• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الشعائر الحسينيّة اُسلوباً ومحتوىً

الصفحة (168)
ترى لماذا نحيي في كلِّ عام شعائر الإسلام في ذكرى استشهاد أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) ؟ ولماذا تتجدد هذه الذكرى مع مرور السنين ، وتتسع في كل عام ، وتنتشر عبر آفاق جديدة ؟
هذا السؤال ليس سؤالاً فقهياً أو علمياً محضاً ، بل هو سؤال واقعي يعيشه كل إنسان مسلم . وللإجابة عليه نقول : إنّ هذه الواقعة يعيشها كل قلب ، وكل فطرة ، وكل نفس بشرية .
وقد طرح عليّ هذا التساؤل اثنان من المستشرقين الالمان قائلين : لماذا يتغيّر كل شيء عندكم أيها الشيعة إذا اقترب هلال محرم , لا بضغط من حكومة ، ولا بمال من غني ، ولا بإعلام قوي ، بل بشكل عفوي , في حين أنّكم تعتقدون بقول نبيكم (صلّى الله عليه وآله) : (( مداد العلماء خير من دماء الشهداء )) ، فلماذا ترفعون راية الحسين بينما يقرّر رسولكم أن مداد العلماء خير من دماء الشهداء ؟
سر خلود الثورة الحسينيّة
وعندما أجبتهما على هذا السؤال قلت لهما : أوّلاً : إنّ الحسين (عليه السّلام) ليس شخصاً ، بل هو قضية ، وقيمة ، ومدرسة ، ومنهج ، ومسيرة ؛
________________________________________
الصفحة (169)
فهو (عليه السّلام) كالنبي إبراهيم الذي كان يمثّل اُمّة ، وكان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين ؛ ولذلك فإنّ جميع أتباع الديانات السماوية يقدّسون هذا الرجل ؛ لانه جسّد قيمة التوحيد ، ورفع راية (لا إله إلاّ الله) , فتحوّل إلى قيمة ؛ ولذلك قرّر القرآن الكريم أنّه كان اُمّة ، واستجاب له الله سبحانه وتعالى عندما قال : (وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)(الشعراء/84) .
وكما أنّ إبراهيم (عليه السّلام) جسّد قيمة ، فإنّ الحسين (عليه السّلام) قد جسّد قيمة هو الآخر ؛ فقد استشهد في سبيل العدل والحق ، ومن أجل الدين والحرية . ومن المعلوم أنّ هذه القيم ثابتة ، فلا يمكن أن يأتي زمان لا نحتاج فيه إلى الدين والعدالة والحرية ؛ فالحق هو فلسفة الحياة ، بل هو الحياة نفسها , وبدونه لا يمكن ان تستمر . وكما أنّ قيمة الدين والعدالة والحرية والحقّ وسائر القيم المقدسة مستمرة ، فإنّ قضية الإمام الحسين (عليه السّلام) مستمرة هي الاُخرى .
وفي القسم الثاني من الإجابة قلت لذينك المستشرقين : إننا نعيش اليوم تحت راية أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) ، ونحن أتباع أهل البيت (عليهم السّلام) لا يمكن أن نعيش بدونه ؛ لأنّ العيش بدونه يعني العيش بدون قيم ، وبدون دين واستقلال .
أهمّية المواكب الحسينيّة
ونحن كنّا وما زلنا نقيم المواكب الحسينيّة في كلِّ عام ؛ ففي أيام الأربعين يتقاطر الشيعة على مدينة كربلاء لتتحوّل إلى موكب حسيني كبير ، وهذه المواكب هي الناطقة عن قضية الإمام الحسين (عليه السّلام)
________________________________________
الصفحة (170)
وقضايا الشيعة في العالم الإسلامي ؛ فعلى سبيل المثال اُعدم قبل خمسة وأربعين عاماً مسلم إيراني بسيف آل سعود ظلماً وعدواناً ، وفي تلك السنة حملت جميع المواكب الحسينيّة التي وفدت إلى كربلاء راية هذا الرجل ، وبعد فترة كان النظام البائد في إيران يضطهد العلماء , فكانت المواكب الحسينيّة في العراق تنادي بالدفاع عن علماء إيران ، وبعد فترة اُخرى حدثت مجزرة ضد الشيعة في لبنان , فما كان من المواكب الشيعية في العراق إلاّ أن نادت بالدفاع عن الشيعة في لبنان .
وأنا اُوجّه كلامي هنا إلى اُولئك الذين يلوموننا على بكائنا في يوم عاشوراء , فأقول لهم : إنّنا نبكي بكاء الأبطال ، ولكي نصبح حسينيين . فمثل هذه الشعائر هي التي حافظت على الإسلام ، بلى هي التي حافظت علينا ـ نحن الشيعة ـ على مرّ التاريخ رغم كثافة المشاكل المحيطة بنا .
وهكذا فإنّ ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) كانت قضية فأصبحت قيمة ، وكانت واقعة فتحولت إلى راية . وكل إنسان في هذا العالم يريد أن يدافع عن قيمه وقضيّته وظلامته لا بدّ أن ينضوي تحت هذه الراية المقدّسة .
الشعائر الحسينيّة والأنظمة الطاغوتيّة
وقد أدركت الحكومة الطاغوتيّة عمق هذه الشعائر ؛ ولذلك فإنّها عمدت وتعمد إلى محاربة الشعائر الدينية للشيعة ، فهي تريد ـ في الحقيقة ـ أن تعزل الشيعة عن تأريخهم .
ففي كلِّ عام تهتدي الآلاف المؤلّفة من البشر بفضل الحسين (عليه السّلام) ؛ ولذلك فإنّ الحكومات تحرص على محاربة هذه المجالس التي يجب أن نحافظ عليها بأي شكل من الأشكال لكي تستمر المسيرة والنهضة ؛ ذلك لأنّ الإمام الحسين (عليه السّلام)
________________________________________
الصفحة (171)
استشهد ، وباستشهاده في كربلاء أثبت أنّ الظلامة التي ارتكبت بحقِّ أهل البيت (عليهم السّلام) كانت حقيقية .
تعظيم شعائر الله
وهكذا فإنّ الشعائر باقية ومستمرة ، فالله سبحانه وتعالى يقول : (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)(الحج/ 32) .
وهنا اُريد أن أتوقّف عند كلمتين في تفسير هذه الآية الكريمة المقتطفة من سورة الحج ؛ الكلمة الاُولى هي (الشعائر) التي هي جمع شعيرة ، وهي كل عمل يشعرك بشيء ؛ فقد كانوا يأتون بالإبل إلى مكّة المكرّمة بعد أن يشعروها ـ أي يلطّخوها بشيء من الدم ـ , أو يقلّدوها بشيء يشعر أنّها قرابين في سبيل الله تعالى ؛ لكي يتجمّع عليها الفقراء والمساكين وينالوا نصيبهم منها .
والقرآن الكريم يصف هذا العمل بقوله تعالى : (مِن شَعَآئِرِ اللَّه)(الحج/36) , أي إنّ هذه القرابين خالصة لله سبحانه ولا شأن لأحد بها ؛ وعلى هذا فإنّ الشعائر تنطبق على كل ما يعظّمه الإنسان شريطة أن لا يكون حراماً .
ويحذّر القرآن الكريم في قوله تعالى : (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) من أن تفرغ الشعيرة من محتواها ؛ لأنّها يجب أن ترسّخ التقوى ـ التي هي الكلمة الثانية التي نريد التحدث عنه ـ في النفس , فيجب أن نخلص النية في أدائها تماماً كالصلاة التي تكون باطلة إذا ما انعدمت منها النية ؛ لأنّ النية هي إطار ومحتوى الصلاة بالإضافة إلى ذكر الله تعالى وخشوع القلب .
وهكذا الحال بالنسبة إلى الشعائر الحسينيّة ، فلنعمل من أجل ان تتحوّل هذه الشعائر إلى مدرسة تربوية للمجتمع .
________________________________________
الصفحة (172)
وهنا أطرح بعض الاقتراحات في مجال تطوير الشعائر الحسينيّة وإغنائها , وهي :
1 ـ فهم شخصية الحسين (عليه السّلام) من خلال كلماته
علينا أن نفهم الحسين (عليه السّلام) من خلال كلماته ؛ فقد كان (عليه السّلام) إماماً ناطقاً ، وكان من أعظم ما تكلّم به دعاؤه في يوم عرفة , هذا الدعاء الغنيّ بالمعاني العرفانية , والذي يقول من جملة ما يقول فيه : (( الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ، ولا لعطائه مانع ، ولا كصنعه صنع صانع ، وهو الجواد الواسع . فطر أجناس البدائع ، وأتقن بحكمته الصنائع ، لا تخفى عليه الطلائع ، ولا تضيع عنده الودائع ، جازي كل صانع ، ورائش كل قانع ، وراحم كل ضارع ، منزل المنافع ، والكتاب الجامع بالنور الساطع ... ))(1) .
فلنتأمل هذه الفقرة ، ولننظر كيف يعرّف الإمام الحسين (عليه السّلام) ربه (عزّ وجلّ) بكلمات مضيئة تفيض توحيداً وإخلاصاً .
وأمّا عن كلامه في النبوّة والإمامة فيقول (عليه السّلام) : (( إنّا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومحلّ الرحمة ، بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق … ومثلي لا يبايع مثله ))(2) .
ومن جملة كلامه (عليه السّلام) في الموت قوله : (( خُطّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة ))(3) .
ــــــــــــــــ
(1) مفاتيح الجنان ـ دعاء الإمام الحسين يوم عرفة .
(2) حياة الإمام الحسين بن علي (عليه السّلام) ـ القرشي 2 / 255 .
(3) بحار الأنوار 44 / 366 .
________________________________________
الصفحة (173)
2 ـ تخريج الخطباء
إنّنا نمتلك ـ والحمد لله ـ حوزات علمية ، وقد حافظت هذه الحوزات على استقلالها وحيويتها على مدى العصور ، ولكن هذه الحوزات تخرّج العلماء والمراجع الكبار في الغالب ، وعلينا أن نفتح إلى جانب هذه الحوزات أو داخلها تخصّص للخطباء ؛ لكي يتلقّى الطالب في الحوزة دروس الخطابة .
3 ـ إقامة المؤتمرات
إنّ شهر محرم هو بالنسبة إلينا الرأسمال الوحيد ، فإذا لم نقم المجالس في شهر عاشوراء من كلِّ عام فسوف لا نمتلك برنامجاً للأعوام القادمة ، فلماذا إذاً لا نقيم مؤتمرات للخطباء ؛ كأن يجتمعوا قبيل حلول شهر محرم في كلِّ عام ليتبادلوا الأفكار والآراء بينهم بشأن تطوير المجالس الحسينيّة ؟
4 ـ دور المشرفين على الحسينيّات والمواكب
إنّ المشرفين على المجالس والحسينيّات والمواكب عليهم بدورهم أن يعقدوا الاجتماعات على مدار السنة ؛ لكي يدرسوا ويصدروا القرارات بشأن بناء الحسينيّات ، وجمع التبرعات ، والإتيان بالخطباء الجدد الذين من شأنهم أن يسهموا في تزويد المسلمين بأفكار جديدة .
5 ـ دور المثقّفين
وهنا اُوجّه كلامي إلى المثقفين ، وأدعو كل واحد منهم إلى أن يبثّوا بين الناس من خلال كلماتهم وكتبهم ومقالاتهم كلَّ ما هو جديد ومفيد عن الثورة الحسينيّة .
________________________________________
الصفحة (174)
ضرورة تطوير الأساليب
وعلى هذا فإنّ علينا أن نعمل جاهدين من أجل أن نطوّر أساليبنا من ناحية المحتوى ، وهذه هي إحدى مسؤولياتنا الكبرى .
فمن المتعيّن علينا أن ندعو إلى المجالس الحسينيّة , وأن نحرص على أن يحضرها عدد كبير من الناس ؛ وذلك من خلال تطوير الأساليب ، وتزويد الشعائر الحسينيّة بالمحتوى الذي يجب أن يكون تجسيداً لمدرسة الحسين (عليه السّلام) التي هي مدرسة القيم والتقوى .
ومن الجدير بالذكر هنا أنّ المجالس الحسينيّة يجب أن تكون اللسان المعبّر والناطق عن مشاكلنا وآلامنا وقضايانا , أي أن نُعطي لهذه الشعائر محتوىً حضارياً مرتبطاً بالزمان ؛ ذلك لأن شيعة الحسين (عليه السّلام) لا بدّ أن يسيروا في خطه ، وأن يترجم الواحد منهم قوله إلى واقع عملي وهو يقف امام ضريحه (عليه السّلام) ويردّد : (( إنّي سِلمٌ لمن سالمكم , وحربٌ لمَن حاربكم , ووليٌّ لمَن والاكم , وعدوٌ لمَن عاداكم ))(1) .
فنحن نسير في خطّه (عليه السّلام) ، ونمثل تكتّلاً واحداً تحت رايته التي لا بدّ أن تقودنا إلى الجنة كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف : (( أوسع الأبواب في القيامة باب أبي عبد الله الحسين )) .
ـــــــــــــ
(1) مفاتيح الجنان ـ زيارة الإمام الحسين (عليه السّلام) في يوم عاشوراء / 457 .
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page