له: إن كل ما سوف ترتكبه من المآتم مغفور لك. فلا تحدوه شهواته إلى توهين اقترافها، واستسهال ركوبها؟ والشهوة غريزة في الانسان تقوده إلى مهاوي الهلكة كل حين، والمعصوم من عصمه الله تعالى.

نعم حقا يقال: إن سيرة عثمان تصدق هذه الرواية فإنها لا تشبه إلا سيرة من رخص بالمآثم، وأذن لاقتحام الطامات والموبقات، وبشر بغفران هناته وعثراته، فكان غير مكترث لمغبة فعاله، ولا مبال بمعرة مقاله.

وهب إن الحسنات يذهبن السيئات من غير حقوق الناس والكبائر المخرجة عن الدين التي سلفت من الانسان، ولكن أي عمل بار في الشريعة " ولا أقول من أعمال عثمان فحسب ". يبيح للمكلف السيئات فيما يأتي من عمره إلى يوم القيامة ويبشره بالمغفرة فيها جمعاء؟ وليس في ميزان الأعمال ما هو أرجح من الإيمان ومع ذلك فهو غير ممتاز عما سواه بمغفرة ما يأتي به صاحبه في المستقبل، وإنما يجب ما قبله، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم (127)، وإلا لبطلت المواعيد والعقوبات المتوجه خطابها إلى المؤمنين أجمع.

وإنا لم نجد في أعمال عثمان عملا بارا يستدعي هذه المغالاة الخارجة عن أصول الاسلام، غير ما أنفقه على جيش العسرة إن صح من ذلك شئ، وما خسره على بئر رومة، وقد علمت أن جيش العسرة أنفق عليه غيره ما هو أكثر مما أنفقه هو، وما أكثر من حفر الآبار وكرى الأنهار وسبل مياهها للمسلمين، فلو كان عمل عثمان هذا يستدعي المغفرة إلى يوم القيامة لوجب أن يغفر لأولئك الأقوام والأمم ذنوبهم إلى ما بعد القيامة بفئام، لكن الحظوظ ساعدت عثمان ولم تساعدهم. فتبصر واعجب.

وهل علمت الصحابة بهذا الغفران ثم نقموا عليه ما كان ينجم منه من هنات بعد هنات فلم يغفروها له مخالفين لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهم عدول؟ أو أنهم سمعوا هذه الأفيكة ثم أودعوها في محفظة الأباطيل؟ غير أن ظني بها أن ميلادها بعد واقعة الدار وأنها كانت في أصلاب الوضاعين عند الحصارين، وفي حش كوكب، وفي مقبرة اليهود، ولم تلدها بعد أمها العاقر، حتى فسح المجال لاستيلادها على أيدي قوابل عهد معاوية فما بعد.

30 - أخرج أحمد في مسنده 1: 70 عن بهز أبي الأسود البصري عن أبي عوانة الوضاح البصري عن حصين عن عمرو بن جاوان البصري عن الأحنف بن قيس البصري قال: انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة فبينما نحن في منزلنا إذ جاءنا آت فقال: الناس من فزع في المسجد. فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد قال: فتخللتهم حتى قمت عليهم فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص قال: فلم يكن ذلك بأسرع من أن جاء عثمان يمشي فقال: أهاهنا علي؟ قالوا: نعم. قال أهناهنا طلحة؟ قالوا: نعم. قال: أهاهنا سعد؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له فابتعته فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعته. فقال: اجعله في مسجدنا وأجره لك؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع بئر رومة. فابتعتها بكذا وكذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعتها يعني بئر رومة فقال: إجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة فقال: من يجهز هؤلاء غفر الله له فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا؟

قالوا: أللهم نعم. قال اللهم اشهد. أللهم اشهد. أللهم اشهد. ثم انصرف. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 167 بالإسناد المذكور.

قال الأميني: زعم البصريون جند المرأة أنهم يسعهم تدارك تجمهر صلحاء البصرة على عثمان بتسطير أمثال هذه الأفائك المفتعلة، وحسبوا أنهم يبررون ساحة الرجل من تلكم الهنات الموبقة التي سجلها له التاريخ، ذاهلين عن أن صحة هذه الأساطير تزيد عليه وبالا، فبعد ما سمع أعاظم الصحابة حجاجه هذه، وقرعت سمعهم تلكم المناشدات وما أصاخوا إليها، وما زحزحوا عما كانوا عليه من خذلانه إلى التأليب عليه إلى الوقيعة فيه بكل ما يوهنه ويزريه إلى قتله إلى كسر أضالعه إلى رمي جنازته إلى دفنه في مقابر اليهود، وبعد ما أصرت الأمة على مقته مجمعة على النقمة عليه وهي لا تجتمع على الخطأ كما يحسبون، لم يبق للرجل أي قيمة في سوق الاعتبار وإن اختلقت يد الافتعال له ألف أسطورة.

وتحصل مما قدمناه أن الأجور المذكورة على تقدير الصحة كانت مرتبة على الأعمال ولم تكن حقوقا ثابتة للرجال فهي تدور مع الأعمال إن لم يبطلها ما هو أقوى منها كما هو الحال في المقتضيات المقارنة بالموانع، وكان معتقد القوم فيما استنشدهم عثمان أنها مقرونة بها، فلذلك لم يقيموا لكل ما استنشدهم فيه وزنا إن كانت للمزاعم حقيقة. (ومنها):

31 - أخرج البيهقي في السنن الكبرى 6: 167 من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان بن عفان رضي الله عنه وأحيط بداره أشرف على الناس فقال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فقال: أسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا: أللهم نعم. قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة العسرة: من ينفق نفقة متقبلة. والناس يومئذ معسرون مجهودون فجهزت ذلك الجيش من مالي؟

قالوا: أللهم نعم. ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن فابتعتها بمالي فجعلها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: أللهم نعم. في أشياء عددها.

في الاسناد أبو إسحاق السبيعي وقد مر في الجزء السابع ص 276: إنه مدلس أفسد حديث أهل الكوفة، ضعيف جدا لا يحتج بحديثه. وأما أبو عبد الرحمن فهو عثماني لا يعول عليه ولا يركن إلى حديثه.

32 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 10 عن المدائني عن عباد بن راشد البصري عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يجهز هذا الجيش بشفاعة متقبلة؟ فقال عثمان: يا رسول الله بشفاعة متقبلة؟ قال: نعم على الله ورسوله. قال: أنا أجهزهم بسبعين ألفا.

قال الأميني: هذا الجيش جهزه الحسن البصري بعد سنين من وفاة النبي الأقدس وقد ولد الرجل بسنتين بقيتا من خلافة عمر، ولعله نظر إلى ذلك الموقف واسترق السمع من وراء ستر رقيق في صلب أبيه، أو أوعز بإرسال الرواية إلى بطلانها، وغير بعيد أن يكون عباد بن راشد هو الذي تقول بها على الحسن وهو برئ منها. قال الدوري عن ابن معين: حديث عباد ليس بالقوي ولكن يكتب (يعني للاعتبار) وقال الدورقي عن ابن معين: ضعيف: وقال البخاري والأزدي: تركه يحيى القطان وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن المديني: لا أعرف حاله. وقال ابن البرقي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان كان ممن يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المعتمد فبطل الاحتجاج به، روى عن الحسن حديثا طويلا أكثره موضوع (128). (ومنها):

33 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1. 58 من طريق إبراهيم بن سعدان عن بكر بن بكار البصري عن عيسى بن المسيب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: اشترى عثمان بن عفان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين بيع الخلق: حين حفر بئر رومة، وحين جهز جيش العسرة.

* (رجال الاسناد) *

1 - بكر بن بكار أبو عمرو البصري قال ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث سيئ الحفظ له تخليط. وقال ابن معين: ليس بشئ. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أيضا: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وذكره العقيلي وابن الجارود والساجي في الضعفاء (129).

2 - عيسى بن المسيب. قال يحيى والنسائي والدارقطني: ضعيف - وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ليس بالقوي. وتكلم فيه ابن حبان وغيره. وقال أبو داود: ضعيف. وقال يحيى بن معين أيضا: ليس بشئ. وقال ابن حبان: يقلب الأخبار ولا يفهم ويخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به.    (لسان الميزان 4: 405)

والباحث جد عليم بأن الصحابة لم تكن على يقين من هذا البيع المزعوم وإلا لما تجمهروا على مقت الرجل وخذلانه، ولم يكن عثمان نفسه على ثقة بذلك أيضا و إلا لما كان حذيرا من أن يكون هو الملحد بمكة الذي عليه نصف عذاب أهل الأرض كما مر حديثه في هذا الجزء ص 153. (ومنها):

34 - أخرج أحمد في المسند 4: 75، وأبو نعيم في الحلية 1: 58 من طريقين أحدهما عن عبد الله بن جعفر عن يونس بن حبيب عن أبي داود. والآخر: عن فاروق ابن الخطابي عن أبي مسلم الكجي عن حجاج بن نصر (130) " أبي محمد البصري " قالا ثنا سكن بن المغيرة الأموي (البصري مولى آل عثمان) عن الوليد بن أبي هشام البصري عن فرقد بن أبي طلحة عن عبد الرحمن بن أبي خباب (131) السلمي البصري قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها.

قال: ثم حث فقال عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها قال: ثم حث فقال عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. فرأيت النبي صلى الله وعليه وسلم يقول بيده يحركها ما على عثمان ما عمل بعد هذا.

قال الأميني: هلا مخبر يخبرني عن هذا الصحابي البصري الذي لا يعرف إلا بحديثه هذا؟ ولا يعلم من تاريخ حياته شئ غير اختلاقه هذه الرواية، ولا يروي عن النبي الأعظم إلا هذه الخطبة المزعومة كما صرح به ابن عبد البر في " الاستيعاب " و ابن حجر في " الإصابة "، ولم يسمعها صحابي قط غيره منه صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم يخبرني ذلك المخبر عمن انتهى إليه الاسناد أن فرقد بن طلحة، من هو؟ ومتى ولد؟ وأين وأنى كان؟ وما المعروف من ترجمته؟ فكأني به وهو يجيبني بما قاله علي بن المديني: لا أعرفه (132).
وهل تخفى على إمام أو حافظ في الحديث آراء رجال الجرح والتعديل في حجاج ابن نصير؟ وقد ورد فيه قول ابن معين: ضعيف. وقول علي بن المديني: ذهب حديثه كان الناس لا يحدثون عنه، وقول النسائي: ضعيف. وقوله أيضا: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقول ابن حبان: يخطئ ويهم. وقول العجلي: كان معروفا بالحديث ولكنه أفسده أهل الحديث بالتلقين كان يلقن وأدخل في حديثه ما ليس منه فترك. وقول ابن سعد كان ضعيفا. وقول الدارقطني والأزدي: ضعيف: وقول أبي أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقول الآجري عن أبي داود: تركوا حديثه. وقول ابن قانع: ضعيف لين الحديث (133).

وإني أحسب أن الآفة من سكن بن المغيرة وأنه أدى حقوق آل عثمان - وهو مولاهم - باختلاق هذه المنقبة لعثمان، ولا ينافي ذلك كونه صالحا إمام جمعة وجماعة، وكم وكم صلحاء وضاعين، ومن أئمة كذابين؟ راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا سلسلة الكذابين والوضاعين. (ومنها):

35 - أخرج أبو نعيم في الحلية 1: 59 من طريق عمر بن هارون البلخي عن عبد الله بن شوذب البصري ثم المقدسي عن عبد الله بن القاسم عن كثير بن أبي كثير البصري مولى سمرة (134) عن عبد الله بن سمرة عامل معاوية بن أبي سفيان على البصرة قال: كنت مع رسول الله صلى الله وعليه وسلم في جيش العسرة فجاء عثمان بألف دينار فنثرها بين يدي رسول الله صلى الله وعليه وسلم ثم ولى قال: فسمعت رسول الله صلى الله وعليه وسلم وهو يقلب الدنانير وهو يقول: ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم.

وفي لفظ أحمد في المسند 5: 63: ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم. يرددها مرارا.

وذكره ابن الجوزي في التبصرة كما في تلخيصها قرة العيون المبصرة 1: 179 قال الأميني: ألا تعجب من حفاظ يروون عن كذاب خبيث مرسلين روايته إرسال المسلم يمرون بها كراما؟ أي قيمة في سوق الاعتبار لرواية جاء بها عمر بن هارون؟ وقد جاء فيه قول ابن سعيد: كتب الناس عنه كتابا كبيرا وتركوا حديثه وقول البخاري: تكلم فيه يحيى بن معين وقال: عمر بن هارون كذاب قدم مكة وقد مات جعفر بن محمد فحدث عنه. وقول ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: تكلم فيه ابن المبارك فذهب حديثه، قلت لأبي: إن الأشج حدثنا عنه فقال: هو ضعيف الحديث نخسه ابن المبارك نخسة. وقول قتيبة: قلت لجرير: إن عمر بن هارون حدثنا عن القاسم بن مبرور قال: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كاتبك هذا أمين (يعني معاوية) فقال جرير اذهب إليه فقل له: كذبت. رواها العقيلي. وعن أحمد إنه قال: لا أروي عنه شيئا وقد أكثرت عنه. وقول ابن مهدي: لم يكن له عندي قيمة حدثني بأحاديث فلما قدم مرة أخرى حدث بها عن ابن عباس عن أولئك فتركت حديثه. وقول أبي زكريا:

عمر بن هارون: كذاب خبيث ليس حديثه بشئ، قد كتبت عنه وبت على بابه وذهبنا معه إلى النهروان، ثم تبين لنا أمره فحرقت حديثه ما عندي عنه كلمة. وقول ابن محرز عن ابن معين: ليس هو بثقة وبنحوه قال الغلابي عنه. وقال عنه مرة: ضعيف. وقول أبي داود عنه: غير ثقة. وقول ابن أبي خيثمة وغيره عن ابن معين: ليس بشئ: وقول جعفر الطيالسي عن ابن معين: يكذب. وقول عبد الله بن علي بن المديني: سألت أبي عنه فضعفه جدا. وقول إبراهيم بن موسى: الناس تركوا حديثه. وقول الجوزجاني: لم يقنع الناس بحديثه. وقول النسائي وصالح بن محمد وأبي علي الحافظ: متروك الحديث. وقول الساجي فيه ضعف وقول الدارقطني: ضعيف. وقول أبي نعيم: حدث بالمناكير لا شئ (135) و قول العجلي: ضعيف. وقول ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخا لم يرهم (136).

وفي الاسناد: كثير بن أبي كثير ذكر العقيلي في الضعفاء، وقال ابن حزم وعبد الحق : إنه مجهول، ولو كان لتوثيق العجلي الرجل وزن لما جهله الحافظان ولم يضعفه العقيلي، وأي قيمة لثقة العجلي وهو يوثق عمر بن سعد قاتل الإمام السبط الشهيد و نظرائه من المهتوكين المفضوحين؟
وفي طريق أحمد مضافا إلى كثير ضمرة بن ربيعة وقد مر فيه قول الساجي:

صدوق يهم، عنده مناكير. وروى ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر حديثا أنكره أحمد ورده ردا شديد. وقال: لو قال رجل: إن هذا كذب لما كان مخطئا وأخرجه الترمذي وقال: لا يتابع ضمرة عليه وهو خطأ عند أهل الحديث.

فهذه مكانة الرجل من الرواية وإن كان ثقة مأمونا، وأكبر الظن أن الآفة في هذه الرواية من ابن سمرة وأنه اختلقها تقربا إلى أعطيات معاوية وهباته التي كانت تصل من دون وزن وكيل إلى وضاعي الأحاديث ورجال الاختلاق الذين لا خلاق لهم. (ومنها):

36 - عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه لعثمان يقول: أللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه.

ذكره ابن الجوزي في كتابه (التبصرة) كما في تلخيصه (137) 1: 179 مرسلا إياه إرسال المسلم، وهو أول حديث ذكره في فضائل عثمان، وذكره الواحدي في أسباب النزول مرسلا ص 61 فزاد: فأنزل الله تعالى فيه: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله (138)

وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 212 ولم يذكر من رجال إسناده إلا الثلاثة المذكورة ولعل هو ومن رواه مرسلا وجدوا في سلسلة السند أناسا ساقطين لا يعبأ بهم ولا يحتج بحديثهم، وما راقهم إبطال هذه المنقبة بإبداء علله بذكر أولئك الرجال.

ومن العجب العجاب هذا الدؤب منه صلى الله عليه وآله وسلم من أول الليل إلى منتهى الفجر على الدعاء لعثمان الذي فوت عليه مرغباته وفرائضه، فإن صلاة الليل والوتر كانت فريضة عليه صلى الله عليه وآله وسلم دون الأمة (139) ولا أدري هل نزل عليه صلى الله عليه وسلم وحي جديد يأمره باستبدال نوافله وفرائضه في تلك الليلة بدعاء عثمان؟ أو ماذا كان فيها؟ نعم: الذي يظهر من السيوطي في الخصائص الكبرى 2: 164 - 170، إن ذلك الوحي لم ينزل، وإن الدعاء لعثمان لم يكن فضلا عن استيعابه الليل كله فإنه ذكر فيها كل من دعى له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسماهم حتى يهوديا سمت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعد منهم عثمان.

ولو كان إنفاق عثمان في جيش العسرة موجبا للدعاء المستوعب ليله صلى الله عليه وآله وسلم كما يظهر من رواية الواحدي، فإنفاق أبي بكر الذي أنفق كل ما كان يملكه ذات يده - كما يحسبه القوم - وكان يراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمن الناس عليه بماله (140) يستوجب دعاء مستغرقا ليله ونهاره، فأين؟ وأني؟ ولو كان كل إنفاق في مهمة يستدعي دعاء الليل فكان عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقضي حياته ليلا ونهارا بالدعاء للمنفقين، وما أكثرهم؟ ولو كان صلى الله عليه وآله وسلم رافعا يديه لعثمان فعليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يديم رفعهما في الدعاء لأبي بكر ولرجال الأنصار المكثرين من الانفاق في السلم الحرب ولغيرهم من أهل اليسار الذين بذلوا كنوزا عامرة من الدرهم والدينار في مهام الاسلام المقدس والدعوة إليه والذب عنه.

وأما زيادة الواحدي من نزول الآية الكريمة في عثمان فقد فصلنا القول فيه و إنه لا يصح في الجزء الثامن ص 57 * (بقية مناقب عثمان) *

37 - قال ابن كثير في تاريخه 7: 212: قال ليث بن أبي سليم (ابن زنيم القرشي مولاهم): أول من خبص الخبيص عثمان خلط بين العسل والنقى ثم بعث به إلى رسول الله صلى الله وعليه وسلم إلى منزل أم سلمة فلم يصادفه فلما جاء وضعوه بين يديه فقال: من بعث هذا؟

قالوا: عثمان. قالت: فرفع يديه إلى السماء فقال: أللهم إن عثمان نترضاك فارض عنه.

وذكره السيوطي في مسامرة الأوائل ص 87 نقلا عن البيهقي وابن عساكر من طريق ليث.

قال الأميني: خبص ابن زنيم هذا الخبيص لعثمان بعد لأي من وفاة رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم وقد مات الرجل بعد المائة والأربعين من الهجرة، ولم يدرك النبي صلى الله وعليه وآله وسلم، ولم نعرف الذي أخذ الرواية منه ممن شهد قصعة الخبيص وحضر مشهد الدعاء كما لا يعرف أحد من بقية رجال الاسناد، فالرواية مرسلة من الطرفين.

وأما ابن زنيم فقد جاء فيه عن عبد الله بن أحمد قال: ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيا منه في ليث وابن إسحاق وهمام، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم. وقال ابن أبي شيبة وأبو حاتم والجوزجاني: كان ضعيف الحديث. وضعفه ابن سعد وابن معين وابن عيينة. وقال أحمد وأبو حاتم أيضا وأبو زرعة: مضطرب الحديث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث. وقال يحيى: عامة شيوخه لا يعرفون. وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسل، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم، تركه القطان وابن مهدي ابن معين وأحمد. وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوي عندهم. وقال أبو عبد الله الحاكم: مجمع على سوء حفظه (141) ألا تعجب من حافظ كابن كثير يذكر رواية هذا شأنها وهذه عللها وذلك متنها المعلول ويرسلها إرسال المسلم في مقام الحجاج ويعدها من فضائل عثمان، ويأتي إلى حديث المؤاخاة الصحيح الثبت المتواتر الوارد من طرق مسندة معنعنة في الصحاح ويتخلص منه بقوله (142): أسانيدها كلها ضعيفة لا يقوم بشئ منها حجة. والله أعلم (143) ويروي في تاريخه 7: 357 نزول آية الولاية في علي عليه السلام فقال: هذا لا يصح بوجه من الوجوه لضعف أسانيده، ولم ينزل في علي شئ من القرآن بخصوصيته (144) حيا الله الأمانة، وقاتل الله الحب المعمي والمصم.

ولو كان صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه لكل هدية ولو كانت لقمة خبيص؟ للزمه أن لا ينزلهما في أغلب أوقاته لكثرة الهدايا إليه وكثرة مهديها، ولم تكن لعثمان ولخبيصه خاصة توجب أداء حقها دون المؤمنين عامة وهداياهم.

38 - أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 6: 321 من طريق عبد الله بن الحسن بن أحمد عن يزيد بن مروان الخلال عن إسحاق بن نجيح الملطي عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي خليلا من أمته وإن خليلي عثمان بن عفان.

قال الأميني: حسبك من عرفان رجال الاسناد كذابان: الخلال والملطي، أما الخلال فقال يحيى بن معين: الخلال كذاب. وقال الدارمي: وقد أدركته وهو ضعيف قريب مما قال يحيى: وقال أبو داود. ضعيف. وقال الدارقطني: ضعيف جدا (145).

هذا مجمل القول في الخلال وأما الملطي فقال أحمد: إسحاق من أكذب الناس وقال ابن معين: كذاب عدو الله رجل سوء خبيث. وقال ابن أبي شيبة عنه: كان ببغداد قوم يضعون الحديث منهم إسحاق بن نجيح. وقال ابن أبي مريم: إنه من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال عمرو بن علي: كذاب كان يضع الحديث وقال الجوزجاني: غير ثقة ولا من أوعية الأمانة. وقال ابن عدي: أحاديثه موضوعات وضعها هو وعامة ما أتى عن ابن جريح بكل منكر ووضعه عليه، وهو بين الأمر في الضعفاء وهو ممن يضع الحديث. وقال النسائي: كذاب. وقال ابن حبان: دجال من الدجاجلة يضع الحديث صراحا. وقال البرقاني: نسب إلى الكذب. وقال الجوزقاني كذاب وضاع لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه ويجب بيان أمره. وقال أبو سعيد: مشهور بوضع الحديث. وقال ابن طاهر. دجال كذاب. وقال ابن الجوزي: أجمعوا على أنه كان يضع الحديث (146).

ومن العجب سكوت الخطيب عن هذه الرواية وعما في إسنادها من العلل وقد ذكر هو كثير من آراء الحفاظ المذكورة في ترجمة إسحاق ولعله اكتفى بذكرها عن تفنيد الرواية صريحا، وكان مفتعلها لم يقف على المفتعلة الأخرى المرفوعة: لكل نبي خليل وخليلي سعد بن معاذ (147) ويضاد كلاهما ما جاء به البخاري في صحيحه 5: 243 من القول المعزو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر. وقد قدمنا الكلام حول ذلك في الأجزاء الماضية وأنه موضوع مختلق أيضا.

39 - روى ابن أبي الدنيا بسنده عن فاطمة بنت عبد الملك قالت انتبه عمر " ابن عبد العزيز " ذات ليلة وهو يقول: لقد رأيت الليلة رؤيا عجيبة. فقلت: أخبرني بها فقال: حتى نصبح. فلما صلى بالمسلمين دخل فسألته فقال: رأيت كأني دفعت إلى أرض خضراء واسعة كأنها بساط أخضر وإذا فيها قصر كأنه الفضة فخرج منه خارج فنادى: أين محمد بن عبد الله؟ أين رسول الله؟ إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل ذلك القصر، ثم خرج آخر فنادى: أين أبو بكر الصديق؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى: أين عمر بن الخطاب؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى: أين عثمان بن عفان؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى: أين علي بن أبي طالب؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى: أين عمر بن عبد العزيز؟ فقمت فدخلت فجلست إلى جانب أبي (148) عمر بن الخطاب وهو عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن يمينه وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا عيسى بن مريم، ثم سمعت هاتفا يهتف بيني وبينه نور لا أراه، وهو يقول: يا عمر بن عبد العزيز! تمسك بما أنت عليه وأثبت على ما أنت عليه، ثم كأنه أذن لي في الخروج فخرجت فالتفت فإذا عثمان ابن عفان وهو خارج من القصر وهو يقول: الحمد لله الذي نصرني ربي. وإذا علي في أثره وهو يقول: الحمد لله الذي غفر لي ربي. وذكره ابن كثير في تاريخه 9: 206.

قال الأميني: أنا لا أزال أرحب بقوم يحاولون إثبات الحقايق بالأطياف، و يجابهون ما ثبت في الخارج بالخيال، فتصور لهم ريشة الأوهام عثمان منزها عن كل وصمة عرفتها فيه الصحابة العدول من أمة محمد الناظرين إليه من كثب والمشاهدين أعماله الناقمين عليه بها، وقد أهدروا دمه من جرائها، وهم الذين يقتدى بهم وبأقوالهم وأفعالهم عند القوم ويحتذى مثالهم، وبأمثال هذه السفاسف يجرؤن البسطاء على التورط في المآثم بالنظر إلى هذا الانسان المغمور فيها في نظارة مكبرة تريه منزها عن دنس كل حوب، منصورا من الله بعد أن خذلته الصحابة جمعاء.

ولهم هناك نظارة أخرى تصغر المنظور إليه من إمام المسلمين وسيد الخلفاء خير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام إلى حد أثبتوا له ذنبا مغفورا له.

ألا من مسائل إياهم عن أنه متى صدر هذا الذنب عن إمام المسلمين؟ أحين عده النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه كما في الذكر الحكيم؟ أم حين طهره الجليل بقوله تعالى: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " أم حين قرن ولايته بولايته وولاية نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله سبحانه: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (149)؟ أم حين أكمل بولايته الدين وأتم نعمته على المسلمين بقوله عز من قائل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دنيا (150)؟.

أم حين جعله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالناس من أنفسهم كما هو أولى بهم من أنفسهم فرشحه للخلافة الكبرى في حديث الغدير المتواتر المقطوع بصدوره؟ أم حين جعله عدل القرآن في حديث الثقلين الثابت المتواتر؟ أم حين أنزله من نفسه بمنزلة هارون من موسى، وفصل بينه وبين نفسه بالنبوة فحسب فقال: إلا أنه لا نبي بعدي؟ (151) أم أم إلى ألف أم.

على أنه سلام الله عليه كان حلس بيته والناس متجمهرون على عثمان لا يشاركهم في شئ من أمره، ولعل في الفئة المهملجة من يعد ما كان ينوء به الامام عليه السلام من نهي عثمان عما نقم عليه به من هنات وعثرات وأمره إياه بالمعروف والعمل بالكتاب والسنة فلا يجد منه أذنا مصيخة حتى قال: ما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك وغلبت على أمرك (152) - ذنبا مغفورا له، ويعده تقوية لجانب الثائرين على الرجل، وما هو من ذلك بشئ، وإنما أراد عليه السلام كشف المثلات عنه بإقلاعه عما كان يرتكبه من الموبقات ولكن على حد قول الشاعر:

أمرتكم أمري بمنعرج اللوا * فلم تستبين النصح إلا ضحى الغد

أو على حد قوله:

وكم سقت في آثاركم من نصيحة * وقد يستفيد الظنة المتنصح

فزه زه بهذه المعرفة وحيا الله العلم الناجع الذي يرى صاحبه الواجب ذنبا و المذنب منصورا.

وأحسب أن الذي افتعل هذه الأكذوبة الخيالية رجل من بسطاء الأكراد أو الاعجام البعداء عن العربية وإلا فالعربي الصميم لا يقول: الحمد لله الذي نصرني ربي، والحمد لله الذي غفر لي ربي.

ولعمر بن عبد العزيز منام أشنع من هذه المهزأة يحوي فصل الخصومات الواقعة بين الإمام أمير المؤمنين ومعاوية بن هند، أخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا أيضا بالإسناد عن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبو بكر وعمر جالسان عنده فسلمت عليه وجلست، فبينما أنا جالس إذا أتي بعلي ومعاوية، فأدخلا بيتا وأجيف الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من أن خرج علي وهو يقول: قضي لي ورب الكعبة ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول: غفر لي ورب الكعبة (153) ويظهر من الجمع بين المنامين أن موقف أمير المؤمنين علي من عثمان كان كموقف معاوية من علي صلوات الله عليه، موقف الخروج على إمام الوقت، موقف البغي والجور، لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون، والله هو الحكم العدل يوم لا ينفع طيف ولا خيال.

40 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 3 من طريق سعيد بن خالد عن صالح بن كيسان " أموي النزعة مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز " عن سعيد بن المسيب قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فقال: هذا التقي المؤمن الشهيد شبيه إبراهيم.

قال الأميني: كأن سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي أو سعيد ابن خالد الخزاعي المدني المجمع على ضعفه لم يجد في صحابة النبي الأقدس من يتحمل عبء هذا السرف من القول والغلو في الفضيلة فتركه مرسلا مقطوعة العرى بين سعيد بن المسيب المولود بعد سنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لعل الباحث بعد قراءة ما سردناه من سيرة الممدوح وآراء الصحابة فيه وإصفاق الأمة على النقمة عليه بأفعاله وتروكه الشاذة عن التقوى لا يخفى عليه أن تشبيه الرجل بإبراهيم النبي عليه السلام جناية على المعصومين وسفه من القول وتره، نعوذ بالله من التقول بلا تعقل.

ولو كان التشبيه بمن كان من الأنبياء مقتولا لأمكن أن يتصور له وجه شبيه ولو مع ألف فارق. غير أن نوبة الظلم عند وضع هذا الحديث كانت قد انتهت إلى خليل الله سلام الله عليه.
وإني أحسب أن مصحصح هذه المهزأة قرع سمعه حديث التشبيه الوارد في مولانا أمير المؤمنين المذكور في الجزء الثالث ص 355 - 360 ط وراقه من ذلك تشبيهه بخليل الرحمن فحابى الرجل بذلك وقد أعماه الحب عن عدم وجود وجه شبه ولو من جهة واحدة مع التمحل بين نبي معصوم خص بفضيلة الخلة من المولى سبحانه وبين من قتل دون هناته وسقطاته أنا لا أدري أن هتاف النبي صلى الله وعليه وآله وسلم هذا الذي سمعه سعيد بن المسيب المولود بعده هل سمعته عائشة ومع ذلك كانت تهتف بقولها: اقتلوا نعثلا قتله الله فإنه قد كفر.

وبقولها لابن عباس: يا ابن عباس! إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية. وبقولها: وددت والله إنه في غرارة من غرائري هذه وإني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر، وبقولها لمروان: وددت والله إنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وإنكما في البحر. وبقولها للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبل عثمان قد أبلى سنته. وبقولها لما بلغها نعيه: أبعده الله ذلك بما قدمت يداه وما هو بظلام للعبيد. وبقولها: أبعده الله قتله ذنبه. وأقاده الله بعمله. يا معشر قريش! لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه (154).

وهل سمع حديث التشبيه في عثمان أولئك الصحابة الذين سمعت أقوالهم و أفعالهم حول الرجل؟ أو أن الحديث كان باطلا فلم يسمعه أحد منهم؟ الحكم في ذلك أنت أيها القارئ الكريم.

وأخرج رواة السوء من طريق عائشة في التشبيه ما هو أعظم من هذا وأهتك لناموس الاسلام ونبيه الأقدس وإليك نصه:

عن المسيب بن واضح السلمي الحمصي، عن خالد بن عمرو بن أبي الأخيل السلفي الحمصي، عن عمرو بن الأزهر العتكي البصري قاضي جرجان، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم كلثوم قال لأم أيمن خذي بنتي وزفيها إلى عثمان واخفقي بالدف. ففعلت فجاءها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ثالثة فقال: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير رجل. قال: أما إنه أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد (155).

ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة عمرو بن الأزهر فقال: هذا موضوع.

ونحن نقول: رجال الاسناد:

1 - المسيب بن واضح، قال أبو حاتم: صدوق يخطئ كثيرا فإذا قيل له لم يقبل وقال الدارقطني: ضعيف. وقال الساجي: تكلموا فيه في أحاديث كثيرة. وقال عبدان هو وعبد الوهاب بن الضحاك كلاهما سواء (156) وعبد الوهاب كما مر في الجزء الخامس ص 242 ط 2: كذاب يضع الحديث متروك كثير الخطأ والوهم وكان معروفا بالكذب في الرواية.

2 - خالد بن عمرو، كذبه الفريابي، ووهاه ابن عدي وغيره، وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير. وذكر الذهبي حديثا من طريقه فقال: باطل ومن بلايا الأخيل حديث كذب في مشيخة ابن شاذان (157).

3 - عمرو بن الأزهر العتكي، قال أبو سعيد الحداد: كان يكذب مجاوبة، وعن ابن معين إنه ليس بثقة ضعيف، وقال البخاري: يرمى بالكذب. وقال النسائي وغيره متروك، وقال أحمد: كان يضع الحديث. وقال عباس الدوري عن يحيى: كان كذابا ضعيفا. وقال الدولابي: متروك الحديث. وقال الجوزجاني: غير ثقة. ميزان الاعتدال 2: 281، لسان الميزان 4: 353.

وأعطف إلى هذه المكذوبة ما أخرجه ابن عدي من طريق زيد بن الحريش عن عمرو بن صالح قاضي رامهرمز عن العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم.

قال الذهبي: منكر جدا، وقال ابن عدي في ذكر عمرو بن صالح بعد هذا الحديث وله غير هذا مما لا يتابع عليه.

41 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 7 عن الحسين بن علي بن الأسود عن عبد الرحمن قال: قمت في الحجر فقلت: لا يغلبني عليه أحد الليلة فجاء رجل من خلفي فغمزني فأبيت أن التفت، ثم غمزني فأبيت أن ألتفت، ثم غمزني الثالثة فالتفت فإذا عثمان فتأخرت عن الحجر فقرأ القرآن في ركعة ثم انصرف.

وأخرجه أبو نعيم بالإسناد في حلية الأولياء 1: 56، 57 ولفظه: قال عبد الرحمن: لأغلبن الليلة على المقام، فلما صليت العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه قال: فبينا أنا قائم إذا رجل وضع يده بين كتفي فإذا هو عثمان بن عفان. قال: فبدأ بأم القرآن فقرأ حتى ختم القرآن فركع وسجد، ثم أخذ نعليه فلا أدري أصلى قبل ذلك شيئا أم لا؟.

قال الأميني: سل عن راوي هذه الفضيلة الحافظ ابن عدي أنه قال: الحسين بن علي كان يسرق الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها. وسل عنه الأزدي فإنه قال: إنه ضعيف جدا يتكلمون في حديثه. وسل عنه أحمد إمام الحنابلة فإنك تسمع منه ما سمعه أبو بكر المروزي لما سأله عنه من قوله: لا أعرفه (158).

ثم هلم معي نسائل عبد الرحمن التيمي هلا كان من واجبه أن يخبر ابن عمه طلحة بن عبيد الله التيمي بهذه السيرة الصالحة يوم ضيق على صاحبها الخناق، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، يوم هتك حرمته، وأباح دمه، وأورده المنية، ومنع جنازته عن أن تدفن في مقابر المسلمين؟.

ولنا أن نسائل الممدوح " عثمان " ألم يكن في الحجر مكانا يسعه إلا موقف عبد الرحمن؟ وهل كان له أن يغمز الرجل مرة بعد أخرى وهو في محراب الطاعة؟

أو أن يزيحه عن مكانه والوقف لمن سبق؟ وقد جاء في السنة الشريفة من طريق جابر مرفوعا: لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول: افسحوا " صحيح مسلم 7: 10 ".

ومن طريق ابن عمر مرفوعا: لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا. وزاد في حديث ابن جريج قلت: في يوم الجمعة؟ قال: في الجمعة وغيرها. صحيح مسلم 7: 10، مسند أحمد 2: 22، صحيح البخار ي 2: 94.
وفي لفظ لمسلم: لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه. وفي لفظ له أيضا: لا يقيمن أحدكم أخاه ثم يجلس في مجلسه.

قال النووي في شرح مسلم هامش إرشاد الساري 8: 479: هذا النهي للتحريم فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غير ها فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته منه لهذا الحديث.

وقال القسطلاني في إرشاد الساري 2: 169: ظاهر النهي التحريم فلا يصرف عنه إلا بدليل، فلا يجوز أن يقيم أحدا من مكانه ويجلس فيه، لأن من سبق إلى مباح فهو أحق به، ولأحمد (159) حديث إن الذي يتخطى رقاب الناس أو يفرق بين اثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه (160) في النار، والتفرقة صادقة بأن يزحزح رجلين عن مكانهما ويجلس بينهما.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار 3: 306. من سبق إلى موضع مباح سواء كان مسجدا أو غيره في يوم الجمعة أو غيرها لصلاة أو لغيرها من الطاعات فهو أحق به، و يحرم على غيره إقامته منه والقعود فيه.

فإقامة عثمان عبد الرحمن من مكانه الذي كان هو أحق به وغمزه إياه مرة بعد أخرى محظور محرم شاذ عن السنة الثابتة.

ثم هل تسع الليلة لقراءة القرآن ختمة واحدة؟ ولعلها تسع بالتمحل من كون الليلة من ليالي الشتاء الطويلة، ومن قدوم عثمان الحجر بعد فريضة العشاء بلا فصل، وإنه كان طلق اللسان خفيفه، وإن كنا لا نعلم شيئا من ذلك.

أليس عثمان هذا هو الذي صعد المنبر وأرتج عليه وقام مليا لا يتكلم فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وإني لم أزور له خطبة ولا أعددت له كلاما وسنعود فنقول؟ (161) أي خطيب يعوزه الكلام ويفتقر إلى تزوير مقال وفي ذاكرته كلام الله المجيد؟ وفيه بلغة وكفاية عن كل تلفيق وترميق وترميغ.
وهلا كان على الرجل أن يعمل بالقرآن الذي كان يختمه في صلاته؟ ألم يك في قرآنه قوله تعالى: الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا "؟ (162) أو لم يكن أبو ذر وعمار وابن مسعود والأمة الصالحة أمثالهم من المؤمنين؟ وقد آذاهم بالنفي والضرب والتنكيل وبكل ما كان يمكنه.

أما كان فيه قوله تعالى: " الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم "؟ وقد آذى الرسول في كريمته أم كلثوم باقترافه ليلة وفاتها. وبإيواء من طرده ولعنه. وبإزراء صحابته الأكرمين وفي مقدمهم ابن عمه الطاهر. وبتبديل سنته والحياد عن محجته.

أما كان فيه قوله تعالى: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "؟

وقد خالف الله ورسوله ولم يطعهما ونبذ الكتاب والسنة وراء ظهره في غير موضع من الأموال والصدقات والزكاة والصلاة والصلاة والقطايع والأوقاف والحج والنكاح والحدود والديات (163).

أما كان فيه ذكر لحدود الله؟ أو لم يكن فيه قوله سبحانه: " ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون "؟ وقد تعدى الحدود، ونسي العهود، ونقض التوبة، وحنث الإل، وجاء بما لا يحمد عقباه، وأتى بنهابير أوردته القتل الذريع، وجرت عليه الويلات كما جرتها على الأمة حتى اليوم.

أما كانت في قرآنه آية المباهلة أو آية التطهير؟ والله يعد في الأولى عليا نفس النبي الأعظم، ويطهره من الرجس بالثانية كما طهر نبيه. وكان عثمان يرى مروان لعين رسول الله وطريده أفضل منه عليه السلام (164).

وليت الرجل ترك تلك التلاوة المتعبة والتزم بالعمل بالقرآن الكريم وأقام حدوده واقتصر من التلاوة على ما تيسر.

42 - أخرج البلاذري في " الأنساب " 5: 7 عن خلف البزار عن عبد الوهاب ابن عطاء (165) الخفاف البصري عن سعيد بن أبي عروبة أبي النضر البصري عن ابن أخي (166) مطرف بن عبد الله بن الشخير عن مطرف البصري قال: لقيت عليا يوم الجمل فأسرع إلي بدابته فقلت: أنا أحق أن أسرع إليك فقال: أحسب عثمان منعك من إتياننا فأقبلت أعتذر إليه فقال: لئن أحببته لقد كان أبرنا وأوصلنا.

* (رجال الاسناد) *

1 - خلف البزار، الثقة الأمين السكير. راجع من الجزء الخامس ص 295 ط 2.

2 - عبد الوهاب بن عطاء: قال المروزي: قلت لأحمد: عبد الوهاب ثقة؟ فقال: ما تقول: إنما الثقة يحيى القطان. وقال الساجي: صدوق ليس بالقوي عندهم وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم وهو يحتمل. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: ليس عندهم بقوي في الحديث. وقال ابن أبي شيبة: ليس بكذاب ولكن ليس هو ممن يتكل عليه. وقال الميموني عن أحمد بن حنبل: ضعيف الحديث. وقال البزار: ليس بالقوي وقد احتمل أهل العلم حديثه (167) تهذيب التهذيب 6: 451.

3 - سعيد بن أبي عروبة. قال أبو حاتم: هو قبل أن يختلط ثقة. وقال دحيم: اختلط. وقال الأزدي: إختلط اختلاطا قبيحا. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث ثم اختلط في آخر عمره. وقال ابن حبان: بقي في اختلاطه خمس سنين ولا يحتج إلا بما روى عنه القدماء مثل يزيد بن زريع وابن المبارك، وقال عبد الوهاب (الراوي عنه): خولط سعيد سنة 47 وعاش بعد ما خولط تسع سنين. وقال النسائي: من سمع منه بعد الاختلاط فليس بشئ. وقال ابن عدي: من سمع منه قبل الاختلاط فإن ذلك صحيح حجة ومن سمع منه بعد الاختلاط لا يعتمد عليه. وقال أبو بكر البزار: ابتدأ به الاختلاط سنة 133 (168).

فعلى الأخذ بقول أبي بكر البزار في ابتداء اختلاطه وقول ابن حبان من أنه مات سنة 155 تربو أعوام اختلاطه على اثنتين وعشرين سنة. هذا أكثر ما قيل في مدة اختلاطه وأقله خمس سنين وبينهما أقوال أخر.
هذه علل الرواية إسنادا، وأما هي من ناحية المتن فسل عنها مولانا أمير المؤمنين ورأيه المدعوم في عثمان وقد أسلفناه في هذا الجزء ص 69 - 77: أتراه صلوات الله عليه يرى الرجل أبرهم وأوصلهم ثم يرفع عقيرته على صهوة الخطابة بمثل قوله فيه: قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته (169).

وقوله فيه: إن بني أمية ليفوقونني تراث محمد صلى الله عليه وآله وسلم تفويقا (170).

وقوله في أقطاعه وأعطياته: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان لرددته إلى حاله.    راجع ج 8: 287 ط 2.

أنى كانت صلات عثمان مشروعة مرضية عند أمير المؤمنين حتى يثني بها عليه ويراه أبرهم وأوصلهم، وقد أوقفناك في الجزء الثامن على شطر مهم من هباته ومدرها فاقرأ وتبصر.

43 - أخرج ابن عساكر عن يزيد بن أبي حبيب كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 110، أنه قال: بلغني أن عامة الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا. و في لفظ القرماني في أخبار الدول هامش الكامل لابن الأثير 1: 213: إن عامة من أشار إلى قتل عثمان جنوا.

قال الأميني: أليست هذه المهزأة من فنون الجنون؟ انظر إلى عقل من جاء بها أولا: (يزيد بن أبي حبيب) ثم أرجع البصر كرتين إلى عقل أولئك الحفاظ الذين عدوا مثل هذا التره التافه من فضائل عثمان وكراماته، وإني أحسب أن في قول ابن سعد في ترجمة يزيد بن أبي حبيب: " إنه كان حليما عاقلا " دفعا لما يدخل هاجسة القاري من روايته هذه، لكنه لا يثبت له العقل بعد ما حفظها له التاريخ، كيف يصدق ذو مسكة هذه السفسطة والركب السائرون إلى عثمان تعد بالآلاف من رجال الحواضر الإسلامية وهم معروفون مشهورون ولم يعرف أحد منهم بما قذفهم ابن حبيب؟ وما الذي أخفى ما عرف منهم الرجل على كل الصحابة والتابعين في الأوساط ولم يعلم به إلا هو فحسب؟

على أنا نعرف جماهير من القوم لا نشك ولا يشك عاقل في ثبوت كمال العقل لهم إلى أن ماتوا أو قتلوا كسيدنا عمار بن باسر ومالك الأشتر، وكعب بن عبدة، وزيد بن صوحان، وصعصعة بن صوحان، وعمرو بن بديل الورقاء، ومحمد بن أبي بكر، وعمرو بن الحمق، إلى نظرائهم الكثيرين وجلهم من رجال الصحاح والمسانيد أخرج أئمة الحديث من طرقهم أحاديث جمة وصححوها، ولم يتوقف أحد منهم في شئ منها للجهل بصدورها قبل جنونهم أو بعده ولو أخذنا بلفظ القرماني فلا يشذ من الجنون جل الصحابة من المهاجرين والأنصار إن لم نقل كلهم لإطباقهم على قتل الرجل وفي مقدمهم طلحة والزبير وعمرو بن العاص والسيدة عائشة أم المؤمنين.

ولعمر الحق أن المعتوه من شوه صحيفة التاريخ بهذه الخزايات غلوا منه في فضائل أناس من الشجرة المنعوتة في القرآن. والله هو الحكم العدل.

44 - أخرج الواحدي في أسباب النزول ص 210 قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو بكر الأنباري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا وهيب. قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إبراهيم عن عكرمة عن ابن عباس قال: نزلت: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ (171) في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سرا وجهرا ومولاه أبو الخوراء الذي كان ينهاه فنزلت. وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ (172) فالأبكم منهما الكل على مولاه هذا السيد أسد بن أبي العيص. ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. وبهذا الاسناد أخرجه البلاذري في الأنساب 5: 3.

وذكر ابن سعد في طبقاته 3: 41 مرسلا عن عكرمة عن ابن عباس نزول: هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل. الآية. في عثمان. وكذلك المحب الطبري في الرياض النضرة 2: 103.

قال الأميني: لعل الباحث لا يطالبنا البحث عن إسناد هذه الأكذوبة التي حرفوا بها الكلم عن مواضعها ويراها شاهد صدق علي قول سعيد بن المسيب لبرد مولاه: يا برد!

إياك وأن تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس (173).

ولك أن ترجع البصر كرتين، وتمعن النظر دواليك في صحيفة تاريخ عثمان، في أي يوميه تجد منه ما يعاضد هذه الأسطورة؟ ومتى كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم؟ أما أيامه مع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فحسبك منها ما ذكرناه في الجزء الثامن ص 231، 280، وفي هذا الجزء ص 327 وأما أيام خلافته فحدث عنها ولا حرج و قد سجل التاريخ له فيها هنات لا تغفر وعثرات لا تقال. وقد وصف مولانا أمير المؤمنين عليه السلام تلكم الأيام في كتابه إلى أهل مصر بقوله: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه، وذهب بحقه، فذهب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم والظاعن، فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه. راجع ص 74 من هذا الجزء.

ووصفها أبو أيوب الأنصاري بقوله: عباد الله أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس؟ وقد شمل العباد، وشاع في الاسلام، فذو حق محروم مشتوم عرضه، و مضروب ظهره، وملطوم وجهه، وموطوء بطنه، وملقى بالعراء. إلى آخر ما مر في هذا الجزء ص 125.

أكان من العدل وعلى الصراط المستقيم إيواءه طريد رسول الله ولعينه؟ أم خضمه مع أبناء بيته مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع؟ أم أياديه عند أهل العيث والفساد و أعطياته من مال المسلمين أبناء بيته الساقط من فاسق مستهتر إلى لعين طريد إلى شاب مترف إلى أغيلمة سفهاء، وتسليطهم على ناموس الاسلام ورقاب المسلمين بتوليهم الأمر في البلاد وبين يديه قوله صلى الله عليه وآله وسلم من تولى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين؟ (174) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في صحيحة الحاكم من طريق ابن عباس:

من استعمل رجلا من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في صحيحة أخرى من طريق أبي بكر: من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاماة فعليه لعنة الله: لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم.    " إزالة الخفا 1: 16 "

أكان من العدل وعلى الصراط المستقيم إزرائه صلحاء الأمة وعظماء الصحابة و إيذائهم بغير ما اكتسبوا وقد احتمل بهتانا وإثما مبينا، وهم بين مسيرها لك في تسييره، ومعذب في قعر السجون وظلم المطامير، ومشتوم مهان ينادى عليه بذل الاستخفاف، ومضروب قد دقت بالضرب أضلاعه، وآخرا عذر متنه وفتق بطنه، ومحروم عن مال الله لأمره بالمعروف وإنكاره المنكر؟ أم سبه الصحابة - العدول - وتكفيره إياهم بكتابه وخطابه؟ أم مجابهته صنو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونفسه بتلكم القوارص؟ أم عده مروان الوزغ الطريد اللعين أفضل من سيد العترة؟ أم رأيه فيه سلام الله عليه بأنه أولى الناس بالنفي من جوار النبي الأقدس؟ أم إبعاده إياه، عن المدينة مرة بعد أخرى؟ أم نقضه العهود و المواثيق المؤكدة؟ أم نبذه كتاب الله وراء ظهره، وشذوذه عن السنة الشريفة في صلاته وصلاته وحجه وزكاته وإدخال آرائه الشاذة في جميع ذلك؟ أم أم إلى ما شاء الله.

هلا عرفت الصحابة عدل هذا الانسان وكونه على الصراط المستقيم يوم حسبوه جائرا في الحكم، حائدا عن العدل، متنكبا عن الصراط، باغيا ساعيا في الأرض فسادا ولم يبرحوا ناقمين مؤلبين عليه إلبا واحدا حتى تمخضت عليه البلاد، وأسعرت وراءه نارا، ولم تنطفئ إلا باختلاسه وإخماد أنفاسه؟ أو أنهم عرفوا ذلك غير أن الضغائن حدتهم إلى ما ارتكبوا منه؟ فأين إذن عدالة الصحابة؟.

وإن كان الرجل آمرا بالعدل وهو على صراط مستقيم فعهده على نفسه سنة 35 بأن يعمل بالكتاب والسنة لماذا؟ وتوبته مرة بعد أخرى على صهوات المنابر عماذا؟

والتزامه بالإقلاع عما هو عليه وتغيير خطته لماذا؟ وما تلكم الأقوال من الصحابة الواقفين عليه وعلى أعماله من كثب؟ مثل قول علي أمير المؤمنين له: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به. وقوله: أذهبت شرفك وغلبت على أمرك. وقول عمار: امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله.

وقول عمرو بن العاص لعثمان: ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمور فركبوها منك وملت بهم فمالوا بك، اعدل أو اعتزل.

وقول سعد بن أبي وقاص: لكن عثمان غير وتغير، وأحسن وأساء.

وقول مالك الأشتر: الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه، النابذ لحكم القرآن وراء ظهره.

وقول صعصعة بن صوحان له: ملت فمالت أمتك، اعتدل يا أمير المؤمنين! تعتدل أمتك.

وقول هاشم المرقال: إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب.

وقول عبد الرحمن العنزي: هو أول من فتح أبواب الظلم، وارتج أبواب الحق.

وقول أصحاب حجر بن عدي: هو أول من جار في الحكم، وعمل بغير الحق.

وقول الصحابة له: بلونا منك من الجور في الحكم، والأثرة في القسم، والعقوبة للأمر بالتبسط من الناس.

وقول نائلة بنت الفرافصة زوجته له: إتق الله وحده لا شريك له، واتبع سنة صاحبيك من قبلك.

إلى كلمات كثيرة لأمة كبيرة من الصحابة مرت في هذا الجزء، فنزول الآية الكريمة في عثمان لا تساعده تلكم الأقوال، وتضاده سيرته المعروفة، هكذا يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به.

45 - أخرج ابن عساكر كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 110 عن ابن عباس أنه قال: لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء. وذكره القرماني في أخبار الدول هامش الكامل 1: 214.

قال الأميني: للباحث أن يسائل راوي هذه المزعمة المرسلة المعزوة إلى حبر الأمة عن أن الطلب بدم عثمان هل كان أمرا مشروعا يرتضيه الله ورسوله؟ أو كان غير ذلك؟ فإن كان الأول؟ فلماذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعهد إلى علي أمير المؤمنين أن يقاتل الناكثين والقاسطين الطالبين بدم عثمان؟ ويحث عيون أصحابه على مناصرته عليه السلام متى واثبه القوم؟ ويحذر مناوئيه في المقامين وينهاهم عن قتاله عليه السلام، ويصفهم بالظلم إن فعلوا؟ راجع الجزء الثالث ص 188 - 195 ط 2.

ولماذا كان مولانا أمير المؤمنين يناضلهم، فضلا عن اشتراكه معهم في الطلب؟ ولا يسلم إليهم قتلة عثمان وآواهم؟ وهو الذي يدور الحق معه حيثما دار، وهو مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا على النبي الحوض (175).

وكيف كانت الصحابة العدول يقاتلون معه عليه السلام الثائرين بدم عثمان؟ وفي يوم الجمل تحت رايته عيون الصحابة ووجهاء الأمة، وفي صفين شهد معه الإمامان السبطان الحسنان وممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة مائتان وخمسون كما في مستدرك الحاكم 3: 104 ويقال: ثمانمائة نفس فقتل منهم ثلاثمائة وستون نفسا (176) وكان معه ثمانون بدريا على رواية ابن ديزيل والحاكم (177) وجاء في خطبة سعيد بن قيس: سبعون بدريا (178) وفي كلام لمالك الأشتر: قريب من مائة بدري (179) ومن أولئك الصحابة وفي مقدمهم البدريون:

1 - أسيد بن ثعلبة الأنصاري. بدري.

2 - ثابت بن عبيد الأنصاري. بدري قتل بصفين.

3 - ثعلبة بن قيظي بن صخر الأنصاري. بدري.

4 - جبر بن أنس بن أبي زريق. بدري.

5 - جبلة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي. بدري.

6 - الحارث بن حاطب بن عمرو الأنصاري الأوسي. بدري.
7 - الحارث بن النعمان بن أمية الأنصاري الأوسي. بدري.

8 - حصين بن الحارث بن المطلب القرشي. بدري.

9 - خالد بن زيد بن كليب أبو أيوب الأنصاري. بدري.

10 - خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الأنصاري الأوسي. بدري قتل بصفين.

11 - خليفة - ويقال: عليفة - بن عدي بن عمرو البياضي. بدري.

12 - خويلد بن عمرو الأنصاري السلمي. بدري.

13 - ربعي بن عمرو الأنصاري. بدري.

14 - رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري الخزرجي. بدري.

15 - زيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي البلوي. بدري.

16 - جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري السلمي. بدري.

17 - خباب بن الأرت أبو عبد الله التميمي. بدري.

18 - سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي. بدري.

19 - سماك بن - أوس بن - خرشة الأنصاري الخزرجي. بدري.

20 - صالح الأنصاري. بدري.

21 - عبد الله بن عتيك الأنصاري. بدري.

22 - عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود الأنصاري. بدري.

23 - عمار بن ياسر المطيب الطيب الشهيد بصفين. بدري.

24 - عمرو بن أنس الأنصاري الخزرجي. بدري.

25 - عمرو بن الحمق الخزاعي الكعبي. بدري.

26 - قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي. بدري.

27 - كعب بن عامر السعدي. بدري.

28 - مسعود بن أوس بن أصرم الأنصاري. بدري.

29 - أبو الهيثم مالك بن التيهان البلوي المستشهد بصفين. بدري.

30 - أبو حبة عمرو بن غزية. بدري.

31 - أبو عمرة بشر بن عمرو بن محصن الأنصاري المستشهد بصفين. بدري
32 - أبو فضالة الأنصاري استشهد بصفين. بدري.

33 - أبو محمد الأنصاري. بدري.

34 - أ بو بردة هاني بن نيار - ويقال: نمر - بدري.

35 - أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد الأنصاري السلمي. بدري.

36 - أسود بن عيسى بن أسماء التميمي.

37 - أشعث بن قيس الكندي كان أميرا على الميمنة يوم صفين.

38 - أنس بن مدرك أبو سفيان الخثعمي.

39 - الأحنف بن قيس أبو بحر التميمي السعدي.

40 - أعين بن ضبيعة الحنظلي. أحد الأمراء بصفين.

41 - بريد الأسلمي. قتل بصفين وفيه يقول أمير المؤمنين:

جزى الله خيرا عصبة أسلمية * حسان الوجوه صرعوا حول هاشم.
بريد وعبد الله منهم ومنقذ * وعروة ابنا مالك في الأكارم.

42 - البراء بن عازب الأنصاري الخزرجي.

43 - بشر - بشير - بن أبي زيد الأنصاري.

44 - بشير بن أبي مسعود الأنصاري.

45 - ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري.

46 - جارية بن زيد المستشهد بصفين.

47 - جارية بن قدامة بن مالك التميمي السعدي.

48 - جبلة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري.

49 - جبير بن الحباب بن المنذر الأنصاري.

50 - جندب بن زهير الأزدي الغامدي كان من أمراء الجيش بصفين.

51 - جندب بن كعب العبدي أبو عبد الله الأزدي الغامدي.

52 - الحارث بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي.

53 - حازم بن أبي حازم الأحمسي المستشهد بصفين.

54 - الحبشي بن جنادة نصر السلولي.
55 - الحجاج بن عمرو بن عزية الأنصاري.

56 - حجر بن عدي الكندي المعروف بحجر الخير، كان من الأمراء يوم صفين.

57 - حجر بن يزيد بن مسلمة الكندي.

58 - حنظلة بن النعمان الأنصاري.

59 - حيان بن أبجر الكناني.

60 - خالد بن أبي خالد الأنصاري.

61 - خالد بن أبي دجانة الأنصاري.

62 - خالد بن المعمر بن سليمان السدوسي كان من أمراء علي يوم صفين.

63 - خالد بن الوليد الأنصاري، كان ممن أبلى بصفين.

64 - خرشة بن مالك بن جرير الأودي.

65 - رافع بن خديج بن رافع الأنصاري الخزرجي الحارثي.

66 - ربيعة بن قيس العدواني.

67 - ربيعة بن مالك بن وهيل النخعي.

68 - زبيد بن عبد الخولاني شهد صفين مع معاوية وكانت معه الراية فلما قتل عمار تحول إلى عسكر علي عليه السلام أخذا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: عمار تقتله الفئة الباغية.

69 - زيد بن أرقم بن زيد بن قيس الكعبي الخزرجي.

70 - زيد بن جارية الأنصاري.

71 - زيد بن حيلة - بالمهملة والياء ويقال: بالمعجمة والموحدة -.

72 - زياد بن حنظلة التميمي.

73 - سعد بن الحارث بن الصمة الأنصاري استشهد يوم صفين.

74 - سعد بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي.

75 - سعد بن مسعود الثقفي عم المختار بن أبي عبيد.

76 - سليمان بن صرد بن أبي الجون أبو المطرف الخزاعي، كان أميرا على رجالة الميمنة يوم صفين.

77 - سهيل بن عمرو الأنصاري، قتل بصفين مع علي عليه السلام.
78 - شبث بن ربعي التميمي اليربوعي أبو عبد القدوس.

79 - شبيب بن عبد الله بن شكل المذحجي.

80 - شريح بن هاني بن يزيد بن نهيك أبو المقدام الحارثي.

81 - شيبان بن محرث.

82 - صدى بن عجلان بن الحارث أبو أمامة الباهلي.

83 - صعصعة بن صوحان العبدي.

84 - صفر بن عمرو بن محصن. وقتل بصفين.

85 - صيفي بن ربعي بن أوس.

86 - عائذ بن سعيد بن زيد بن جندب المحاربي الجسري. المستشهد بصفين.

87 - عائذ بن عمرو الأنصاري.

88 - عامر بن واثلة بن عبد الله أبو الطفيل الليثي.

89 - عبد الله الأسلمي ممن استشهد بصفين وأثنى عليه مولانا أمير المؤمنين كما مر ص 364.

90 - عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. قتل بصفين.

91 - عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم. كان على الميسرة يوم صفين.

92 - عبد الله بن خراش أبو يعلى الأنصاري.

93 - عبد الله بن خليفة البولاني الطائي.

94 - عبد الله بن ذباب بن الحارث المذحجي.

95 - عبد الله بن الطفيل بن ثور بن معاوية البكائي.

96 - عبد الله بن كعب المرادي، قتل يوم صفين وكان من أعيان أصحاب أمير المؤمنين.

97 - عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري الأوسي.

98 - عبد الرحمن بن بديل بن ورقاء الخزاعي، من شهداء يوم صفين.

99 - عبد الرحمن بن حسل الجمحي. قتل بصفين.

100 - عبيد بن خالد السلمي.
101 - عبيد الله بن سهيل الأنصاري.

102 - عبيد بن عازب أخو البراء بن عازب.

103 - عبيد بن عمرو السلماني أبو عمرو صاحب ابن مسعود.

104 - عبد خير بن يزيد بن محمد الهمداني. من كبار أصحاب الإمام عليه السلام.

105 - عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي.

106 - عروة بن زيد الخيل الطائي.

107 - عروة بن مالك الأسلمي قتل بصفين وأثنى عليه الإمام عليه السلام كما مر ص 364.

108 - عقبة بن عامر السلمي.

109 - العلاء بن عمرو الأنصاري.

110 - عليم بن سلمة الفهمي.

111 - عمرو بن بلال كان من المهاجرين.

112 - عمير بن حارثة الليثي.

113 - عمير بن قرة السلمي.

114 - عمار بن أبي سلامة بن عبد الله بن عمران.

115 - عوف بن عبد الله بن الأحمر الأزدي.

116 - الفاكه بن سعد بن جبير الأنصاري الأوسي الخطمي. قتل بصفين.

117 - قيس بن أبي قيس الأنصاري.

118 - قيس بن المكشوح أبو شداد المرادي. من شهداء صفين.

119 - قرظة بن كعب بن ثعلبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي.

120 - كرامة بن ثابت الأنصاري.

121 - كعب بن عمر أبو زعنة.

122 - كميل بن زياد النخعي، يقال: أدرك من الحياة النبوية ثماني عشرة سنة وكان شريفا مطاعا ثقة. الإصابة 3: 318.

123 - مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الأشتر.

124 - مالك بن عامر بن هاني بن خفاف الأشعري.
125 - محمد بن بديل بن ورقاء الخزاعي، من شهداء صفين.

126 - محمد بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي يقال: قتل بصفين.

127 - مخنف بن سليم بن الحرث بن عوف بن ثعلبة الأزدي الغامدي، كان على راية الأزد بصفين.

128 - معقل بن قيس الرياحي التميمي اليربوعي.

129 - المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي.

130 - منقذ بن مالك الأسلمي أخو عروة بن مالك ممن استشهد بصفين كما مر في شعر مولانا أمير المؤمنين ص 364.

131 - المهاجر بن خالد بن المخزومي. استشهد بصفين.

132 - نضلة بن عبيد الأسلمي أبو بريزة.

133 - النعمان بن عجلان بن النعمان الأنصاري الزرقي.

134 - هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال. كان صاحب الراية واستشهد بصفين.

135 - هبيرة بن النعمان بن قيس بن مالك بن معاوية الجعفي. كان من أمراء علي عليه السلام.

136 - وداعة بن أبي زيد الأنصاري.

137 - يزيد بن الحويرث الأنصاري.

138 - يزيد بن طعمة بن جارية بن لوذان الأنصاري الخطمي.

139 - يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام بن الحرث التميمي الحنظلي. يقال: إنه قتل بصفين.

140 - يعلى بن عمير بن يعمر بن حارثة بن العبيد النهدي.

141 - أبو شمر بن أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح الحميري ثم الأبرهي قتل مع علي عليه السلام بصفين.

142 - أبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن.

143 - أبو جحيفة السوائي.

144 - أبو عثمان الأنصاري.

145 - أبو الورد بن قيس بن فهر الأنصاري.
والإمام أمير المؤمنين قد أتم الحجة يوم الجمل على طلحة بما أسلفناه في الجزء الأول ص 186، 187 ط 2، وعلى الزبير بما مر في ج 3 ص 191 ط 2 وما قاتلهما إلا بعد إقامة الحجة عليهما، ودحض أعذارهما المفتعلة، فما وجدهما مخبتين إلى الحق مصيخين إلى ما اعترفا به من قول رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم وكان موقفهما موقف المستهزء اللاعب بالدين الحنيف، جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد بالبصرة فقال: نشدتكما بالله في مسيركما أعهد إليكما فيه رسول الله شيئا؟ فقام طلحة ولم يجبه، فناشد الزبير فقال: لا، ولكن بلغنا أن عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها (180).

ولما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة قال الزبير: ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي فإما بيته وإما صبحته لعلي أقتله قبل أن يصل إلينا؟ فلم يجبه أحد. فقال: إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها. فقال له مولاه: أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟ قال: ويحك إنا نبصر ولا نبصر، ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر. (181) وقد تحقق يوم ذاك ما كان يحذر منه عمر بن الخطاب وصدق الخبر الخبر، قال عبد الله بن عمر: جاء الزبير إلى عمر فقال لعمر: إئذن لي أخرج فأقاتل في سبيل الله.

قال: حسبك قد قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الزبير وهو يتذمر فقال عمر:

من يعذرني من أصحاب محمد صلى الله وعليه وسلم؟ لولا أني أمسك بفم هذا الشغب لأهلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم (182).

أللهم ما كان ذنب حكيم بن جبلة وسبعين أبرياء آخرين من عبد القيس قتلهم طلحة والزبير قبل وقوع الواقعة بعد ما نادى مناديهما بالبصرة: ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأت بهم فجئ بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا. قال: حكيم بن جبلة لقد أصبحتم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا، أما تخافون الله عز وجل؟ بما تستحلون سفك الدماء؟ قال ابن الزبير: بدم عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان؟ أما تخافون مقت الله؟ فقال له عبد الله بن الزبير:
لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليا فقتل حكيم بن جبلة وسبعون رجلا من عبد القيس. (183) فعلى الرجلين وأمهما دم ستة آلاف أو يزيدون قتلى تلك الحرب الدامية، ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها. ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا. ولنعم ما قال فتى بني سعد يوم ذاك:

صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الانصاف
أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالايجاف
غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والأسياف
هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي (184)

ولم يكن حول الجمل إلا حثالة من ذنابا الناس أهل الشره والتره - من ضبة والأزد - الذين كانوا يلتقطون بعر الجمل ويفتونها ويشمونها ويقولون: بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك. يأتي حديثه في مستقبل الأجزاء إنشاء الله. كما لم يكن في جيش معاوية إلا ساقة الناس ورعائهم الذين وصفهم مولانا أمير المؤمنين بقوله يوم ذاك: انفروا إلى بقية الأحزاب، انفروا بنا إلى ما قال الله ورسوله إنا نقول: صدق الله ورسوله. و يقولون: كذب الله ورسوله (185):

وقال سيدنا قيس بن سعد في كلام له: هل ترى مع معاوية إلا طليقا أعرابيا أو يمانيا مستدرجا؟ (186).

وفي كلام لسيدنا عمار بن ياسر: إن مراكزنا على مراكز رايات رسول الله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين، وإن هؤلاء مراكز رايات المشركين من الأحزاب (187) وفي مقال لسيدنا مالك الأشتر: أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله، و مع معاوية رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما يشك في قتال هؤلاء إلا ميت القلب.(188)

ولم تكن الغايات في حرب معاوية تخفى على أي أحد حتى على النساء في خدورهن فهي كما قالت أم الخير بنت الحريش: إنها إحن بدرية، وأحقاد جاهلية، و ضغائن أحدية، وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك ثارات بني عبد شمس، قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون (189).

وكيف يكون هذا الطلب مشروعا والذين وتروا عثمان هم الصحابة العدول كلهم حتى أن طلحة كان أشد الناس عليه، وحسب مروان أنه أخذ منه ثاره برمية منه جرعته المنية. وقد تثبط معاوية عن نصرته حتى قتلوه؟.

وإن كانت النهضة بثارات عثمان غير مشروعة يمقتها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم - كما هو المتسالم عليه عند وجوه السلف - فكيف يدرأ بها العذاب عمن قام بها؟

ولو صدقت الأحلام لوجب أن يكون أصحاب الجمل مكلوئين عن كل سوء لكن عوضا عن ذلك وافاهم العذاب من شتى النواحي وقتلوا تقتيلا، وقطع الله أيدي الذين أخذوا بزمام الجمل حتى وردوا الهلكة صاغرين.

وأما معاوية فسل عنه ليلة الهرير ويومه فقد قتل فيهما سبعون ألف قتيل 45 ألفا من أهل الشام و 25 ألفا من أهل العراق (190) وهل استمر على الطلب بالثار لما تمهد له عرش الملك؟ أو أنه اقتنع بالحصول على سلطة غاشمة وملك عضوض؟.

نعم: حصر هو تعقيبه بالأبرياء شيعة أمير المؤمنين عليه السلام فقتلهم أينما ثقفهم تحت كل حجر وشجر، وأما ثار عثمان فلم ينبس عنه بعد ببنت شفة فضلا عن أن يثأر له ولم يرم بالحجارة، فدونك تاريخ معاوية، فاقرأ واحكم.

46 - أخرج الخطيب في تاريخه 12: 364 من طريق أحمد بن محمد بن المغلس الحماني عن أبي سهل الفضل بن أبي طالب عن عبد الكريم بن روح البزاز عن أبيه روح ابن عنبسة بن سعيد بن أبي عياش الأموي مولاهم البصري عن أبيه عنبسة (191) عن جدته " لأبيه " أم عياش وكانت أمة لرقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما زوجت عثمان أم كلثوم إلا بوحي من السماء قال الأميني: لا تعجب من إخراج الخطيب هذا الحديث المرمع وسكوته عن علله فإنه أسير صبابته إلى هوى آل أمية، وقد أعمته عن آراء رجال الجرح والتعديل في أحمد بن محمد، وأنسته ما ذكره هو في ترجمة الرجل، قال ابن عدي: ما رأيت في الكذابين أقل حياء منه. وقال ابن قانع: ليس بثقة. وقال ابن أبي الفوارس، كان يضع الحديث وقال ابن حبان: راودني أصحابنا على أن أذهب إليه فأسمع منه، فأخذت جزءا لأنتخب فيه فرأيته حدث عن يحيى.. إلخ. وعن هناد. إلخ فعلمت أنه يضع الحديث. وقال الدارقطني: كان يضع الحديث. وقال الحاكم: روى عن القعنبي ومسدد وابن أبي أويس وبشر بن الوليد أحاديث وضعها. وقد وضع أيضا المتون مع كذبه في لقى هؤلاء. وقال الخطيب نفسه: حدث عن أبي نعيم وغيره بأحاديث أكثرها باطلة هو وضعها. وحكى عن بشر بن الحارث ويحيى بن معين وعلي بن معين وعلي ابن المديني أخبارا جمعها بعد أن وضعها في مناقب أبي حنيفة. وقال الدارقطني أيضا:

مناقب أبي حنيفة موضوعة كلها وضعها أحمد بن المغلس الحماني قرأته غير مرة. إلى كلمات آخرين (192).

وفي الاسناد: عبد الكريم بن روح أبو سعيد البصري، قال أبو حاتم: مجهول.

وقال عمرو بن رافع: دخلت عليه ولم أسمع منه ويقال: إنه متروك الحديث. وقال ابن حبان: يخطئ ويخالف. وضعفه ابن أبي عاصم والدارقطني (193) أضف إليه في الجهالة أباه وجده وجدته، راجع ميزان الاعتدال للذهبي والخلاصة لابن الجزري.

أخرجه ابن عدي من طريق عمير بن عمران الحنفي وعده من بواطيله وأقره الذهبي وابن حجر، وقال ابن عدي: والضعف على روايته بين، وقال العقيلي: في حديثه وهم غلط. " لسان الميزان 4: 380 ".
نعم: أنا لا أشك في أن كل ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لهج به إنما هو عن وحي منزل من السماء فإنه لا ينطق على الهوى إن هو إلا وحي يوحى، غير أن المصلحة في الإيحاء تخلف باختلاف الموارد، فليس كل صلة منه صلى الله عليه وآله وسلم أو بر تدل على فضيلة في المبرور فإنها قد تكون لإتمام الحجة عليه، كما أنها في المقام لإيقاف الملأ الديني على أن العداء المحتدم في صدور العبشميين على بني هاشم لا يزيحه أي عطف وصلة فإنه لا بر أوصل من المصاهرة ولا سيما ببضعة النبوة، لكن: هل قدر ذلك زوج أم كلثوم؟ أو إنه اقترف ليلة وفاتها (194) ولم يكترث للانقطاع عن شرف النبوة، حتى أهانه رسول العظمة بملأ من الأشهاد، وحرم عليه الدخول في قبرها وهو في الظاهر أولى الناس بها بعد أبيها؟

ولعل كل صهر أو مواصلة وقع بين بني هاشم والأمويين كان من هذا الباب، حاول الهاشميون وفي مقدمهم مشرفهم صلى الله عليه وآله وسلم تخفيض نائرة الإحن وتصفية القلوب من الضغائن، لكن هل حصلوا على الغاية المتوخاة؟ أو انكفؤا على حد قول القائل:

لقد نفخت في جذى مشبوبة * وقد ضربت في حديد بارد؟

ولولا هذه المصاهرة وأمثالها لطالت الألسنة على الهاشميين لسبق، المهاجرة والقطيعة بين الفريقين، وحملوا كل ما وقع بينهما على تلكم السوابق، لكن الفئة الصالحة رواد إصلاح درأوا عن أنفسهم هاتيك الشبه بضرائب هذه المواصلات، وعرفوا الناس إن العقارب لسب من ذاتها، فلا يجدي معها أي لين وزلفة.

ولعلك هاهنا تجد الميزة بين الصهرين مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وصاحب سيدتنا أم كلثوم، وتعليم سيرة الإمام مع الصديقة الطاهرة حتى قضت نحبها وهي عنه راضية، كما أنه فارقها وهو عنها راض، وغادر رسول الله صلى الله عليه وآله الدنيا وسلم وهو راض عنهما.

وانظر إلى آخر يوميهما هذا يقترف ليلة وفاة أم كلثوم ما لا يرضي الله ورسوله ولا يهمه فراقها ولا يشغله الهم بالمصيبة وانقطاع صهره من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المقارفة، وذلك يندب الصديقة الطاهرة ويطيل بكاءه عليها وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله!

عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك، قل يا رسول الله! عن صفيتك صبري، ورق عنها تجلدي، إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك إبنتك بتضافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال، واستخبرها الحال هذا، ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، والسلام عليكما، سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملامة وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين. ثم تمثل عند قبرها فقال:

لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الممات قليل
وإن افتقادي واحدا بعد واحد (195) * دليل على أن لا يدوم خليل (196)

47 - أخرج الأزدي عن عبد الواحد بن عثمان بن دينار الموصلي عن المعافي بن عمران الثوري عن ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان: أنت من أصهاري وأنصاري، وعهد عهده إلي ربي إنك معي في الجنة قال الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الواحد 2: 158: خبر باطل ذكره الأزدي.

48 - أخرج الطبراني قال: حدثنا بكر بن سهل قال: ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الخراساني عن عبد الله بن يحيى الاسكندراني ثنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته فقالت:

يا أبت! إن الناس يقولون: إن هؤلاء القوم الذين جعلتهم في الشورى ليسوا برضي.

فقال: أسندوني. فأسندوه فقال: عسى أن تقولوا في عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يموت عثمان يصلي عليه ملائكة السماء. قلت: لعثمان خاصة أو للناس عامة؟ قال: بل لعثمان خاصة. الحديث بطوله لكل واحد من الستة أصحاب الشورى منقبة (197).

قال الذهبي في الميزان: حديث موضوع. وقال ابن حجر في اللسان: الوضع عليه ظاهر.
قال الأميني: بكر بن سهل الدمياطي ضعفه النسائي، كما ذكره الذهبي، و في لسان الميزان: ومن وضعه قوله: بكرت يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمان ختمات.

ثم قال: فاسمع إلى هذا وتعجب. وقال مسلمة بن قاسم: تكلم الناس فيه ووضعوه من أجل الحديث الذي حدث به عن سعيد بن كثير (198) وفي الاسناد محمد بن عبد الله مجهول لا يعرف.

49 - أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 11: 169 من طريق عيسى بن محمد بن منصور الاسكافي عن شعيب بن حرب المدائني عن محمد الهمداني قال حدثنا شيخ في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - عن النعمان بن بشير قال: كنا عند علي بن أبي طالب فذكروا عثمان فقال على: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون.

هم عثمان وأصحاب عثمان، وأنا من أصحاب عثمان.

قال الأميني: لنا أن نسائل الخطيب عن عيسى بن محمد بن منصور الاسكافي من هو؟ وما محله من الإعراب؟ وهو الذي ترجمه هو ولا يعرف منه إلا إسمه، ونسائله عن محمد الهمداني وعن شيخه الذي لم يسمه هو ولا غيره كأنه لم يكن ولم يولد، وعن النعمان بن بشير، من هو؟ وما خطره؟ وما قيمة روايته؟ وهو الخارج على إمامه يوم صفين ومحاربه في صف الطغام الطغاة، وهو الذي عرفه قيس بن سعد الأنصاري يوم ذاك بقوله له: وأنت والله الغاش الضال المضل، وهو القائل لقيس: لو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة، لكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا.

وهلا علي هذا هو الذي سأله عثمان أيام حوصر أن يخرج إلى ينبع حتى لا يغتم به ولا يغتم به علي؟ وهلا هو ذلك القائل: والله الذي لا إله إلا هو ما قتلته، ولا مالأت على قتله ولا ساءني؟ والقائل: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه، ولا سرني ولا ساءني؟.

والقائل لأصحابه يوم صفين: انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقص أوزارهم شيئا؟.
وهلا هو الكاتب إلى أهل مصر بقوله: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه، وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر. الخ؟.

وهلا هو ذلك الذي لم يشهد لعثمان أنه قتل مظلوما؟ كما مر حديثه (199).

وهلا هو ذلك الخطيب القائل في خطبته الشقشقية: إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه؟ إلى آخر ما مر ج 7: 81.

وما شأن أصحاب عثمان وفيهم مثل علي - أخذا بهذه الرواية - لا يوجد له منهم ناصر؟ ولا يسمع من أحدهم فأمره ركز؟ ولا ينبس أي منهم في الدفاع عنه ببنت شفة؟ والرجل قتل بين ظهرانيهم جهرا، وألقيت جثته في المزبلة ثلاثة أيام تجري عليه العواصف، ثم دفن بأثوابه في مقابر اليهود، ينادى عليه بذل الاستخفاف، وقد أخذت الحجارة مجهزيه، وطموا جثمانه خائفين مترقبين، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم، والله يعلم أنهم لكاذبون.

50 - إن عثمان بن عفان رأى درع علي رضي الله عنه يباع بأربع مائة درهم ليلة عرسه على فاطمة رضي الله عنها فقال عثمان: هذا درع علي فارس الاسلام لا يباع أبدا فدفع لغلام علي أربعمائة درهم وأقسم أن لا يخبره بذلك ورد الدرع معه، فلما أصبح عثمان وجد في داره أربعمائة كيس في كل كيس أربعمائة درهم مكتوب على كل درهم: هذا درهم ضرب الرحمن لعثمان بن عفان. فأخبر جبريل النبي صلى الله وعليه وسلم بذلك فقال: هنيئا لك يا عثمان!.

قال الأميني: ذكر الحلبي في سيرته 2: 228 عن فتاوى جلال الدين السيوطي أنه سئل عن صحة هذه الرواية فأجاب بأنها لم تصح. فقال أي وهي تصدق بأن ذلك لم يرد فهو من الكذب الموضوع. هـ. ومر في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات ص 322 ط 2 قول ابن درويش الحوت: إنه كذب شنيع.

* (ختام المناقب) *

قال الجرداني في مصباح الظلام 2: 29: فائدة: من كتب هذه الأسماء وغسل بها وجهه فإنه لا يعمى: ومن كتبها وشربها على الريق لا ينسى، ومن كتبها وشربها لا يعجز عن النساء وهم عثمان بن عفان. معاذ بن جبل. عبد الرحمن بن عوف. زيد بن ثابت. أبي بن كعب. طلحة بن عبد الرحمن. تميم الداري رضي الله عنهم.

قال الأميني: فليمتحن من لا يخاف عن العمى والنسيان والعنن. أضف إلى هذه الأساطير أو المخازي ما مر في الجزء الخامس من المناقب الموضوعة لعثمان خاصة ص 313، 324، 329 ط 2.

منتهى القول

إلى هنا ننهي القول عن فضائل عثمان التي اختلقتها وثابة الشره ومهملجة المطامع والشهوات في العصور الأموية طمعا في رضائخ أولئك المقعين على أنقاض عرش الخلافة وأكثر هؤلاء شاميون أو بصريون الذين جبلوا بحب العبشميين، ومناوءة سروات المجد من العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، فليس وضع تلكم الروايات عنهم ببعيد، ولعل هناك من ضرائب ما ذكرناه أشياء لكن سبيلها سبيل هذه الطامات في الأسانيد والمتون ومنشأ الكل هو المغالاة في الفضائل من غير تفهم ولا روية.

ولعل القوم في عذر مما هم عليه من عدم الأخذ بآراء الحفاظ وأئمة الفن الواردة في باب الجرح والتعديل، وعدم إجرائها في رجال تلكم المسانيد سلسلة البلايا والطامات التي اتخذوها حجة في الفضائل، وعلوا عليها الدعوة إلى أناس والتخذيل عن آخرين، ولا مندوحة لأولئك من رواية مرمعات الحديث، الأخذ بالموضوع المختلق، لأنهم إن جنحوا في باب الفضائل إلى الصحيح الثابت في التاريخ والحديث فحسب، واقتصروا على ما صح منها، وصفحوا عن الباطل المزيف، وتركوا كل تلكم التلفيقات المخزية، لتبقى تلكم الصحائف السوادء بيضاء خالية فارغة عن كل مأثرة و فضيلة وهذا عزيز عليهم جدا لا يحبذه الحب الدفين، ولا تسوغه العصبية، وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم فقد جاءوا ظلما وزورا، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، ويحسون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون، انظر كيف نبين لهم الآيات أنى يؤفكون.
____________
(1) حيي كغني: ذو حياء. وفي شرح مسلم: أي كثير الحياء.
(2) صحيح مسلم 7: 117، مسند أحمد 1: 71 و ج 6: 155، 167.
(3) مسند أحمد 6: 62، صحيح مسلم 7: 116، مصابيح السنة 2: 273، الرياض النضرة 2: 88، تاريخ ابن كثير 7: 202.
(4) أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح، والمنذري في الترغيب والترهيب 3: 166.
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأدب من صحيحه.
(6) قال المنذري في الترغيب والترهيب 3: 165: أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح، والترمذي، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(7) أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة والمنذري.
(8) لعل الصحيح: من كساه الحياء ثوبه.
(9) يأتي حديثه بتمامه.
(10) السيرة الحلبية 2: 87، الصواعق ص 8.
(11) راجع ما مر ص 162 من هذا الجزء.
(12) لعبة من خشب يلف الصبي عليها خيطا ثم ينقضه بسرعة فتدوم أي تدور على الأرض. و في اللغة الدارجة: مرصع. وشاخة.
(13) من المخازي المفتعلة كما مر تفصيله.
(14) أخرجه الشيخان البخاري في صحيحه باب صفة النبي ج 5: 203 ومسلم في صحيحه 7: 78
(15) يعني أسانيد حديث ابن جحش وجرهد وابن عباس.
(16) فتح الباري 1: 382: نيل الأوطار 2: 49.
(17) إرشاد الساري 1: 389، نيل الأوطار 2: 50.
(18) راجع سيرة ابن هشام 1: 209، الروض الأنف 1: 127، عيون الأثر 1: 51، وما في فتح الباري 7: 5 نقلا عن ابن إسحاق أن عمره كان خمسا وعشرين سنة فغير صحيح والذي صح عنه خمس وثلثون.
(19) راجع ما مر في هذا الجزء صفحة 281.
(20) وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 117، والمحب الطبري في الرياض 2: 88.
(21) قال ابن تيمية في المنتقى: رواه الخمسة إلا النسائي. نيل الأوطار 2: 47.
(22) راجع نيل الأوطار 2: 47.
(23) لهذا الحديث عدة ألفاظ من طريق ميسرة وأبي هريرة وابن سارية وابن عباس وأبي الجدعاء، وأخرجه ابن سعد، وأحمد بن حنبل، والبخاري في التاريخ، والبغوي، وابن السكن، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية والدلائل، وصححه الحاكم، والترمذي حسنه وصححه، وابن حبان في صحيحه، وابن عساكر، وابن قانع، والدارمي في السنن، راجع كشف الخفا للعجلوني 2: 129، والجامع الكبير كما في ترتيبه ج 6.
(24) صحيح مسلم 1: 105: وفي ط مشكول 1: 174.
(25) راجع فتح الباري 6: 450، شرح المواهب للزرقاني 4: 284.
(26) تهذيب التهذيب 11: 430.
(27) ميزان الاعتدال 1: 24، لسان الميزان 1: 86.
(28) لسان الميزان 4: 282.
(29) تاريخ ابن كثير 7: 203.
(30) تهذيب التهذيب 9: 336.
(31) روايته هذه عن مالك من تلكم الموضوعات.
(32) تهذيب التهذيب 7: 114.
(33) في النسخة: المنقري.
(34) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع ص 200 - 215 ط 2.
(35) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع ص 219 - 222 ط 2.
(36) راجع ما مر في الجزء السادس ص 82، 331، والجزء الثامن ص 62، 63 ط 2.
(37) راجع ما أسلفناه في الجزء السادس من " نوادر الأثر في علم عمر ".
(38) راجع ما مر في الجزء الثامن ص 64 - 81، 86، 94 - 96 ط 2.
(39) راجع الجزء الخامس من الغدير ص 308 ط 2.
(40) لسان الميزان 5: 418.
(41) ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 7: 41.
(42) تهذيب التهذيب 7: 41.
(43) تهذيب التهذيب 8: 218، لسان الميزان 4: 400.
(44) راجع ما مر في هذا الجزء ص 91 - 101.
(45) تاريخ الخطيب 12: 268.
(46) في النسخة هاهنا وفيما يأتي: عبيد. والصحيح ما ذكرناه.
(47) تاريخ ابن عساكر 7: 65، تهذيب التهذيب 4: 16، اللئالي المصنوعة 1: 81، 317.
(48) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع 82 ط 2.
(49) رجل ناصح الجيب أي صادق أمين، نقي القلب لا غش فيه. ويقال: واري الزند. في المبالغة في الكرم والخصال المحمودة.
(50) سورة الزمر: 28.
(51) راجع ما مر في هذا الجزء ص 174.
(52) في أخبار الدول هامش الكامل لابن أثير 1: 214
(53) في الفتوحات الإسلامية 2: 498.
(54) راجع مسند أحمد 1: 253، الاستيعاب 1: 372.
(55) راجع ما مضى في هذا الجزء صفحة 134، 192.
(56) راجع ما مر في هذا الجزء صفحة 78.
(57) كذا في النسخ والصحيح: المعدل.
(58) كذا في النسخ والصحيح: عبد الرحمن بن عثمان بن محمد.
(59) تاريخ الخطيب 7: 119، تهذيب التهذيب 1: 144.
(60) راجع الجزء الثالث ص 190 ط 2.
(61) راجع الجزء الثالث ص 192، 95 1 ط 2.
(62) راجع الجزء الثالث ص 189 ط 2.
(63) القلب: السوار. الرعاث جمع رعثة بالفتح: القرط.
(64) نهج البلاغة 1: 69.
(65) الأنساب للبلاذري 5: 82، تاريخ ابن كثير 7: 182، الرياض النضرة 2: 127.
(66) تهذيب التهذيب 8: 260 - 262.
(67) يقال: هي بن بي. أو: هيان بن بيان. أي مجهول لا يعرف هو ولا أبوه.
(68) المحلى لابن حزم 7: 28، نيل الأوطار 4: 353.
(69) تاريخ ابن كثير البداية والنهاية 7: 183.
(70) مستدرك الحاكم 3: 103، تاريخ ابن كثير 7: 193.
(71) كما أن الحاكم يعرفه بالقرشي ولم يذكر نسبته إلى الكديم لئلا يعرف.
(72) راجع تهذيب التهذيب 9: 539، والمصادر التي مرت في ج 5: 266 ط 2.
(73) بقال له: معاظم واجبة المراعاة. أي حقوقا مستعظمة.
(74) يقال: قام به وقعد: أي نشر عنه أخبار السوء.
(75) راجع ما مر في ج 7: 81، و ج 8: 287، و ج 9: 69، 70، 72، 74، 172، 174.
(76) راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 87، 89 ط 2.
(77) ميزان الاعتدال 3: 89، تهذيب التهذيب 9: 301.
(78) راجع ما مر في ج 2: 47، و ج 3: 156 167 ط 2.
(79) الرياض النضرة 2: 164.
(80) تاريخ الخطيب البغدادي 7: 12، الرياض النضرة 2: 162، مصباح الظلام للدمياطي 2: 56.
(81) الرياض النضرة 2: 163.
(82) سيوافيك حديثه إنشاء الله تعالى بألفاظه ومصادره.
(83) صحيح البخاري كتاب المناقب 5: 219، مسند أحمد 5: 204، 356، صحيح الترمذي في المناقب 2، 213، خصائص النسائي ص 20، 24، 36، تاريخ الخطيب 4: 140، و راجع ما مضى في الجزء السادس 338 - 350 ط 2.
(84) حديث المنزلة أخرجه أئمة الحديث بطرق صحيحة في الصحاح والمسانيد.
(85) راجع ج 3 من كتابنا هذا ص 111، والإصابة 1: 35 وضعفه.
(86) الرياض النضرة 1: 17.
(87) راجع تاريخ ابن عساكر 6: 90، أسد الغابة 2: 221، عيون الأثر 1: 199، الرياض النضرة 1: 15، 17، فتح الباري 7: 217.
(88) راجع سيرة ابن هشام 2: 124، تاريخ ابن كثير 3: 226، عيون الأثر 1: 201، الرياض النضرة 1: 16، فتح الباري 7: 216، 218.
(89) راجع تاريخ ابن عساكر 6: 90، عيون الأثر 1: 199، الرياض النضرة 1: 15، 17، فتح الباري 7: 218.
(90) راجع سيرة ابن هشام 2: 125، تاريخ ابن كثير 3: 227، عيون الأثر 1: 201، الرياض النضرة 1: 61.
(91) تهذيب التهذيب 7: 337، وراجع ج 3 من كتابنا هذا ص 121.
(92) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 115 ط 2.
(93) راجع ما مضى في الجزء السابع ص 78.
(94) حران: قرية من قرى حلب.
(95) مدينة على شاطئ جيحان من تغور الشام بين انطاكية وبلاد الروم.
(96) لسان الميزان 6: 43.
(97) ميزان الاعتدال 1: 208، لسان الميزان 2: 163.
(98) ميزان الاعتدال 1: 281، لسان الميزان 2: 353.
(99) تهذيب التهذيب 6: 49.
(100) إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة.
(101) ميزان الاعتدال 1: 117، لسان الميزان 1: 442.
(102) بكم بكامة: سكت تعمدا.
(103) تاريخ الخميس 2: 260.
(104) راجع ما مر في هذا الجزء ص 162.
(105) راجع ما أسلفنا في حديث طلحة بن عبيد الله ص 96.
(106) تهذيب التهذيب 1: 316.
(107) راجع ما مضى في هذا الجزء ص 106.
(108) فتح الباري 2: 123.
(109) أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال 7: 73.
(110) راجع مسند أحمد 6: 197
(111) تاريخ الطبري 5: 176، الكامل لابن الأثير 3: 90.
(112) مر تفصيل ذلك في ج 8: 274 - 276 ط.
(113) راجع مسند أحمد 1: 68، 75، الرياض النضرة 2: 97، تاريخ ابن كثير 7: 206.
(114) راجع مسند أحمد، 1، 68، تفسير القرطبي 4. 245، تفسير ابن كثير 1: 419، الرياض النضرة 2: 97، تفسير الخازن 1: 307.
(115) سيرة ابن هشام 3:، تاريخ ابن كثير 4: 51، عيون الأثر لابن سيد الناس 2: 37، 38، شرح الأشخر على بهجة المحافل 1: 213.
(116) راجع ترجمة الحكم وابنه مروان في الجزء الثامن من كتابنا هذا.
(117) إمتاع المقريزي ص 446.
(118) تاريخ ابن عساكر 1: 110، شرح المواهب للزرقاني 3: 64، السيرة الحلبية: 145.
(119) طبقات ابن سعد رقم التسلسل 683، تاريخ ابن عساكر 1: 111، إمتاع المقريزي ص 650، فتح الباري 8: 93، المواهب اللدنية 1: 173، إرشاد الساري 6: 438، شرح بهجة المحافل 2: 30.
(120) راجع ميزان الاعتدال 1: 210، تذكرة الموضوعات للمقدسي ص 90، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 74، تهذيب التهذيب 2: 181، اللئالي المصنوعة 1: 8، 230، خلاصة الكمال ص 60، أسنى المطالب ص 216.
(121) الجريري بضم الجيم وفتح الراء نسبة إلى جرير بن عباد.
(122) يعني طلحة والزبير، ووقعت التسمية في غير واحد من أحاديث المناشدة وكلها أكاذيب.
(123) أخرجه من طريق أبي إسحاق السبيعي الشيعي المدلس وقد مرت ترجمته في ج 7: 276 وإنه ضعيف جدا لا يحتج بحديثه، عن أبي عبد الرحمن العثماني.
(124) ميزان الاعتدال 1: 97، تهذيب التهذيب 1: 260.
(125) في تاريخ ابن كثير: عمار بن ياسر المستملي. والصحيح ما ذكرناه.
(126) ميزان الاعتدال 3: 122، تهذيب التهذيب 9: 407.
(127) سورة محمد: آية 2.
(128) تهذيب التهذيب 5: 92.
(129) ميزان الاعتدال 1: 160. تهذيب التهذيب 1: 48، لسان الميزان 2: 48.
(130) كذا في النسخ والصحيح: نصير بضم النون مصغرا.
(131) كذا في النسخ والصحيح: عبد الرحمن بن خباب.
(132) تهذيب التهذيب 7: 264.
(133) تهذيب التهذيب 2: 209.
(134) وفي مسند أحمد: مولى عبد الرحمن بن سمرة عن عبد الرحمن بن سمرة.
(135) ليت أبي نعيم كان على ذكر من رأيه هذا في الرجل حين أخرج من طريقه هذه المنقبة المزيفة.
(136) تهذيب التهذيب 7: 502 - 505
(137) الموسوم بقرة العيون المبصرة تأليف الشيخ أبي بكر ابن الشيخ محمد الملا الحنفي.
(138) سورة البقرة: 262.
(139) راجع الخصائص الكبرى 2: 229.
(140) راجع ما مضى في ج 7: 307 و ج 8: 33، 58 ط 2.
(141) تهذيب التهذيب 8: 468.
(142) راجع تاريخ ابن كثير البداية والنهاية 7: 335.
(143) مر حديث المؤاخاة بطرقها المفصلة في ج 3: 112 - 125 ط 2 ومر الايعاز إليه في هذا الجزء صفحة 317.
(144) أسلفنا في ج 3: 156، 167 ط 2 تفصيل القول في نزول الآية في علي عليه السلام، وصحة روايته، وإطباق الفقهاء والمتكلمين والمحدثين والمفسرين على ذلك.
(145) ميزان الاعتدال 3: 318، لسان الميزان 6، 293.
(146) تاريخ الخطيب 6: 321 - 324، تهذيب التهذيب 1: 252
(147) كنز العمال 6: 183، منتخب الكنز هامش مسند أحمد 5: 231.
(148) عمر بن الخطاب جد عمر عبد العزيز من أمه أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب
(149) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 156 - 167 ط 2.
(150) راجع ما أسلفناه في الجزء الأول ص 231 - 239 ط 2.
(151) راجع ما مر في الجزء الثالث ص 199 - 202 ط 2.
(152) راجع ما مر في هذا الجزء ص 172 - 175.
(153) تاريخ ابن كثير 8: 130.
(154) راجع ما مضى في هذا الجزء من حديث عائشة ص 77 - 86.
(155) ميزان الاعتدال 2: 281، لسان الميزان 4: 353.
(156) ميزان الاعتدال 3: 171 لسان الميزان 6: 41.
(157) ميزان الاعتدال 1: 299، تهذيب التهذيب 3: 110.
(158) راجع تهذيب التهذيب 2: 243.
(159) أخرجه أحمد في مسنده 3: 417.
(160) القصب بضم القاف: الظهر. المعي. ج: أقصاب.
(161) راجع الجزء الثامن ص 163، 164 ط 2.
(162) سورة الأحزاب: آية 58.
(163) فصلنا القول في ذلك كله في الجزء الثامن.
(164) مضى حديثه في الجزء الثامن ص 297 ط 2.
(165) في النسخة: عبد الوهاب عن عطاء والصحيح ما ذكرناه.
(166) هو عبد الله بن هاني بن عبد الله بن الشخير البصري.
(167) احتمال الحديث إنما هو للاعتبار كما جاء مصرحا به في كثير من الضعفاء.
(168) تهذيب التهذيب 4: 63 - 66.
(169) راجع الجزء السابع ص 81.
(170) راجع الجزء الثامن ص 287 ط 2.
(171) سورة النحل: 75 وتمام الآية: ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستون الحمد لله بل لأكثرهم لا يعلمون.
(172) وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. تمام الآية. سورة النحل: 76.
(173) معارف ابن قتيبة ص 194.
(174) مجمع الزوائد 5: 211.
(175) راجع ما ذكرناه في الجزء الثالث ص 176 - 180 ط 2.
(176) الاستيعاب في ترجمة عمار، الإصابة 2: 389.
(177) مستدرك الحاكم 3 ص 104، تاريخ ابن كثير 7: 254.
(178) كتاب صفين لابن مزاحم ص 266، شرح ابن أبي الحديد 1: 483.
(179) كتاب صفين لابن مزاحم ص 268، شرح ابن أبي الحديد 1: 484.
(180) تاريخ الطبري 5: 183.
(181) تاريخ الطبري 5: 183.
(182) تاريخ بغداد 7: 453.
(183) تاريخ الطبري 5: 180، 182، 183.
(184) تاريخ الطبري 5: 176:
(185) أخرجه البزار بإسنادين كما في مجمع الزوايد للحافظ الهيثمي 7: 239.
(186) استدرجه: خدعه وأدناه.
(187) كتاب صفين لابن مزاحم ص 363، شرح ابن أبي الحديد 1: 506.
(188) كتاب صفين لابن مزاحم ص 268، شرح ابن أبي الحديد 1: 484.
(189) بلاغات النساء ص 36، العقد الفريد 1: 132، نهاية الأرب 7: 241، صبح الأعشى 1: 248.
(190) كتاب صفين لابن مزاحم ص 543، تاريخ ابن كثير 7: 274، 312، فتح الباري 13: 73.
(191) في النسخة: عن أبيه عن عنبسة. والصحيح ما ذكرناه.
(192) راجع المصادر المذكورة في الجزء الخامس ص 216 ط 2.
(193) تهذيب التهذيب 6: 372.
(194) مر حديثه في الجزء الثامن ص 213 - 234 ط 2.
(195) وفي لفظ: وإن افتقادي فاطما بعد أحمد.
(196) راجع أعلام النساء 3: 1222.
(197) لسان الميزان 5، 226.
(198) ميزان الاعتدال 3، 84، لسان الميزان 2، 52، و ج 5: 226.
(199) تجد هذه الأحاديث في خذا الجزء 69 - 77.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page