• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

قصة الحصار الأول


الاجتماع على عثمان من أهل الأمصار:
المدينة. الكوفة. البصرة. مصر
أخرج البلاذري وغيره بالإسناد: التقى أهل الأمصار الثلاثة: الكوفة والبصرة ومصر في المسجد الحرام قبل مقتل عثمان بعام، وكان رئيس أهل الكوفة كعب بن عبدة، ورئيس أهل البصرة المثنى بن مخربة العبدي، ورئيس أهل مصر كنانة بن بشر بن عتاب ابن عوف السكوني ثم التجيبي، فتذاكروا سيرة عثمان وتبديله وتركه الوفاء بما أعطى من نفسه وعاهد الله عليه، وقالوا: لا يسعنا الرضى بهذا، فاجتمع رأيهم على أن يرجع كل واحد من هؤلاء الثلاثة إلى مصره فيكون رسول من شهد مكة من أهل الخلاف على عثمان إلى من كان على مثل رأيهم من أهل بلده، وأن يوافوا عثمان في العام المقبل في داره فيستمعوه، فإن أعتب، وإلا رأوا رأيهم فيه ففعلوا ذلك.
فلما حضر الوقت خرج الأشتر مع أهل الكوفة إلى المدينة في مائتين، وقال ابن قتيبة: أقبل الأشتر من الكوفة في ألف رجل في أربع رفاق، وكان أمراؤهم هو وزيد بن صوحان العبدي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم العامري، و على الجميع عمرو بن الأهتم.
وخرج حكيم بن جبلة العبدي في مائة من أهل البصرة ولحق به بعد ذلك خمسون فكان في مائة وخمسين وفيهم: ذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح القيسي، وابن المحرش - ابن المحترش - وقال ابن خلدون: وكلهم في مثل عدد أهل مصر في أربع رايات.
وجاء أهل مصر وهم أربع مائة، ويقال: خمس مائة، ويقال: سبع مائة، ويقال: ست مائة، ويقال: ألف، وفي شرح ابن أبي الحديد: كانوا ألفين. وكان فيهم: محمد بن أبي بكر، وسودان بن حمران السكوني، وميسرة - ويقال قتيرة - السكوني، وعمرو ابن الحمق الخزاعي وكان من رؤسهم وعليهم أمراء أربعة:
1 - عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي.    على ربع
2 - عبد الرحمن بن عديس أبو محمد البلوي.    على ربع
3 - عروة بن شييم بن البياع الكناني الليثي.    على ربع
4 - كنانة بن بشر السكوني التجيبي.    على ربع
وعليهم جميعا: الغافقي بن حرب العكي، وكان يصلي بالناس في أيام الحصار، قال الطبري: كان جماع أمرهم جميعا إلى عمرو بن بديل الخزاعي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى عبد الرحمن بن عديس التجيبي.
فلما أتوا المدينة أتوا دار عثمان، ووثب معهم رجال من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار منهم: عمار بن ياسر العبسي وكان بدريا، ورفاعة بن رافع الأنصاري وكان بدريا، والحجاج بن غزية وكانت له صحبة، وعامر بن بكير وكان بدريا أحد بني كنانة.
وفي كتاب لنائلة امرأة عثمان إلى معاوية في رواية ابن عبد ربه: وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى علي ومحمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر وطلحة والزبير فأمروهم بقتله، وكان معهم من القبائل خزاعة، وسعد بن بكر، وهذيل، وطوائف من جهينة و مزينة وأنباط يثرب، وهؤلاء كانوا أشد الناس عليه.
وفي حديث سعيد بن المسيب في الأنساب والعقد الفريد وغيرهما: وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر: فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار وأحلافها من غضب لأبي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار بن ياسر.
وفي لفظ المسعودي: وفي الناس بنو زهرة لأجل عبد الله بن مسعود، لأنه كان من أحلافها، وهذيل لأنه كان منها، وبنو مخزوم وأحلافها لعمار، وغفار وأحلافها لأجل أبي ذر، وتيم بن مرة مع محمد بن أبي بكر، وغير هؤلاء ممن لا يحمل ذكره كتابنا. فحصروا عثمان الحصار الأول
____________
(1) راجع طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 49، الأنساب للبلاذري 5: 6 2، 59، الإمامة و السياسة 1: 34، المعارف لابن قتيبة ص 84، تاريخ الطبري 5: 116، مروج الذهب 1: 441، العقد الفريد 2: 262، 269، الرياض النضرة 2: 123، 124، الكامل لابن الأثير 3: 66، تاريخ ابن خلدون 2: 393، شرح ابن أبي الحديد 1: 102، تاريخ ابن كثير 7: 170، 174، حياة الحيوان للدميري 1: 53، الإصابة 2: 411، الصواعق ص 69، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 106، تاريخ الخميس 2: 259.





الاجتماع على عثمان من أهل الأمصار:
المدينة. الكوفة. البصرة. مصر
أخرج البلاذري وغيره بالإسناد: التقى أهل الأمصار الثلاثة: الكوفة والبصرة ومصر في المسجد الحرام قبل مقتل عثمان بعام، وكان رئيس أهل الكوفة كعب بن عبدة، ورئيس أهل البصرة المثنى بن مخربة العبدي، ورئيس أهل مصر كنانة بن بشر بن عتاب ابن عوف السكوني ثم التجيبي، فتذاكروا سيرة عثمان وتبديله وتركه الوفاء بما أعطى من نفسه وعاهد الله عليه، وقالوا: لا يسعنا الرضى بهذا، فاجتمع رأيهم على أن يرجع كل واحد من هؤلاء الثلاثة إلى مصره فيكون رسول من شهد مكة من أهل الخلاف على عثمان إلى من كان على مثل رأيهم من أهل بلده، وأن يوافوا عثمان في العام المقبل في داره فيستمعوه، فإن أعتب، وإلا رأوا رأيهم فيه ففعلوا ذلك.
فلما حضر الوقت خرج الأشتر مع أهل الكوفة إلى المدينة في مائتين، وقال ابن قتيبة: أقبل الأشتر من الكوفة في ألف رجل في أربع رفاق، وكان أمراؤهم هو وزيد بن صوحان العبدي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم العامري، و على الجميع عمرو بن الأهتم.
وخرج حكيم بن جبلة العبدي في مائة من أهل البصرة ولحق به بعد ذلك خمسون فكان في مائة وخمسين وفيهم: ذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح القيسي، وابن المحرش - ابن المحترش - وقال ابن خلدون: وكلهم في مثل عدد أهل مصر في أربع رايات.
وجاء أهل مصر وهم أربع مائة، ويقال: خمس مائة، ويقال: سبع مائة، ويقال: ست مائة، ويقال: ألف، وفي شرح ابن أبي الحديد: كانوا ألفين. وكان فيهم: محمد بن أبي بكر، وسودان بن حمران السكوني، وميسرة - ويقال قتيرة - السكوني، وعمرو ابن الحمق الخزاعي وكان من رؤسهم وعليهم أمراء أربعة:
1 - عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي.    على ربع
2 - عبد الرحمن بن عديس أبو محمد البلوي.    على ربع
3 - عروة بن شييم بن البياع الكناني الليثي.    على ربع
4 - كنانة بن بشر السكوني التجيبي.    على ربع
وعليهم جميعا: الغافقي بن حرب العكي، وكان يصلي بالناس في أيام الحصار، قال الطبري: كان جماع أمرهم جميعا إلى عمرو بن بديل الخزاعي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى عبد الرحمن بن عديس التجيبي.
فلما أتوا المدينة أتوا دار عثمان، ووثب معهم رجال من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار منهم: عمار بن ياسر العبسي وكان بدريا، ورفاعة بن رافع الأنصاري وكان بدريا، والحجاج بن غزية وكانت له صحبة، وعامر بن بكير وكان بدريا أحد بني كنانة.
وفي كتاب لنائلة امرأة عثمان إلى معاوية في رواية ابن عبد ربه: وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى علي ومحمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر وطلحة والزبير فأمروهم بقتله، وكان معهم من القبائل خزاعة، وسعد بن بكر، وهذيل، وطوائف من جهينة و مزينة وأنباط يثرب، وهؤلاء كانوا أشد الناس عليه.
وفي حديث سعيد بن المسيب في الأنساب والعقد الفريد وغيرهما: وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر: فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار وأحلافها من غضب لأبي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار بن ياسر.
وفي لفظ المسعودي: وفي الناس بنو زهرة لأجل عبد الله بن مسعود، لأنه كان من أحلافها، وهذيل لأنه كان منها، وبنو مخزوم وأحلافها لعمار، وغفار وأحلافها لأجل أبي ذر، وتيم بن مرة مع محمد بن أبي بكر، وغير هؤلاء ممن لا يحمل ذكره كتابنا. فحصروا عثمان الحصار الأول
____________
(1) راجع طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 49، الأنساب للبلاذري 5: 6 2، 59، الإمامة و السياسة 1: 34، المعارف لابن قتيبة ص 84، تاريخ الطبري 5: 116، مروج الذهب 1: 441، العقد الفريد 2: 262، 269، الرياض النضرة 2: 123، 124، الكامل لابن الأثير 3: 66، تاريخ ابن خلدون 2: 393، شرح ابن أبي الحديد 1: 102، تاريخ ابن كثير 7: 170، 174، حياة الحيوان للدميري 1: 53، الإصابة 2: 411، الصواعق ص 69، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 106، تاريخ الخميس 2: 259.




كتاب المصريين إلى عثمان


أخرج الطبري في تاريخه 5 ص 116 من طريق عبد الله بن الزبير عن أبيه قال:
كتب أهل مصر بالسقيا (1) أو بذي خشب (2) إلى عثمان بكتاب فجاء به رجل منهم، حتى دخل به عليه فلم يرد عليه شيئا فأمر به فأخرج من الدار، وكان فيما كتبوا إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: فاعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالله الله ثم الله الله، فإنك على دنيا فاستتم إليها معها آخرة، ولا تلبس (3) نصيبك من الآخرة فلا تسوغ لك الدنيا، واعلم أنا والله لله نغضب وفي الله نرضي، وإنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصر أو ضلالة مجلحة مبلجة، فهذه مقالتنا لك وقضيتنا إليك والله عذيرنا منك. والسلام.
______________
(1) من أسافل أودية تهامة.
(2) واد على مسيرة ليلة من المدينة كما مر.
(3) كذا ولعله: لا تنس نصيبك، أخذا من القرآن الكريم.



عهد الخليفة على نفسه أن يعمل بالكتاب والسنة وذلك في سنة 35 هـ


أخرج البلاذري من رواية أبي مخنف في الأنساب 5: 62: إن المصريين وردوا المدينة فأحاطوا وغيرهم بدار عثمان في المرة الأولى " إلى أن قال ": وأتى المغيرة بن شعبة فقال له: دعني آت القوم فأنظر ما يريدون، فمضى نحوهم فلما دنا منهم صاحوا به: يا أعور! وراءك، يا فاجر! وراءك، يا فاسق! وراءك. فرجع، ودعا عثمان عمرو بن العاص فقال له: ائت القوم فادعهم إلى كتاب الله والعتبى مما ساءهم. فلما دنا منهم سلم فقالوا لا سلم الله عليك، ارجع يا عدو الله! راجع يا ابن النابغة! فلست عندنا بأمين ولا مأمون فقال له ابن عمر وغيره: ليس لهم إلا علي بن أبي طالب فلما أتاه قال: يا أبا الحسن! ائت هؤلاء القوم فادعهم إلى كتاب الله وسنة نبيه. قال: نعم إن أعطيتني عهد الله وميثاقه على إنك تفي لهم بكل ما أضمنه عنك، قال: نعم. فأخذ علي عليه عهد الله وميثاقه على أوكد ما يكون وأغلظ وخرج إلى القوم فقالوا: وراءك، قال: لا، بل أمامي، تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما سخطتم، فعرض عليهم ما بذل عثمان، فقالوا: أتضمن ذلك عنه؟ قال: نعم، قالوا: رضينا. وأقبل وجوههم وأشرافهم مع علي حتى دخلوا على عثمان و عاتبوه فأعتبهم من كل شئ فقالوا: اكتب بهذا كتابا فكتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من عبد الله عثمان أمير المؤمنين لمن نقم عليه من المؤمنين والمسلمين إن لكم أن أعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه، يعطى المحروم، ويؤمن الخائف، ويرد المنفي، ولا تجمر (1) البعوث، ويوفر الفئ، وعلي بن أبي طالب ضمين المؤمنين والمسلمين على عثمان بالوفاء في هذا الكتاب.
شهد الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله؟ وسعد بن مالك بن أبي وقاص، و عبد الله بن عمرو، وزيد بن ثابت، وسهل بن خنيف، وأبو أيوب خالد بن زيد.
وكتب في ذي العقدة سنة خمس وثلاثين. فأخذ كل قوم كتابا فانصرفوا.
وقال علي بن أبي طالب لعثمان: أخرج فتكلم كلاما يسمعه الناس ويحملونه عنك وأشهد الله ما في قلبك، فإن البلاد قد تمخضت عليك، ولا تأمن أن يأتي ركب آخر من الكوفة أو من البصرة أو من مصر فتقول: يا علي اركب إليهم. فإن لم أفعل قلت: قطع رحمي، واستخف بحقي، فخرج عثمان فخطب الناس فأقر بما فعل واستغفر الله منه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زل فلينب. فأنا أول من اتعظ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليردوني برأيهم، فوالله لو ردني إلى الحق عبد لاتبعته وما عن الله مذهب إلا إليه، فسر الناس بخطبته واجتمعوا إلى بابه مبتهجين بما كان منه فخرج إليهم مروان فزبرهم وقال: شاهت وجوهكم ما اجتماعكم؟ أمير المؤمنين مشغول عنكم، فإن احتاج إلى أحد منكم فسيدعوه فانصرفوا، وبلغ عليا الخبر فأتى عثمان و هو مغضب فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بإفساد دينك، وخديعتك عن عقلك؟ وإني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك
وقالت له امرأته نائلة بنت الفرافصة: قد سمعت قول علي بن أبي طالب في مروان وقد أخبرك أنه غير عائد إليك، وقد أطعت مروان ولا قدر له عند الناس ولا هيبة، فبعث إلى علي فلم يأته.
وأخرج ابن سعد من طريق أبي عون قال: سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ذكر مروان فقال: قبحه الله خرج عثمان على الناس فأعطاهم الرضى وبكى على المنبر حتى استهلت دموعه، فلم يزل مروان يفتله في الذروة والغارب (2) حتى لفته عن رأيه، قال: وجئت إلى علي فأجده بين القبر والمنبر ومعه عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وهما يقولون: صنع مروان بالناس؟ قلت: نعم (3).
____________
(1) تجمر الجيش: تحبس في أرض العدو ولم يقفل.
(2) لم يزل يفتل في الذروة والغارب. مثل في المخادعة. أي يدور من وراء خديعته.
(3) وأخرج الطبري حديث ابن عون هذا وتبعه ابن الأثير وسيوافيك لفظه، وأوعز إليه الدميري في حياة الحيوان 1: 53.




صورة أخرى من توبة الخليفة


أخرج الطبري من طريق علي بن عمر بن أبيه قال: إن عليا جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له: تكلم كلاما يسمعه الناس منك، ويشهدون عليه ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والانابة، فإن البلاد قد تمخضت عليك فلا آمن ركبا آخرين يقدمون من الكوفة فتقول: يا علي إركب إليهم. ولا أقدر أن أركب إليهم ولا أسمع عذرا.
ويقدم ركب آخرون من البصرة فتقول: يا علي إركب إليهم. فإن لم أفعل أيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقك. قال: فخرج عثمان وخطب الخطبة التي نزع فيها و أعطى الناس من نفسه التوبة فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:
أما بعد: أيها الناس فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله، وما جئت شيئا إلا وأنا أعرفه، ولكني منتني نفسي وكذبتني، وضل عني رشدي، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زل فليتب (1) ومن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة، إن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق، فأنا أول من اتعظ، أستغفر الله عما فعلت، و أتوب إليه، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم، فوالله لئن ردني إلى الحق عبد لأستنن بسنة العبد، ولأذلن ذل العبد، ولأكونن كالمرقوق إن ملك مصر، وإن عتق شكر، وما عن الله مذهب إلا إليه، فلا يعجزن عنكم خياركم أن يدنوا إلي، لئن أبت يميني لتتابعني شمالي.
قال: فرق الناس له يومئذ وبكى من بكى منهم وقام إليه سعيد بن يزيد فقال: يا أمير المؤمنين! ليس بواصل لك من ليس معك، الله الله في نفسك، فاتمم على ما قلت فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان وسعيدا (2) ونفرا من بني أمية ولم يكونوا شهدوا الخطبة فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين! أتكلم أم أصمت؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان الكلبية: لا بل اصمت فإنهم والله قاتلوه ومؤتموه، إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها. فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت وذاك؟ فوالله لقد مات أبوك وما يحسن يتوضأ. فقالت له: مهلا يا مروان! عن ذكر الآباء تخبر عن أبي وهو غائب تكذب عليه، وأن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه، أما والله لولا أنه عمه و وأنه يناله غمه أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه. قال: فأعرض عنها مروان ثم قال: يا أمير المؤمنين! أتكلم أم أصمت؟ قال: بل تكلم. فقال مروان: بأبي أنت وأمي والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممنع منيع فكنت أول من رضي بها وأعان عليها لكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطبيين، وخلف السيل الزبى، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل، والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوف عليها، وإنك إن شئت تقربت بالتوبة ولم تقرر بالخطيئة وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس. فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلمهم فإني أستحي أن أكلمهم، قال: فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم؟ كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه، كل إنسان آخذ بأذن صاحبه إلا من أريد (3) جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا أخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم، ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا، قال: فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتا عليا فأخبره الخبر فجاء علي عليه السلام مغضبا حتى دخل على عثمان فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك (4) عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به؟ والله ما مروان بذي رأي في دينه، ولا نفسه، وأيم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك، وغلبت على أمرك.
فلما خرج علي دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته فقالت: أتكلم أو أسكت؟
فقال: تكلمي. فقالت: قد سمعت قول علي لك وإنه ليس يعاودك؟ وقد أطعت مروان يقودك حيت شاء قال: فما أصنع؟ قالت: تتقي الله وحده لا شريك له وتتبع سنة صاحبيك من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبة، وإنما تركك الناس لمكان مروان، فأرسل إلى علي فاستصلحه فإن له قرابة منك وهو لا يعصى. قال: فأرسل عثمان إلى علي فأبي أن يأتيه، وقال: قد أعلمته: أني لست بعائد. فبلغ مروان مقالة نائلة فيه فجاء إلى عثمان فجلس بين يديه فقال: أتكلم أو أسكت؟ فقال: تكلم. فقال: إن بنت الفرافصة. فقال عثمان: لا تذكرنها بحرف فأسوء لك وجهك فهي والله أنصح لي منك. فكف مروان (5)
____________
(1) كذا في تاريخ الطبري والصحيح ما مر في رواية البلاذري: من زل فلينب.
(2) هو سعيد بن العاص.
(3) كذا في تاريخ الطبري وفي الكامل: شاهت الوجوه إلى من أريد.
(4) في لفظ البلاذري: إلا بإفساد دينك، وخديعتك عن عقلك. وفي لفظ ابن كثير: إلا بتحويلك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به.
(5) الأنساب للبلاذري 5: 64، 65، تاريخ طبري 5: 111، الكامل لابن الأثير 3: 68، تاريخ ابن كثير 7: 172، شرح ابن أبي الحديد 1، 163، 164، تاريخ ابن خلدون 2: 396، 397.




صورة أخرى من التوبة


من طريق أبي عون قال: سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد بن يغوث يذكر مروان بن الحكم قال: قبح الله مروان، خرج عثمان إلى الناس فأعطاهم الرضا وبكى على المنبر وبكى الناس حتى إلى لحية عثمان مخضلة من الدموع وهو يقول: أللهم إني أتوب إليك، أللهم إني أتوب إليك، أللهم إني أتوب إليك، والله لئن ردني الحق إلى أن أكون عبدا قنا لأرضين به، إذا دخلت منزلي فادخلوا علي، فوالله لا أحتجب منكم ولأعطينكم ولأزيدنكم على الرضا، ولأنحين مروان وذويه.
قال: فلما دخل أمر بالباب ففتح ودخل بيته ودخل عليه مروان فلم يزل يفتله في الذروة والغارب حتى فتله عن رأيه وأزاله عما كان يريد، فلقد مكث عثمان ثلاثة أيام ما خرج استحياء من الناس، وخرج مروان إلى الناس فقال: شاهت الوجوه إلا من أريد ارجعوا إلى منازلكم، فإن يكن لأمير المؤمنين حاجة بأحد منكم يرسل إليه وإلا قر في بيته. قال عبد الرحمن: فجئت إلى علي فأجده بين القبر والمنبر وأجد عنده عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وهما يقولان: صنع مروان بالناس وصنع، قال: فأقبل علي علي فقال: أحضرت خطبة عثمان؟ قلت: نعم. قال: أفحضرت مقالة مروان للناس؟ قلت نعم. قال علي: عياذ الله يا للمسلمين، إني إن قعدت في بيتي قال لي: تركتني وقرابتي وحقي، وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان فصار سيقة له يسوقه حيث شاء بعد كبر السن وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الرحمن بن الأسود: فلم يزل حتى جاء رسول عثمان إئتني فقال علي بصوت مرتفع عال مغضب: قل له: ما أنا بداخل عليك ولا عائد. قال: فانصرف الرسول فلقيت عثمان بعد ذلك بليلتين جائيا فسألت ناتلا غلامه من أين جاء أمير المؤمنين؟ فقال: كان عند علي، فقال عبد الرحمن بن الأسود فغدوت فجلست مع علي عليه السلام فقال لي: جاءني عثمان بارحة فجعل يقول: إني غير عائد وإني فاعل، قال: فقلت له. بعد ما تكلمت به على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيت من نفسك، ثم دخلت بيتك، وخرج مروان إلى الناس فشتمهم على بابك ويؤذيهم؟ قال: فرجع وهو يقول: قطعت رحمي وخذلني و جرأت الناس علي فقلت: والله إني لأذب الناس عنك، ولكني كلما جئتك بهنة أظنها لك رضى جاء بأخرى فسمعت قول مروان علي واستدخلت مروان. قال: ثم انصرف إلى بيته أزل أرى عليا منكبا عنه لا يفعل ما كان يفعل. (1)
___________
(1) تاريخ الطبري 5: 112، الكامل لابن الأثير 3: 96.




عهد آخر بعد حنث الأول


أخرج الطبري من طريق عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة، ويحتجون ويقسمون لله بالله لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حق الله، فلما خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته فقال لهم: قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج؟ فأشاروا عليه أن يرسل إلى علي بن أبي طالب فيطلب إليه أن يردهم عنه ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه أمداده فقال: إن القوم لن يقبلوا التعليل وهي محملي وعهدا وقد كان مني في قدمتهم الأولى ما كان، فمتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به. فقال مروان بن الحكم: يا أمير المؤمنين! مقاربتهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب، فاعطهم ما سألوك، وطاولهم ما طاولوك، فإنما هم بغوا عليك فلا عهد لهم، فأرسل إلى علي فدعاه فلما جاءه قال: يا أبا حسن! إنه قد كان من الناس ما قد رأيت وكان مني ما قد علمت، ولست آمنهم على قتلي فأرددهم عني فإن لهم الله عز وجل أن اعتبهم من كل ما يكرهون، وأن أعطيهم الحق من نفسي ومن غيري وإن كان في ذلك سفك دمي، فقال له علي: الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك، وإني لأرى قوما لا يرضون إلا بالرضا وقد كنت أعطيهم في قدمتهم الأولى عهدا من الله لترجعن عن جميع ما نقموا فرددتهم عنك، ثم لم تف لهم بشئ من ذلك فلا تغرني هذه المرة من شئ، فإني معطيهم عليك الحق. قال: نعم فاعطهم فوالله لأفين لهم. فخرج علي إلى الناس فقال: أيها الناس إنكم إنما طلبتم الحق فقد أعطيتموه إن عثمان قد زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيره، وراجع عن جميع ما تكرهون، فاقبلوا منه ووكدوا عليه. قال الناس: قد قبلنا فاستوثق منه لنا فإنا والله لا نرضى بقول دون فعل. فقال لهم علي: ذلك لكم. ثم دخل عليه فأخبره الخبر، فقال عثمان: إضرب بيني وبينهم أجلا يكون لي في مهلة، فإني لا أقدر على رد ما كرهوا في يوم واحد، قال له علي: ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك، قال: نعم، ولكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام. قال علي: نعم. فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك وكتب بينهم وبين عثمان كتابا أجله فيه ثلاثا على أن يرد كل مظلمة، ويعزل كل عامل كرهوه، ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق وأشهد عليه ناسا من وجوه المهاجرين والأنصار، فكف المسلمون عنه ورجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه، فجعل يتأهب للقتال ويستعد بالسلاح، قد كان اتخذ جندا عظيما من رقيق الخمس، فلما مضت الأيام الثلاثة وهو على حاله لم يغير شيئا مما كرهوه، ولم يعزل عاملا، ثار به الناس، وخرج عمرو بن حزم الأنصاري حتى أتى المصريين وهم بذي خشب فأخبرهم الخبر وسار معهم حتى قدموا المدينة فأرسلوا إلى عثمان: ألم نفارقك على أنك زعمت أنك تائب من أحداثك، وراجع عما كرهنا منك وأعطيتنا على ذلك عهد الله وميثاقه؟ قال: بلى أنا على ذلك. قال: فما هذا الكتاب الذي وجدنا مع رسولك؟ الحديث. (1)

سياسة ضئيلة
لما تكلم علي مع المصريين ورجعهم إلى بلادهم ورجع هو إلى المدينة دخل على عثمان وأخبره أنهم قد رجعوا فمكث عثمان ذلك اليوم حتى إذا كان الغد جاءه مروان فقال له: تكلم واعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا، وأن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلا فإن خطبتك تسير في البلاد قبل أن يتحلب الناس عليك من أمصارهم فيأتيك من لا تستطيع دفعه. فأبى عثمان أن يخرج. فلم يزل به مروان حتى خرج فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما عنه رجعوا إلى بلادهم.
فناداه الناس من كل ناحية: اتق الله يا عثمان! وتب إلى الله. وكان أولهم عمرو ابن العاصي. قال: إتق الله يا عثمان! فإنك قد ركبت نهابير وركبناها معك فتب إلى الله نتب. إلى آخر ما مر في هذا الجزء صفحة 137.
____________
(1) تاريخ الطبري 5: 116، الكامل لابن الأثير 3: 71، 72، شرح ابن أبي الحديد: 1: 166.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page