• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الكوفة الولادة الجديدة

 

الكوفة الولادة الجديدة

لم يكد سعد بن أبي وقّاص يستقرّ في المدائن بعد قفوله من معركة القادسيّة، حتّى بعث وفداً إلى العاصمة الإسلاميّة المدينة وقتذاك، فلمّا نظر عمر إلى أجسادهم قد تغيّرت، وألوانهم قد شحبت، تساءل عمّا أحدثته الأيّام بهم، فقالوا إنّ وخومة المدائن أخذت منّا ومن أجسادنا فلا  تقرّ لنا هجعةً، ولا  ترقى لنفوسنا أمزجةٌ نقوى بها على ما نحن عليه قادمون .

                فقضى عمر حوائجهم كأسرع ما يكون، وكتب إلى سعد أن يرى مكاناً يوافق أمزجتهم بما يوافق معها إبلهم، فإذا صلحت إبلهم صلحت شؤونهم، هكذا هم العرب يوافقون بأمزجتهم ما وافق به أمزجة إبلهم .

                ولم يكد عمر أن يقدم على تمصير مدينة حتّى يتشاور مع ذوي الخبرة والمعرفة، ولم يجد غير عليٍّ (عليه السلام) قد عرف ما يصلح مصالح النّاس، فأشار عليه أن يبعث بسلمان الفارسي وحذيفة ـ وهما كما هو معروف حليفان عليّ (عليه السلام)لا  يتوافقان مع عمر في كثير من مواقفهما، وليس هنا محلّ ذكره ـ وما يدلّ على اختيار عليّ لاستشارته واختياره الكوفة مصراً جديداً، ما دفع عليّ (عليه السلام) بُعيد تولّيه الخلافة أن يجعل العاصمة الإسلاميّة الجديدة الكوفة ; للخصوصيّات التي تميّزت بها هذه المدينة الاستراتيجيّة([1]) .

                وكان عليّ (عليه السلام) قد نصح عمراً بتمصير الكوفة، وتنبّأ بيومها الموعود ومستقبلها المشرق، فقال عليّ (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين، والله إنّ الكوفة للهجرة بعد الهجرة، وأنّها لقبّة الإسلام، وليأتينّ عليها يوم لا  يبقى مؤمن إلاّ أتاها وحنّ إليها، والله ! لينصرنّ بأهلها كما انتصر بالحجارة من قوم لوط .

                ولعلّ هذه النبوءة ستكشف خطورة الكوفة في رسم الأحداث ومشاركتها في قرارات الدولة الإسلاميّة القادمة .

                ويتّفق الجميع على تمصير الكوفة، تلك الأرض السهلة ا لحمراء رملها المخلوطة بالحصباء، وكلّ ما كانت كذلك فهي « كوفة » وليس كما يظنّ بعضهم أنّها كانت مدينة لعدد من الأعراب، كما أنّ السهلة ما كانت أرضها ذات رمل أحمر لا  تشوبها حصباء فتسمّى بالسهلة .

                وما كان من الريف ما يلي الفرات فهو الملطاط، وما كان يلي الطين فهو النجاف، ولعلّ هذا هو أحد أسباب التسمية بالنجف نجفاً، ويأمر سلمان وحذيفة وغيرهما من المسلمين بعد أن كتبوا إلى عمر يُعلمونه ما اتّفق عليه الرأي بتمصير هذه الكوفة الحصباء، ولا  يجد الخليفة غير التسليم لواقع الحال، وتفويض الأمر إلى تلك العصابة من الأخيار ليؤسّسوا ـ على بركة الله ـ مسجدها الذي حدّدته سهام أحد الرماة لجهاتها الأربعة، وما دون ذلك فليشيّدوا أكواخهم القصبيّة المتواضعة، فإنّ سعداً بأمر الخليفة لا  يرى ضرورة عمران بيوت الآجر، والمسلمون ينبغي لهم أن يعيشوا شظف العيش ومرارته في أكواخ القصب التي ترمز إلى شعار عمر في الزهد والتقشّف، إلاّ أنّ قرار الخليفة لا  يشمل سعداً وحياة سعد، فلسعد ابن أبي وقّاص أن يبني قصره الشامخ جوار المسجد الكوفي الجديد، وأن يعلو ببنيانه كلّ شيء دون غضاضة أو حزازة يجدها الخليفة لسعادة سعد، ولم يتخلّف سعد عن الاستغاثة بالمجوسي روزبه، وهو مهندسٌ كسرويٌّ حاذق فرّ من كسرى ولجأ إلى الروم، ثمّ أسلم كما يُقال .

                ولم يكد يستقرّ سعدٌ في مقرّه الجديد حتّى أظهر اُبّهة الملك وجبروت الأكاسرة حين كانت الحيرة عاصمتهم، وهي لا  تبعد عن الكوفة إلاّ قليلاً، حتّى أنـّه أمر بنقل أحجار قصور الأكاسرة في الحيرة لبناء قصره إيغالاً في تقليد ملكهم، ولعلّ سعداً قد تفاقمت كسرويّته وهو يجوب بلاد فارس إبّان فتحه لها، فجاشت في نفسه عظمة جبابرتهم، ونزع إلى تقليدها ومحاكاتها . وفي هذه الأثناء من شهر شوّال يلتهم حريقٌ مفاجئٌ بيوت المسلمين الضعفاء فيفنيها عن آخرها، عند ذاك أمر الخليفة ببناء بيوت الآجر المتواضعة، وأن لا  يزيد أحدهم على ثلاثة أبيات، ولا  يتطاولوا في البنيان، وهذه رغبة الخليفة عمر خوف السرف والتبذير، دون سعد ابن أبي وقّاص، فإنّ لسعد عند الخليفة سعادة الاختيار . ولم تكن مهمّة العمران عند الخليفة وصاحبه سعد بقضيّة ذات بال، كما كان لتمصير المدينة الجديدة من قبائل العرب ومواليها، فلها أهمّيتها السياسيّة والأمنيّة مستقبلاً . فالتخطيط العمراني لدى سعد سيكون من الأهمّية بمكان، وتوزيع القبائل قربها وبعدها من المسجد على أساس ولاءاتها، فالجغرافية البلديّه لمدينة الكوفة سترتسمها الولاءات الحزبيّة للدولة المتمثّلة بالخليفة، وللإقليم المتمثّل بالوالي .

                فأنزل في ودعة الصحن سليماً وثقيفاً، وهمدان على طريق، وبجيلة على طريق آخر، وتيم اللات وتغلب على آخرهم، وأنزل في قبلة الصحن بني أسد على طريق، وبين بني أسد والنخع طريق، وبين النخع وكندة طريق، وبين كندة والأزد طريق، وأنزل في شرقي الصحن الأنصار ومزينة على طريق، وأسد وعامر على طريق، وأنزل في غربيّ الصحن بجالة وبجلة على طريق، وجديلة وأخلاط على طريق، وجهينة وأخلاط على طريق، وسائر النّاس بين ذلك ومن وراء ذلك .

                والمتمعّن لهذا التوزيع السكّاني سيجد أنّ ولاءات القبيلة ستقربها إلى قصر سعد، وهو القصر الرسمي الذي تُدار منه البلاد، وقربهم إلى القصر أو بعدهم يتناسب وإظهار الولاء للوالي التي ستشكّل هذه القبائل حزاماً أمنيّاً يصعب اختراقه عند الأزمات .

                هكذا هي الكوفة قاعدة عسكريّة مهمّة تتوزّع فيها الولاءات الحزبيّة قبل ولاء القبيلة، فللكوفة شأن غير شأن الاُخريات من المدن التي مصّرها المسلمون إبّان عهد عمر، كالبصرة، أو التي افتتحها في عهده، كالمدائن، أو التي أقضّ مضجعها الفتح فاُحيلت إلى أطلال الأكاسرة، كالحيرة، فإنّها مدن هي إلى الاستقرار أقرب منها إلى الحركة والهياج السياسي، كما هي كوفة الجند .

                بعد أن استقرّ الحال بقبائل الكوفة، واختطّوا خططها بعد مسجدها العامر، توزّع في تلك الكوفة شتات الجيوش وبقايا عساكر فارس لينضمّوا إلى المدينة الجديدة التي أخذت من دارة الخلافة أمراً مهمّاً حرصت معه إلى ترسيم حدودها الولائيّة قبل خارطتها السكّانيّة، فإنّ للكوفة بعد ذلك شأناً من الشأن، يتنافس ذوو السلطان على ولائها، أو قل على أن يأمنوا ما هم يحتملون من شرّ تمرّداتها ما يحملهم على الكثير في دفع ثمن هذه الاتّجاهات العسكريّة « المسيّسة » .

                كان جند شاهنشاه (امبراطور فارس) يشكّلون قوّة عسكريّة ضاربة يستعين بهم رُسْتَم (قائد جيوش الفرس) حتّى بلغ بهم عددهم إلى أربعة آلاف مقاتل، فلمّا انهزم رُسْتَم انحازوا إلى المسلمين إلى أن ينزلوا حيث أحبّوا، ويفرض لهم العطاء، وكان نقيبهم ديلم، فقيل لهم : « حمراء ديلم » .

                ولم يكد زياد أن يستأمن شرّهم وأن ينتصر بقوّتهم حتّى عزم على تفريقهم، فسيّرهم إلى الشام بأمر معاوية، فسمّوا هناك بالعجم، واُلحق بعضهم إلى البصرة، فدخلوا في الأساورة، فكانوا منهم  .

                ولعلّ هؤلاء الحمراء كانوا ينتسبون بالولاء إلى عليّ بن أبي طالب لمّا كان علىّ (عليه السلام) يعاملهم معاملة الإنسان المستضعف، فضلاً عن كونهم الأيدي العاملة الفنّية الناشطة في إعمار الكوفة وتأسيسها، في حين كان عمر يتوجّس منهم فينزع إلى إضعاف قوّتهم لئلاّ يكونوا في يوم ما قوّةً ضاربة تخترق قرارات الخلافة، فيكون لهم شأن المعارضة القوّية التي لا  يستطيع عمر أو غيره من صدّها، هكذا كان عمر مع هؤلاء الحمراء حتّى عمد إلى إضعاف قوّتهم الاقتصاديّة، فأبخس في عطاءاتهم، إلاّ أنّ عليّاً أنصفهم، فجعلهم كأهل الذمّة، أو كالمسلمين الذين حسن إسلامهم . وهكذا ورث هذا التوجّس زياد ومن تلاه .

                كان أبرويز وجّه إلى الديلم، فأتى بأربعة آلاف من خدمه وخاصّته، فلمّا انهزم المجوس أقاموا في الكوفة، فصاروا قوّة يحسبون لها حسابها .

                وليس الزطّ وهم السيابجة قوم من السند والسودان نزلوا البصرة بمنأىً عن الكوفة وتمصيرها، فلهم في ذلك حظوة المشاركة في إعمارها وبناء خططها، فهم يتحالفون مع بني حنظلة ليكون لهم حظّ من فتح البصرة حين الجمل ليلتحقوا بحشود عليّ العسكريّة، ثمّ ينزح بعضهم إلى الكوفة فيشكّلوا قسماً من سكّانها، ومعلوم أنّ هذه التشكيلة السكّانيّة الخطيرة ستفتح آفاق الانتماء السياسي والتعدّديّة الحزبيّة التي تعجُّ بها الكوفة، إلاّ أنّ ذلك لا  يلغي أهمّيتها، هي تراكمات آراء تعصف بالقرار السياسي القادم من دارة الخلافة، ولا  نبالغ أن نقول : إنّ القرار السياسي للخليفة لا  يتحرّر من عقالهِ ما لم يمرّ بهذه التيّارات السياسيّة المتشابكة والمضطربة أحياناً . أي ستكون الكوفة حاضرة سياسيّة تقرّر في كثير من الأحيان توجّهات الخلافة .

                وفي مشتبك هذه الآراء ستشكّل الكوفة « مرتعاً » سياسيّاً لكثير من القرارات، وهي العقدة التي كانت تؤرّق الخلافة في المدينة، فنضوج القرار السياسي لا  يتمّ إلاّ إذا مرّ في طبخة كوفيّة يصادق عليه أهل الرأي من قبائل إلى موالي إلى غيرهم و هؤلاء الحمراء من الزطّ والسيابجة، والفرس الأساورة، لم يكونوا التشكيلة العمّاليّة العاكفة على عمران الكوفة فحسب، دونما يكون لها حضورها في المصادقة على القرارات الصادرة عن الخليفة، ولم يكن بوسع أحد من هؤلاء حلّ مشكلة هذا الاضطراب الثقافي والانتماء السياسي ما لم يكن قريباً من مركز الغليان الكوفي بكلّ توجّهاته، وبالفعل فإنّ عليّاً بادر إلى الرحيل الكوفي ليؤسّس عاصمته على أساس تلك الثقافات المتعدّدة والحضارات المختلفة، وليكون إليها قريباً يأخذ بحجزة آرائهم، ويروّض هذا الهياج السياسي، ومن ثَمّ سيجعل من هؤلاء وغيرهم شيعة لهم وزن في المعادلات السياسيه و دور في الاحداث القادمة سلباً و ايجاباً.

                كان النسيج الاجتماعي نسيجاً معقّداً من التيّارات السياسيّة التي لا  يقرّ لها قرار، وكان علىّ (عليه السلام) يتدافع مع أذواق هؤلاء الذين يستجيبون لرغباتهم، ويخنعون لأهوائهم، فتراهم يتردّدون بين الفينة والاُخرى بقراراتهم وانتسابهم .

                ولم يكن لتشعّب الآراء أثره في الذوق الكوفي على القرارات الصادرة من الخليفة بقدر ما تعدُّ في كثير من الأحيان معارضةً خطيرة تفتك بقرارات الخليفة .

                ولم تمرّ على هذه القاعدة العسكريّة مدّة من الزمن حتّى صارت « كوفة الجند » هي كوفة القرار السياسي، فهي العاصمة الجديدة المكتظّة بالاتّجاهات الجديدة، تنافس اليوم العاصمة المدينة التي باتت تقليديّة حتّى في إبداعاتها، وهي اليوم لم تُعطِ البريق السياسي الذي كان إبّان عهد النبوّة، والابداع يتجدّد باكتظاظ الآراء الجديدة والتوجّهات المختلفة كما في كوفة الجند اليوم، وعليٌّ أراد أن يقتحم وسط الأحداث فينزل فيها خليفة ومروّضاً ومؤدّباً لإحداث كوفة الجند هذه .

                وتتفاقم الولاءات السياسيّة لدى الكوفيّين، وتتضخّم شخصيّتهم بتعاظم الأحداث الكامنة خلف مفاجئات الأحداث . فتنقسم الكوفة على نفسها في ولائها للخليفة الجديد، وتتعدّد رغباتها بتعدّد أطيافها السكّانيّة والسياسيّة، وتتمخّض عن ولادات جديدة من الحركات المؤيّدة للإمام والمناوئة له، وكان أشدّها عليه اُولئك الخوارج الذين تفلسفوا على أنقاض أحداث صفّين حين رفعت المصاحف فانحازوا إلى عواطفهم ولم يحكّموا عقولهم، وتتفاقم مشكلة الخوارج حتّى باتت معارضةً ناشطةً تقف بوجه عليّ وأولاد عليّ (عليهم السلام) .

                وإذا تشعّبت الكوفة سكانيّاً فقد تشعّبت في ولاءاتها السياسيّة، وتأييدها العقائدي .

                إذن فالكوفة بقدر ما هي شيعيّة الولاء، فهي متحزّبة لآرائهاالخاصّة ومصالحها الشخصيّة، وفي الوقت نفسه فهي منحازةٌ إلى ما تمليه عليه رغباتها، حتّى لا  يظهر من شيعة عليّ الكوفيّين سوى نتف من التجمّعات القبائليّة، أو تجمّعات من الذين عاهدوا الله فعاهدوا عليّاً بالنصرة والذبّ عنه وعن أولاده الميامين .

                ولا  تعني الكوفة سوى بحبوحة ولاء تتركّز بقوّة في مناطق النفوذ الشيعي القبائلي، وتخبو حتّى تغيب ضمن تيّارات الولاء السياسي وباعة مصالح السلطان، ونتوءات الخوارج، وفقاعات الآراء الجديدة المتشدّقة بفلسفات مناوئة لخطّ الإمامة .

                من هنا سنعرف الكوفة المضطربة في ولاءاتها للإمام حيناً، أو القائمة على عهدها في النصرة والدفاع أحياناً اُخرى . فاُولئك الناكصون لم يكونوا شيعته ومريديه، بل هم قومُ سلطان وذوو مصالح، وهؤلاء المتربّصون لندائه واستجابته شيعته وأتباعه ومريدوه، والشيعة بالنسبة إلى الأعداد الهائلة من الانقسامات السياسيّة لا  يشكّلون إلاّ نسبّه ضئيلة لا  تقوى على تغيير المواقف أو توجيه الأحداث لصالح طاعة الإمام، ولعلّنا نستذكر ما أقدم عليه أبو موسى الأشعري من تثبيط النّاس عن الالتحاق بالإمام في معركة الجمل، أو ما اتّخذه من موقف المتخاذل المتوقّف عن بيعة الإمام عليّ (عليه السلام)، حتّى حرّض مالك الأشتر على بيعته، فجعل يده اليمنى يد الإمام، واليسرى يده، فصفق هذه على هذه رامزاً إلى أخذ البيعة للإمام وتبعه الكوفيّون .

                وتتجاذب الكوفة في ولاءاتها، والغلبة للمتخاذلين الذين يثبّطون النّاس عن نصرة الإمام وبيعته، وهكذا عانى الإمام عليّ (عليه السلام) من هؤلاء الذين يعشعشون في العقليّة العامّة بكلّ تخبّطاتها وتشكيكاتها، وتبقى لشيعة الإمام عليّ (عليه السلام) محض الإخلاصوالوفاءللإمامة الممتدّة من عليّ(عليه السلام) مروراً بالحسن(عليه السلام) حتّى الحسين(عليه السلام) .

                وحيث تتحرّك قافلة الحسين (عليه السلام) متّجهة من مكّة إلى كربلاء تتحرّك معها قلوب شيعتهم فيغادروا معاقلهم إلى حيث البيعة والولاء، وينخرطوا إلى البيعة لمسلم وأخذ البيعة إليه، ويتكتّلون حوله، ويقيمون على أمره، ويجمعون له الأنصار، ويزوّدونه بالسلاح، ويأتون له بالأموال، حتّى إذا خذله النّاس من أهل المصالح ـ لا  من شيعة الإمام ـ أوعز إليهم بالتفرّق عنه وبأمر منه، فهم أهل الواقعة القادمة التي سيشهدها هؤلاء، يناورون بها أحداث الخذلان والنكوص، ويدّخرون نصرتهم لسيّدهم، وكان ذلك بأمر مسلم بن عقيل (عليه السلام)، حيث أمرهم بأن يتفرّقوا وينفضّوا من حوله ليدّخروا نفوسهم إلى نصرة سيّدهم، وهكذا فشيعته لم يخذلوه، بل نصروه حتّى في ساعة الشدّة وخذلان القوم، ولدينا من قوائم النصرة من شيعة الكوفيّين ما يجعلنا جازمين أنّ أنصارهم من أهل الكوفة لم يخذلوه، بل هم الذين مهّدوا لمسلم بن عقيل (عليه السلام) مهمّته، وسهّلوا له أمره، وأخذوا البيعة له من عامّة النّاس الذين خذلوه، فلمّا خذلوا مسلماً انفضّوا من حوله بأمر مسلم حفاظاً على حياتهم ليدّخرهم لنصرة الحسين (عليه السلام) وللوقعة الكبرى، وقائمةٌ من هؤلاء الذين كانوا مع مسلم بن عقيل في الكوفة بعد تفرّقهم واختفائهم ثمّ التحاقهم فور وصول الحسين (عليه السلام)إلى كربلاء دليل ولاء الكوفيّين من شيعتهم، ونصرتهم وعدم خذلانهم، فكان من أهمّهم :

                1 ـ برير بن خضير .

                2 ـ جابر بن الحجّاج .

                3 ـ جبلة بن عليّ الشيباني .

                4 ـ جنادة بن الحارث الأنصاري .

                5 ـ حبّاب بن الحارث .

                6 ـ حبيب بن مظاهر الأسدي .

                7 ـ ضرغامة بن مالك .

                8 ـ مسلم بن عوسجة .

                9 ـ عبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي .

                10 ـ عمرو بن خالد الصائدي .

                11 ـ يزيد بن حصين المشرقي .

                هؤلاء شيعة عليّ والحسين قادة الأحداث يتفرّقون بعد أخذ البيعة، ويناورون الجيش الأُموي للابقاء على أنفسهم لنصرة سيّدهم الحسين (عليه السلام)، فهم ليسوا بالمنهزمين، بل هم قادة الأحداث، ورجال المواقف الصعبة، أمّا اُولئك الذين تفرّقوا عن مسلم بن عقيل فهم متشيّعون وليسوا بشيعته وأتباعه، بل يتذبذب تشيّعهم بين الخوف من السلطان، إلى الرجاء فيما أيديهم من المال والجاه والملك .

                هذه هي الظروف الكوفيّة التي انطلق منها أنصار الحسين (عليه السلام)، وتلك هي التي تحكّمت في تحرّكاتهم، وحجّمت من نشاط آخرين، ومن بين زحمة الأحداث هذه كان للحضور الكوفي أنصاراً ومقاتلين ما طأطأ كلّ موقف لشرفهم وشهامتهم .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . لمزيد المعلومات راجع الطبري في تاريخه، وابن الأثير في كامله، وغيرهم في أحداث سنة 17هـ .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page