• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الغلو في فضايل عثمان : 44 - تسيير الخليفة كعب بن عبدة وضربه

كتب جماعة من القراء إلى عثمان منهم معقل بن قيس الرياحي، وعبد الله بن الطفيل العامري، ومالك بن حبيب التميمي، ويزيد بن قيس الأرحبي، وحجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وسليمان بن صرد الخزاعي ويكنى أبا مطرف، والمسيب بن نجبة الفزاري، وزيد بن حصن الطائي، وكعب بن عبدة النهدي، وزياد ابن النضر بن بشر بن مالك بن الديان الحارثي، ومسلمة بن عبد القاري من القارة من بني الهون بن خزيمة بن مدركة.
إن سعيدا كثر على قوم من أهل الورع والفضل والعفاف فحملك في أمرهم على ما لا يحل في دين ولا يحسن في سماع، وإنا نذكرك الله في أمة محمد، فقد خفنا أن يكون فساد أمرهم على يديك، لأنك قد حملت بني أبيك على رقابهم، واعلم أن لك ناصرا ظالما، وناقما عليك مظلوما، فمتى نصرك الظالم ونقم عليك الناقم تباين الفريقان واختلفت الكلمة، ونحن نشهد عليك الله وكفى به شهيدا، فإنك أميرنا ما أطعت الله و استقمت، ولن تجد دون الله ملتحدا ولا عنه منتقذا.
ولم يسم أحد منهم نفسه في الكتاب وبعثوا به مع رجل من عنزة يكنى أبا ربيعة وكتب كعب بن عبدة كتابا من نفسه تسمى فيه ودفعه إلى أبي ربيعة، فلما قدم أبو ربيعة على عثمان سأله عن أسماء الذين كتبوا الكتاب فلم يخبره فأراد ضربه و حبسه فمنعه علي من ذلك وقال: إنما هو رسول أدى ما حمل، وكتب عثمان إلى سعيد أن يضرب كعب بن عبدة عشرين سوطا، ويحول ديوانه إلى الري. ففعل ثم إن عثمان تحوب وندم فكتب في إشخاصه إليه ففعل فلما ورد عليه قال له: إنه كانت مني طيرة ثم نزع ثيابه وألقى إليه سوطا وقال: اقتص، فقال: قد عفوت يا أمير المؤمنين!.
ويقال: إن عثمان لما قرأ كتاب كعب كتب إلى سعيد في إشخاصه إليه فأشخصه إليه مع رجل أعرابي من أعراب بني أسد فلما رأى الأعرابي صلاته وعرف نسكه وفضله قال:

ليت حظي من مسيري بكعب * عفوه عني وغفران ذنبي

فلما قدم به على عثمان قال عثمان: لإن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه وكان شابا حديث السن نحيفا ثم أقبل عليه فقال: أأنت تعلمني الحق وقد قرأت كتاب الله وأنت في صلب رجل مشرك؟ فقال له كعب: إن إمارة المؤمنين إنما كانت لك بما أوجبته الشورى حين عاهدت الله على نفسك في (أن) تسيرن بسيرة نبيه، لا تقصر عنها وإن يشاورونا فيك ثانية نقلناها عنك، يا عثمان! إن كتاب الله لمن بلغه وقرأه وقد شركناك في قرائته، ومتى لم يعمل القارئ بما فيه كان حجة عليه. فقال عثمان: والله ما أظنك تدري أين ربك؟ فقال: هو بالمرصاد. فقال مروان: حلمك أغرى مثل هذا بك وجرأء عليك. فأمر عثمان بكعب فجرد وضرب عشرين سوطا، وسيره إلى دباوند (1) ويقال: إلى جبل الدخان، فلما ورد على سعيد حمله مع بكير بن حمران الأحمري فقال: الدهقان الذي ورد عليه: لم فعل بهذا الرجل ما أرى؟ قال بكير: لأنه شرير فقال: إن قوما هذا من شرارهم لخيار.
ثم إن طلحة والزبير وبخا عثمان في أمر كعب وغيره وقال طلحة: عند غب الصدر يحمد عاقبة الورد. فكتب في رد كعب رضي الله عنه وحمله إليه فلما قدم عليه نزع ثوبه وقال: يا كعب! اقتص. فعفا رضي الله عنهم أجمعين (2)
وعد الحلبي في السيرة 2: 87 من جملة ما انتقم به على عثمان: إنه ضرب كعب ابن عبدة عشرين سوطا ونفاه إلى بعض الجبال.
قال الأميني: ألا تعجب في أمر هذا الخليفة أن مناوئيه كلهم في عاصمة الخلافة وبقية الأوساط الإسلامية خيار البلاد وصلحاء الأمة؟ كما أن من اكتنف به وأغراه بالأبرار هم المتهتكون في الدين، المفضوحون بالسمعة الشائنة، رواد الشره، وسماسرة المطامع، من طغمة الأمويين ومن يقتص أثرهم، فلا ترى له سوط عذاب يرفع إلا وكان مصبه أولئك الصالحون، كما أنك لا تجد جميلا له يسدى ولا يدا موفورة إلا لأولئك الساقطين، فهل بعث الخليفة (وهو رحمة للعالمين) نقمة على المؤمنين؟
أم ماذا كانت حقيقة الأمر؟ أنا لا أدري لماذا أسخط الخليفة كتاب القوم فأراد بحامله السوء من حبس وضرب بعد يأسه عن معرفة كاتبيه لولا أن عليا أمير المؤمنين حال بينه وبين ما يشتهيه، وهل كان الرجل إلا وسيطا كلف بالرسالة فأداها؟ ولعله لم يكن يعلم ما فيها، وليس في الكتاب إلا التذكير بالله، والتحذير عما يوجب تفريق الكلمة، وإقلاق السلام، وإظهار الطاعة بشرط طاعة الله والاستقامة الذي هو مأخوذ في الخليفة قبل كل شئ (وعليه جرى انتخاب يوم الشورى) وإيقافه على مكان سيعد الشاب الغر من السعاية التي خافوا أن تكون، وبالا عليه، وبالأخير وقع ما خافوا منه وحذروا الخليفة عنه، والشهادة لأولئك المنفيين بالبراءة مما نبزوا به وأنهم من أهل الورع والفضل والعفاف، وإن تسييرهم لا يحل في دين الله، ويشوه سمعة الخليفة.
ولماذا أغضبه كتاب كعب؟ وهو بطبع الحال لدة ما كتبه القوم من النصح الجميل.
ولماذا أمر بإشخاصه إلى المدينة وضربه وجازاه على نصحه بجزاء سنمار؟
فهلا انبعث الخليفة إلى التفاهم مع القوم فيما أظهروا أنهم يتحرون ما فيه صلاحه وصلاح الأمة؟ فإما أن يقنعهم بما عنده، أو يقتنع بما يبدونه، فيرتفع ذلك الحوار، وتدفع عنه المثلات، لكنه أبى إلا أن يستمر على ما ارتآه وحبذه له المحتفون به الذين اتخذوه قنطرة إلى شهواتهم، ولذلك لم يتفاهم مع كعب إلا بالغلظة فقال له:
أأنت تعلمني. الخ. أنا لا أدري موقع هذا الكلام التافه، هل الكون في صلب رجل مشرك يحط من كرامة الانسان وقد آمن بالله ورسوله؟ إذن لتسرب النقص إلى الصحابة الذين نقلوا من أصلاب المشركين وارتكضوا في أرحام المشركات، وكثير منهم أشركوا بالله قبل إسلامهم، لكن الاسلام يجب ما قبله، وهل الأصلاب والأرحام إلا أوعية؟
ثم السبق إلى قراء الكتاب العزيز هل هو بمجرده يرفع من قدر الرجل حتى إذا لم يعمل به كما أجاب به وفصله كعب؟
ولا أدري ما يريد الخليفة بقوله: والله ما أظنك تدري أين ربك. هل هو يريد المكان؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وأي مسلم لا يعرف أن ربه لا يقله حيز، فإنه حري بالسقوط، وما أحسن جواب كعب من قوله: هو بالمرصاد، فإن كان يريد مثل ما قاله كعب فلماذا احتمل أن مثل كعب الموصوف بالفضيلة والتقوى لا يعرف ذلك؟
وهل يريد عندئذ إلا إهانة الرجل وهتكه؟
ثم ماذا كان في هذه المحاورة حتى عند مروان سكوت الخليفة عنه من الحلم وكلام كعب من الجرأة وثور الخليفة على الرجل؟ وهنالك انفجر بركان غضبه فأمر به فجرد وضرب وسير، وعوقب لنصحه وصلاحه، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
لقد أراد القوم أن يزحزحوا التبعة عن عثمان فاختلق كل شيئا من غير تواطؤ بينهم حتى يفتعلوا أمرا واحدا، ففي ذيل هذه الرواية إن الخليفة ندم على ما فعل وتاب بعد توبيخ طلحة والزبير إياه واستعفى الرجل فعفى عنه، ولم يعلم المتقول أن خليفة لا يملك طيشه حيث لا موجب له لا يأتمن على دين ولا دنيا، فإن من الممكن عندئذ أن يقتحم المهالك حيث لا موبخ فيستمر عليها فيهلك ويهلك، وإن مما قاله الخليفة نفسه يوم الدار عن الثائرين عليه: إنهم يخيروني إحدى ثلاث: إما يقيدونني بكل رجل أصبته خطأ أو صوابا غير متروك منه شئ، فقلت لهم: أما إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب فلم يستقد من أحد منهم. الخ. وهذه الكلمة تعطينا أنه ما كان يتنازل للإقادة حتى في أحرج ساعاته المشارفة لقتله، فكيف بآونة السعة وساعة المقدرة؟
فما يزعمه هذا الناحت لذيل الرواية من أنه تنازل لكعب لأن يقيده بنفسه لا يكاد يلائم مع هذه النفسية، ولو كان فعل شيئا من ذلك لتشبث به في ذلك المأزق الحرج.
وهناك رواية أخرى جاء، بها الطبري من طريق السري الكذاب المتروك عن شعيب المجهول عن سيف الوضاع المرمي بالزندقة المتفق على ضعفه (3) عن محمد وطلحة أن كعبا كان يعالج نيرنجا (4) فبلغ ذلك عثمان فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك فإن أقر به فأوجعه فدعا به فسأله فقال: إنما هو رفق وأمر يعجب منه فأمر به فعزر وأخبر الناس خبره وقرأ عليهم كتاب عثمان: إنه قد جد بكم فعليكم بالجد وإياكم والهزال فكان الناس عليه وتعجبوا من وقوف عثمان على مثل خبره فغضب فنفر في الذين نفروا فضرب معهم فكتب إلى عثمان فيه، فلما سير إلى الشام من سير سير كعب بن ذي الحبكة ومالك بن عبد الله وكان دينه كدينه إلى دنباوند لأنها أرض سحرة فقال في ذلك كعب بن ذي الحبكة للوليد.

لعمري لئن طردتني ما إلى التي * طمعت بها من سقطتي لسبيل
رجوت رجوعي يا ابن أروى ورجعتي * إلى الحق دهرا غال ذلك غول
وإن اغترابي في البلاد وجفوتي * وشتمي في ذات الإله قليل
وإن دعائي كل يوم وليلة * عليك بدنباوندكم لطويل

فلما ولى سعيد أقفله وأحسن إليه واستصلحه فكفره فلم يزدد إلا فسادا (5) شوه الطبري صحيفة تاريخه بمكاتبات السري وقد أسلفنا في الجزء الثامن أنها موضوعة كلها، اختلق الرجل في كل ما ينتقد به عثمان رواية تظهر فيها لوائح الكذب، يريد بها رفاء لما هنالك من فتق، وهو الذي قذف أبا ذر ونظرائه من الصالحين، غير مكترث لمغبة الكذب والافتراء، ومن ملامح الكذب في هذه الرواية أن تسيير من سير إلى الشام من قراء الكوفة ونساكها وضرب كعب إنما هو على عهد سعيد بن العاص لا الوليد بن عقبة كما زعمه مختلق الرواية.
وإن كتاب عثمان إلى الوليد لا يصلح ولم يؤثر في أي من مدونات التاريخ والسير ولو كان تفرد به أناس يوثق بهم لكان مجالا للقبول، لكن الرواية كما قيل:
صحاحهم عن سجاح عن مسيلمة * عن ابن حيان والدوسي يمليه
وكلهم ينتهي إسناد باطله * إلى عزازيل منشيه ومنهيه (6)
على أنه يقول فيها: إن وليدا قرأه على رؤس الاشهاد، كأنه يحاول معذرة عما أرتكب من كعب، وإنه كان برضى من المسلمين، ولو صحت المزعمة لكانت مستفيضة إذ الدواعي كانت متوفرة على نقلها، لكنهم لم يسمعوها فلم يرووها، مضافا إلى أن المعروف من كعب بن عبدة أنه كان من نساك الكوفة وقرائها كما سمعته من كلام البلاذري وغيره لا ممن يتلهى بالنيرنجات وأشباهها.
وإن تعجب فعجب ان صاحب النيرنج - لو صدقت الأحلام - يعزز ويعاقب، ومعاقر الخمور وليد الفجور لا يحد لشربه الخمر إلا بعد نقمة الصحابة على خليفة الوقت من جراء ذلك، ثم يكون مقيم الحد عليه غيره وهو مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ولم يكن في أولئك المسيرين من يسمى مالك بن عبد الله وإنما كان فيهم مالك بن الحارث الأشتر، ومالك بن حبيب الصحابيان كما تقدم ذكرهما.
وأبيات كعب تناسب أن يخاطب بها عثمان لا الوليد فإنه هو ابن أروى بنت كريز وفيها صراحة بسبب اغتراب كعب وجفوته وشتمه، وإنها كانت في ذات الله، يقول ذلك بملأ فمه ولا يرد عليه راد بأنها ليست في ذات الله وإنما هي لأنه كان يعالج نيرنجا.
هكذا لعبت بالتاريخ يد الأهواء والشهوات تزلفا إلى أناس وانحيازا عن آخرين، فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.
____________
(1) بفتح المهملة وتضم ويقال: دنباوند، ودماوند بالميم بدل الموحدة: كورة من كورة الري
(2) أنساب البلاذري 5: 41 - 43، تاريخ الطبري 5: 137، الرياض النضرة 2: 140 - 149، شرح ابن أبي الحديد 1: 168، الصواعق ص 68، واللفظ للبلاذري.
(3) راجع ما مر في ج 8: 84، 140، 141، 326 333 من كلمات الحفاظ حول رجال الاسناد.
(4) النيرج والنيرج: أخذ كالسحر وليس به.
(5) تاريخ الطبري 5: 137.
(6) البيتان من قصيدة للشريف ابن فلاح الكاظمي.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page