البشائر بنبوته (ص)
الروايات التي جاءت بالبشارة بنبوته كثيرة ومن بينها الحديث المعروف عن بحيراء الراهب، روي أن أبا طالب عندما خرج إلى الشام تاجراً اصطحب معه رسول الله (ص) فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيراء الراهب في صومعة له وكان اعلم أهل النصرانية وكان كثيراً ما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم، فلما نزلوا ذلك العام قريباً من صومعته صنع لهم طعاماً وذلك فيما يزعمون من شيء رآه وهو في صومعته في الركب حين اقبلوا وهو غمامة بيضاء تظله من بين القوم ثم اقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريباً منه نظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة وتبصرت أغصان الشجرة على رسول الله (ص) حتى استظل تحتها فلما رأى ذلك بحيراء نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش وإني أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم حركم وعبدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيراء ان لك اليوم لشأناً ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمر بك كثيراً فما شأنك اليوم ؟ قال له بحيراء: صدقت قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاماً تأكلون منه كلكم فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله (ص) من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة فلما رأى بحيراء القوم لم يجد الصفة التي يعرف فقال: يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا قالوا له: ما تخلف عنا أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام هو احدث القوم سناً تخلف في رحالهم. قال: فلا تفعلوا ادعوه حتى يحضر هذا الطعام معكم، فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى إن هذا اللوم بنا ان يتخلف ابن عبد المطلب عن الطعام من بيننا قال: ثم قام إليه فاحتضنه ثم اقبل به حتى اجلسه مع القوم فلما رآه بحيراء جعل يلحظ لحظاً شديداً وينظر إلى أشياء من جسده قد يجدها عنده في صفته حتى اذا فرغ القوم عن الطعام وتفرقوا قام بحيراء فقال: يا غلام اسألك باللات والعزى الا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له ذلك بحيراء لأنه سمع قومه يحلفون بهما فقال رسول الله (ص) لا تسألني باللات والعزى فوالله ما أبغضت كبغضهما شيئاً قط، فقال له بحيراء فو الله الا أخبرتني عما أسألك عنه، فقال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته واموره فجعل رسول الله (ص) يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيراء من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوّة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده، قال: لما فرغ بحيراء منه اقبل على عمه أبي طالب فقال: ما هذا الغلام منك ؟
قال: ابني. قال بحيراء: وما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام ان يكون أبوه حياً، قال: فإنه ابن أخي: قال: فما فعل أبوه ؟ قال: مات وأمّه حبلى به، قال: فانت ارجع بابن أخيك إلى بلده وأحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت منه ليبغنه شراً فانه كائن لابن أخيك هذا الشأن فاسرع به إلى بلده فخرج به عمه إلى بلده سريعاً حتى أقدمه مكّة حين فرغ من تجارته بالشام.
