• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الشاهد الثاني

أما شاهد اللجنة الثاني وهو ابن كثير، وما أدراك ما ابن كثير، وما أراك ما كتاباه في التفسير والتاريخ؟ مجاميع الفحش، وموسوعات البهت، وكراريس الدجل، ومن تدجيله هاهنا ما ادعاه من نسبة تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال إلى أبي ذر و إنه كان يفتي به ويحثهم عليه. الخ. على حين إنه لا يوجد لأبي ذر أي فتوى تصرح أو تلوح بذلك التحريم أو حث له على ذلك أو أمر به أو تغليظ فيه، غير ما لفقه الأفاكون في الأدوار المتأخرة من عزو مختلق، نعم: وربما يتخذ مصدرا لهذه الأفائك ما شوه به الطبري صحيفة تاريخه من مكاتبة السري الكذاب من طريق شعيب المجهول عن سيف الساقط المتهم بالزندقة، الذين عرفت موقفهم من الدين والصدق والأمانة وعرفت حال روايتهم خاصة في ص 328326، وغير خاف ذلك على مثل ابن كثير و من لف لفه، لكنهم نبذوا الرجل نبذة ليسقطوه عن محله، ويسقطوا آرائه عن الاعتبار فتشبثوا بالحشيش كالغريق، لكنهم خابوا وفشلوا، وإنما المأثور عنه تلاوة الآية الكريمة، ونقل السنة الواردة عن نبي الاسلام في اكتناز الذهب والفضة، وأما الآية الكريمة فقد عرفت مقدار دلالتها وإن الخلاف لواقع بين أبي ذر ومعاوية إنما هو بالنسبة إلى نزولها دون المفاد، وإنه لو صحت النسبة لوجب قذفهما معا أو تبرئتهما معا.
علي أن لأبي ذر في ما ادعاه من شأن الآية مصافقون فروى ابن كثير نفسه عن ابن عباس: إنها عامة. وعن السدي أنه قال: هي في أهل القبلة. فهو أيضا يوافقه في الجملة.
وفي تفسير الخازن 2: 232: قال ابن عباس والسدي: نزلت في مانعي الزكاة من المسلمين، وقال القرطبي في تفسيره 8: 123: قال أبو ذر وغيره: المراد بها أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين، وهو الصحيح لأنه لو أراد أهل الكتاب خاصة لقال: و يكنزون بغير " والذين " فلما قال: " والذين " فقد استأنف معنى آخر يبين إنه عطف جملة على جملة، فالذين يكنزون كلام مستأنف وهو رفع على الابتداء، قال السدي: على أهل القبلة.
وقال الزمخشري في الكشاف 2: 31: ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنفقين. وقال البيضاوي في تفسيره 1: 499: ويجوز أن يراد به المسلمون الذين يجمعون المال ويقتنونه ولا يؤدون حقه. وقال الشوكاني في تفسيره 2: 339: والأولى حمل الآية على عموم اللفظ فهو أوسع من ذلك. وقال الآلوسي في تفسيره 10: 87:
والمراد من الموصول إما الكثير من الأحبار والرهبان، وإما المسلمون وهو الأنسب لقوله: ولا ينفقونها في سبيل الله.
فرأي أبي ذر أخذا بمجاميع هذه الكلمات هو الصحيح والأنسب والأولى، وما تفرد به بل ذهب إليه آخرون، فلماذا لا يقذفون هؤلاء بما قذف به أبو ذر، وهل لأبي ذر حساب آخر يسوغ الفرية عليه دون أولئك؟ نعم. نعم.
وأما السنة فقد روى نظير ما رواه غير واحد من الصحابة، لكن القوم لم يضمروا على أحد منهم من الحقد ما أضمروه على أبي ذر لمكان رأيه في الإمامة منذ الصدر الأول، ونزعته العلوية التي لم يزل مجاهرا بها، ومناوئته للبيت الأموي، فحاولوا تشويه ذكره وتفنيد رأيه بكل ما تيسر لهم، فمن أولئك الصحابة:
1 - عبد الله بن مسعود قال: دخل النبي صلى الله عليه وآله على بلال وعنده صبرة من تمر فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: أعد ذلك لأضيافك. قال: أما تخشى أن يكون لك دخان في نار جهنم؟ أنفق بلال! ولا تخش من ذي العرش إجلالا.
رواه البزاز بإسناد حسن والطبراني في الكبير وقال: أما تخشى أن يفور له بخار في نار جهنم؟.
2 - أبو هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وآله عاد بلال فأخرج له صبرا من تمر فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: ادخرته لك يا رسول الله! قال: أما تخشى أن يجعل لك بخار في نار جهنم؟
أنفق يا بلال! ولا تخش من ذي العرش إقلالا.
رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن.
3 - أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا توكي فيوكا عليك. وفي رواية: أنفقي، أو أنفحي، أو أنضحي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك. رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
4 - بلال مرفوعا: يا بلال! مت فقيرا ولا تمت غنيا، قلت: وكيف لي بذلك؟ قال ما رزقت فلا تخبأ، وما سئلت فلا تمنع. فقلت: يا رسول الله! وكيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك أو النار.
رواه الطبراني في الكبير، وابن حبان في كتاب الثواب، والحاكم وصححه.
5 - أنس بن مالك قال أهديت للنبي ثلاث طوائر فأعطى خادمه طائرا فلما كان من الغد أتته بها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد، فإن الله يأتي برزق غد. رواه أبو يعلى والبيهقي ورجال أبي يعلى ثقات.
6 - أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يدخر شيئا لغد.
رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي.
7 - سمرة بن جندب مرفوعا: إني لألج هذه الغرفة ما ألجها خشية أن يكون فيها مال فأتوفى ولم أنفقه. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.
8 - أبو سعيد الخدري مرفوعا: ما أحب أن لي أحدا ذهبا أبقى صبح ثالثة و عندي منه شئ إلا شئ أعده للدين.
رواه البزار وهو إسناد حسن وله شواهد كثيرة.
9 - أبو أمامة: إن رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يوجد له كفن فأتي النبي صلى الله عليه وآله فقال: انظروا إلى داخلة إزاره فأصيب دينار أو ديناران فقال: كيتان
10 - توفي رجل من أهل الصفة فوجد في مئزره دينار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كية. ثم توفي آخر فوجد في مئزرة ديناران، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كيتان.
رواه أحمد والطبراني من عدة طرق، وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الله ابن مسعود.
11 - سلمة بن الأكوع قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله فأتي بجنازة ثم أتي بأخرى فقال: هل ترك من دين؟ قالوا: لا. قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: نعم ثلاثة دنانير. فقال باصبعه: ثلاث كيات.
أخرجه أحمد بإسناد جيد وابن حبان في صحيحه باللفظ المذكور والبخاري نحوه 12 - أبو هريرة: إن أعرابيا غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر فأصابه من سهمه ديناران فأخذهما الأعرابي فجعلهما في عباءة فخيط عليهما ولف عليهما، فمات الأعرابي فوجد الديناران فذكر ذلك لرسول الله فقال: كيتان.
رواه أحمد وإسناد حسن لا بأس به.
هذه جملة من تلكم الأحاديث، وقد جمعها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 1: 253 258.
13 - أخرج أحمد في مسنده 1: 300 من طريق ابن عباس قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفت إلى أحد فقال: والذي نفس محمد بيده ما يسرني إن أحدا يحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت ادع منه دينارين إلا دينارين أعدهما للدين إن كان.
14 - أخرج ابن كثير نفسه في تفسيره 2: 352 من طريق عبد الله بن مسعود:
والذي لا إله غير لا يكون عبد يكنز فيمس دينار دينارا ولا درهم درهما ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على حدته.
رواه سفيان عن عبد الله بن عمر بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود، ورواه ابن مردويه عن أبي هريرة.
15 - حكى ابن كثير عن أبي جعفر ابن جرير الطبري من طريق ثوبان مرفوعا:
من ترك بعده كنزا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يتبعه ويقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك. ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثم يتبعها سائر جسده. قال: ورواه ابن حبان في صحيحه.
16 - ونقل في ص 353 عن ابن أبي حاتم بإسناده من طريق ثوبان مرفوعا: ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله بكل قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه.
17 - وذكر عن أبي يعلى بالإسناد من طريق أبي هريرة مرفوعا: لا يوضع الدينار على الدينار، ولا الدرهم على الدرهم، ولكن يوسع جلده فيكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.
18 - أخرج أحمد من طريق عبد الله بن أبي الهذيل قال: حدثني صاحب لي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: تبا للذهب والفضة وقال: إنه انطلق مع عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله! قولك: تبا للذهب والفضة. ماذا ندخر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة تعين على الآخرة. تفسير ابن كثير 2: 351.
19 - أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة من طريق سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال: لما نزلت في الذهب والفضة ما نزل قالوا: فأي المال نتخذ؟ قال عمر: فأنا أعلم لكم ذلك فأوضع على بعير فأدركه وأنا في أثره فقال: يا رسول الله! أي المال نتخذ؟
قال: قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة تعين أحدكم على أمر الآخرة.
20 - وقبل هذه كلها ما أخرجه إمام الحنابلة أحمد في مسنده 1: 62 من طريق عثمان بن عفان من أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: كل شئ سوى ظل بيت، وجلف الخبز، وثوب يواري عورته والماء، فما فضل عن هذا فليس لابن آدم فيهن حق. وأخرجه أبو نعم في حلية الأولياء 1: 61.
هذه الأحاديث أخرجها أئمة الفقه وحفاظ الحديث وأعلام التفسير في تآليفهم محتجين بها لما ارتأوه من الترغيب إلى الزهد والتطوع بالانفاق، والترهيب عن الاكتناز والادخار، ولم يتكلم أحد منهم في راو من رواتها، وما أتهم أي منهم بما اتهم به أبو ذر، فإن كان للتأويل والحمل على معنى صحيح فيها مجال فهي وما رواه أبو ذر على شرع سواءا فأي وازع عن تأويل ما جاء به أبو ذر؟ ولماذا رشقوه بين أولئك الصحابة بنبال القذف؟ مع أن أبا ذر لم يكن هتافه ذلك للدعوة إلى تهذيب النفس بالزهادة في حطام الدنيا والفوز بمراتب الكمال، وإنما كان نكيره على أمة اتخذت كنوزا مكدسة من الذهب والفضة على غير وجه حلها كما فصلنا القول في ذلك تفصيلا.
وإذ لم يجد ابن كثير شاهدا قويما لما ادعاه من أقوال أبي ذر تشبث بعمله فقال:
وقد أحضره رضي الله عنه وهو عنده هل يوافق عمله قوله فبعث إليه بألف دينار ففرقها من يومه ثم بعث إليه الذي أتاه بها فقال: إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت فهات الذهب فقال: ويحك إنها خرجت ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به.
وليس فيه إلا زهد أبي ذر المهلك سبده ولبده، ولم يكن عمله هذا عن فتوى و لا إيجاب، وإنما كان تطوعا ومبالغة في الزهادة والجود، وقد سبقه إلى ذلك سيد البشر صلى الله عليه وآله، عاش صلى الله عليه وآله كما عرفت ومات ولم دع دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا، وترك درعه رهنا عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير (1) وحذا حذوه آله سلام الله عليهم الذين كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (2) الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة وهم راكعون (3) الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية (4) وقد خرج الإمام السبط الحسن الزكي من ماله مرتين، وقاسم الله عز وجل ماله ثلاث مرارا حتى أن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا، ويعطي خفا ويمسك خفا (5)
وما أكثر الزهاد أمثال أبي ذر في أمة محمد صلى الله عليه وآله وقد أفنت الزهادة كل مالهم من ثمة ورمة وقد عد ذلك في الجميع فضيلة يذكرون بها ويشكرون عليها إلا في أبي ذر شبيه عيسى بن مريم في الأمة المرحومة فاتخذوه مدركا لتلك الفتوى المزعومة غفرانك اللهم وإليك المصير.
____________
(1) طبقات ابن سعد ط مصر رقم التسلسل 836، 837، مسند أحمد 1: 300، تاريخ الخطيب البغدادي 4: 396.
(2) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث 107 111 ط 2.
(3) راجع ما فصلناه في الجزء الثاني ص 47، 52، ج 3: 163155 ط 2.
(4) نزلت في أمير المؤمنين كما مر في هذا الجزء. ص 54.
(5) حلية الأولياء 2: 38، صفة الصفوة 1: 330، الصواعق ص 82.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page