• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء السابع عشر سورة الحج آیات24 الی 30


وَ هُدُوا إِلى الطيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى صرَطِ الحَْمِيدِ(24)
القراءة
قرأ أهل المدينة و عاصم « و لؤلؤا » بالنصب و في سورة فاطر مثله و الباقون بالجر في الموضعين إلا يعقوب فإنه قرأ هاهنا بالنصب و في فاطر بالجر و ترك أبو جعفر و أبو بكر و شجاع الهمزة الأولى منه في جميع القرآن و في الشواذ قراءة ابن عباس يحلون بفتح الياء و تخفيف اللام .

الحجة
قال أبو علي وجه الجر في لؤلؤ أنهم يحلون فيها من أساور من ذهب و من لؤلؤ و وجه النصب أنه على و يحلون لؤلؤا و يجوز أن يكون عطفا على موضع الجار و المجرور لأن المعنى في يحلون فيها من أساور يحلون أساور و قال ابن جني يحلون من حلي يحلى يقال لم أحل منه بطائل أي لم أظفر و يجوز أن يكون من قولهم امرأة حالية أي ذات حلي .

اللغة
الخصم يستوي فيه الواحد و الجمع و الذكر و الأنثى يقال رجل خصم و رجلان خصم و رجال خصم و نساء خصم و قد يجوز في الكلام هذان خصمان اختصموا و هؤلاء خصم اختصموا قال الله تعالى « و هل أتيك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب » و هكذا حكم المصادر إذا وصف بها أو أخبر بها نحو عدل و رضى و صوم و فطر و زور و حري و قمن و ما أشبه ذلك و إنما قال في الآية خصمان لأنهما جمعان و ليسا برجلين و مثله و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا و الحميم الماء المغلى و الصهر الإذابة يقال صهرته فانصهر قال
تروي لقي ألقي في صفصف
تصهره الشمس فما ينصهر يعني ولدها و المقامع جمع مقمعة و هي مدقة الرأس من قمعه قمعا إذا ردعه و الحريق بمعنى المحرق كالأليم و الأساور جمع أسوار و فيه ثلاث لغات أسوار بالألف و سوار و سوار بالكسر و الضم و الجمع أسورة .

النزول
قيل نزلت الآية « هذان خصمان اختصموا » في ستة نفر من المؤمنين و الكفار تبارزوا يوم بدر و هم حمزة بن عبد المطلب قتل عتبة بن ربيعة و علي بن أبي طالب (عليه السلام) قتل
مجمع البيان ج : 7 ص : 124
الوليد بن عتبة و عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب قتل شيبة بن ربيعة عن أبي ذر الغفاري و عطا و كان أبو ذر يقسم بالله تعالى أنها نزلت فيهم و رواه البخاري في الصحيح و قيل نزلت في أهل القرآن و أهل الكتاب عن ابن عباس و قيل في المؤمنين و الكافرين عن الحسن و مجاهد و الكلبي و هذا قول أبي ذر إلا أن هؤلاء لم يذكروا يوم بدر .

المعنى
لما تقدم ذكر المؤمنين و الكافرين بين سبحانه ما أعده لكل واحد من الفريقين فقال « هذان خصمان » أي جمعان فالفرق الخمسة الكافرة خصم و المؤمنون خصم و قد ذكروا في قوله « إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين » الآية « اختصموا في ربهم » أي في دين ربهم فقالت اليهود و النصارى للمسلمين نحن أولى بالله منكم لأن نبينا قبل نبيكم و ديننا قبل دينكم و قال المسلمون بل نحن أحق بالله منكم آمنا بكتابنا و كتابكم و نبينا و نبيكم و كفرتم أنتم بنبينا حسدا فكان هذا خصومتهم و قيل إن معنى اختصموا اقتتلوا يوم بدر « فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار » قال ابن عباس حين صاروا إلى جهنم لبسوا مقطعات النيران و هي الثياب القصار و قيل يجعل لهم ثياب نحاس من نار و هي أشد ما تكون حرا عن سعيد بن جبير و قيل أن النار تحيط بهم كإحاطة اللثياب التي يلبسونها بهم « يصب من فوق رءوسهم الحميم » أي الماء المغلى فيذيب في ما بطونهم من الشحوم و تساقط الجلود و في خبر مرفوع أنه يصب على رءوسهم الحميم فينفذ إلى أجوافهم فيسلت ما فيها « يصهر به ما في بطونهم و الجلود » أي يذاب و ينضج بذلك الحميم ما فيها من الأمعاء و تذاب به الجلود « و لهم مقامع من حديد » قال الليث المقمعة شبه الجرز من الحديد يضرب بها الرأس و روى أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في قوله « و لهم مقامع من حديد » لو وضع مقمع من حديد في الأرض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض و قال الحسن إن النار ترميهم بلهبها حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع فهووا فيها سبعين خريفا فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفير لهبها فلا يستقرون ساعة فذلك قوله « كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها » أي كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم و الكرب الذي يأخذ بأنفسهم حين ليس لها مخرج ردوا إليها بالمقامع « و ذوقوا عذاب الحريق » أي و يقال لهم ذوقوا و الذوق طلب إدراك الطعم و الحريق الاسم من الاحتراق قال الزجاج هذا لأحد الخصمين و قال في الخصم الذين هم المؤمنون « إن الله يدخل الذين آمنوا » بالله و أقروا بوحدانيته « و عملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار » أي من تحت أبنيتها و أشجارها « يحلون فيها » أي يلبسون الحلي فيها « من أساور » و هي حلي اليد « من ذهب و لؤلؤا » أي و من لؤلؤ « و لباسهم فيها حرير » أي ديباج حرم الله سبحانه لبس
مجمع البيان ج : 7 ص : 125
الحرير على الرجال في الدنيا و شوقهم إليه في الآخرة فأخبر أن لباسهم في الجنة حرير « و هدوا إلى الطيب من القول » أي أرشدوا في الجنة إلى التحيات الحسنة يحيي بعضهم بعضا و يحييهم الله و ملائكته بها و قيل معناه أرشدوا إلى شهادة أن لا إله إلا الله و الحمد لله عن ابن عباس و زاد ابن زيد و الله أكبر و قيل أرشدوا إلى القرآن عن السدي و قيل إلى القول الذي يتلذونه و يشتهونه و تطيب به نفوسهم و قيل إلى ذكر الله فهم به يتنعمون « و هدوا إلى صراط الحميد » و الحميد هو الله المستحق للحمد المستحمد إلى عباده بنعمه عن الحسن أي الطالب منهم أن يحمدوه و روي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال ما أحد أحب إليه الحمد من الله عز ذكره و صراط الحميد هو طريق الإسلام و طريق الجنة .

مجمع البيان ج : 7 ص : 126
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصدُّونَ عَن سبِيلِ اللَّهِ وَ الْمَسجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَهُ لِلنَّاسِ سوَاءً الْعَكِف فِيهِ وَ الْبَادِ وَ مَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادِ بِظلْم نُّذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم(25) وَ إِذْ بَوَّأْنَا لابْرَهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَن لا تُشرِك بى شيْئاً وَ طهِّرْ بَيْتىَ لِلطائفِينَ وَ الْقَائمِينَ وَ الرُّكع السجُودِ(26) وَ أَذِّن فى النَّاسِ بِالحَْجّ يَأْتُوك رِجَالاً وَ عَلى كلِّ ضامِر يَأْتِينَ مِن كلِّ فَج عَمِيق(27) لِّيَشهَدُوا مَنَفِعَ لَهُمْ وَ يَذْكرُوا اسمَ اللَّهِ فى أَيَّام مَّعْلُومَت عَلى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَمِ فَكلُوا مِنهَا وَ أَطعِمُوا الْبَائس الْفَقِيرَ(28) ثُمَّ لْيَقْضوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ(29) ذَلِك وَ مَن يُعَظمْ حُرُمَتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَ أُحِلَّت لَكمُ الأَنْعَمُ إِلا مَا يُتْلى عَلَيْكمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الأَوْثَنِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(30)
القراءة
قرأ حفص عن عاصم و روح و زيد عن يعقوب « سواء » بالنصب و الباقون بالرفع و في الشواذ قراءة ابن عباس و أبي مجلز و مجاهد و عكرمة و الحسن رجالا بالتشديد و الضم و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قراءة ابن أبي إسحاق و الزهري و الحسن بخلاف رجالا بالضم و التخفيف .

الحجة
قال أبو علي وجه الرفع في سواء أنه خبر مبتدإ مقدم و المعنى العاكف فيه و البادي سواء ليس أحدهما بأحق به من صاحبه و هذا يدل على أن أرض الحرم لا تملك و لو ملكت لم يستويا فيها و صار العاكف فيها أولى بها من البادي لحق ملكه و لكن سبيلها سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بها و من نصب سواء أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فرفع العاكف به كما يرفع بمستوي لو قال جعلناه مستويا العاكف فيه و البادي و وجه إعماله أن المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة في نحو قولهم رجل عدل فيصير عدل كعادل و يجوز في نصب سواء وجه آخر و هو أن تنصبه على الحال فإذا نصبته عليها و جعلت قوله للناس مستقرا جاز أن يكون حالا يعمل فيها معنى الفعل و ذو الحال الذكر الذي في المستقر و يجوز أن يكون حالا من الفعل الذي هو جعلناه فإن جعلتها حالا من الضمير المتصل بالفعل كان الضمير ذا الحال و العامل فيها الفعل و جواز كون للناس مستقرا على أن يكون المعنى أنه جعل للناس و نصب لهم منسكا و متعبدا كما قال إن أول بيت وضع للناس و أما رجالا فهو جمع راجل مثل طالب و طلاب و كاتب و كتاب و أما رجالا بتخفيف الجيم فهو غريب في الجمع فهو نحو ظؤار و عراق و رخال في جمع ظئر و عرق و رخل .

اللغة
العاكف المقيم الملازم للمكان و البادي أصله من بدا يبدو إذا ظهر و البدو خلاف الحضر سمي بذلك لظهوره و البادي في الآية الطارىء و المكان ما يتمكن عليه الشيء قيل هو اسم لما أحاط بالشيء و المكان و الموضع و المستقر نظائر و الرجال جمع راجل مثل صحاب و قيام و في جمع صاحب و قائم و الضامر المهزول أضمره السير و العميق البعيد قال الراجز
يقطعن بعد النازح العميق و البائس الذي به ضر الجوع و الفقير الذي لا شيء له يقال بؤس فهو بائس أي صار ذا بؤس و هو الشدة قال الأزهري لا يعرف التفث في لغة العرب إلا من قول ابن عباس و أهل التفسير و قال النضر بن شميل هو إذهاب الشعث .

الإعراب
خبر « إن الذين كفروا » محذوف يدل عليه « و من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من
مجمع البيان ج : 7 ص : 127
عذاب أليم » فالمعنى إن الذين كفروا نذيقهم العذاب الأليم « و من يرد فيه بإلحاد » الباء فيه زائدة تقديره و من يرد فيه إلحادا و الباء في قوله « بظلم » للتعدية و ما جاءت الباء فيه مزيدة قول الشاعر
بواد يمان ينبت الشث صدره
و أسفله بالمرخ و الشبهان و قول الأعشى
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا
ملء المراجل و الصريح الأجردا و قول امرىء القيس
أ لا هل أتاها و الحوادث جمة
بأن امرء القيس بن تملك بيقرا و قال الزجاج و الذي يذهب إليه أصحابنا أن الباء ليست بملغاة و المعنى عندهم و من إرادته فيه بأن يلحد بظلم و هو مثل قوله
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل و المعنى أريد و إرادتي لهذا « على كل ضامر » في موضع نصب على الحال أي يأتوك رجالا و ركبانا و يأتين في موضع جر لأن المعنى في قوله « و على كل ضامر » على إبل ضامرة آتية من كل فج عميق و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قرأ يأتون فعلى هذا يعود الضمير في يأتون إلى الناس .

المعنى
ثم بين سبحانه حال الكفار فقال « إن الذين كفروا و يصدون عن سبيل الله » عطف بالمضارع على الماضي لأن المراد بالمضارع أيضا الماضي و يقويه قوله الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله و يجوز أن يكون المعنى أن الذين كفروا فيما مضى و هم الآن يصدون الناس عن طاعة الله « و المسجد الحرام الذي جعلناه للناس » أي مستقرا و منسكا و متعبدا و قيل معناه خلقناه للناس كلهم لم يخص به بعض دون بعض قال الزجاج جعلناه للناس وقف تام ثم قال « سواء العاكف فيه و الباد » أي العاكف المقيم فيه و الباد الذي ينتابه من غير أهله مستويان في سكناه و النزول به فليس أحدهما أحق بالمنزل يكون فيه من
مجمع البيان ج : 7 ص : 128
الآخر غير أنه لا يخرج أحد من بيته عن ابن عباس و قتادة و سعيد بن جبير قالوا إن كراء دور مكة و بيعها حرام و المراد بالمسجد الحرام على هذا الحرم كله كقوله أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام و قيل المراد بالمسجد الحرام عين المسجد الذي يصلي فيه عن الحسن و مجاهد و الجبائي و الظاهر يدل عليه و على هذا يكون المعنى في قوله « جعلناه للناس » أي قبلة لصلاتهم و منسكا لحجهم فالعاكف و الباد سواء في حكم النسك و كان المشركون يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد الحرام و الطواف به و يدعون أنهم أربابه و ولاته « و من يرد فيه بإلحاد بظلم » و الإلحاد العدول عن القصد و اختلف في معناه هاهنا فقيل هو الشرك و عبادة غير الله تعالى عن قتادة فكأنه قال و من يرد فيه ميلا عن الحق بأن يعبد غير الله ظلما و عدوانا و قيل هو الاستحلال للحرام و الركوب للآثام عن ابن عباس و الضحاك و مجاهد و ابن زيد و قيل هو كل شيء نهي عنه حتى شتم الخادم لأن الذنوب هناك أعظم و قيل هو دخول مكة بغير إحرام عن عطاء « نذقه من عذاب أليم » أي نعذبه عذابا وجيعا و قيل إن الآية نزلت في الذين صدوا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن مكة عام الحديبية « و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت » معناه و اذكر يا محمد إذ وطأنا لإبراهيم مكان البيت و عرفناه ذلك بما جعلنا له من العلامة قال السدي إن الله تعالى لما أمره ببناء الكعبة لم يدر أين يبني فبعث الله ريحا خجوجا فكنست له ما حول الكعبة عن الأساس الأول الذي كان البيت عليه قبل أن رفع أيام الطوفان و قال الكلبي بعث الله سبحانه على قدر البيت فيها رأس تتكلم فقامت بحيال الكعبة و قالت يا إبراهيم ابن على قدري و قيل إن المعنى جعلنا البيت مثوبة و مسكنة عن ابن الأنباري « أن لا تشرك بي شيئا » أي و أوحينا إليه أن لا تعبد غيري قال المبرد كأنه قال وحدني في هذا البيت لأن معنى لا تشرك بي شيئا وحدني « و طهر بيتي » من الشرك و عبادة الأوثان عن قتادة « للطائفين و القائمين و الركع السجود » مفسر بسورة البقرة و المراد بالقائمين المقيمين بمكة و قيل القائمين في الصلاة عن عطا « و أذن في الناس بالحج » أي ناد في الناس و أعلمهم بوجوب الحج و اختلف في المخاطب به على قولين ( أحدهما ) أنه إبراهيم عن علي و ابن عباس و اختاره أبو مسلم قال ابن عباس قام في المقام فنادى يا أيها الناس إن الله دعاكم إلى الحج فأجابوا بلبيك اللهم لبيك ( و الثاني ) أن المخاطب به نبينا محمد عليه أفضل الصلوات أي و أذن يا محمد في الناس بالحج فأذن صلوات الله عليه في حجة الوداع أي أعلمهم بوجوب الحج عن الحسن و الجبائي و جمهور المفسرين على القول الأول و قالوا أسمع الله
مجمع البيان ج : 7 ص : 129
تعالى صوت إبراهيم كل من سبق علمه بأنه يحج إلى يوم القيامة كما أسمع سليمان مع ارتفاع منزلته و كثرة جنوده حوله صوت النملة مع خفضة و سكونه و في رواية عطا عن ابن عباس قال لما أمر الله سبحانه إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج صعد أبا قبيس و وضع إصبعه في أذنيه و قال يا أيها الناس أجيبوا ربكم فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال و أول من أجابه أهل اليمن « يأتوك رجالا » أي مشاة على أرجلهم « و على كل ضامر » أي ركبانا قال ابن عباس يريد الإبل و لا يدخل بعير و لا غيره الحرم إلا و قد هزل و روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لبنيه يا بني حجوا من مكة مشاة حتى ترجعوا إليها مشاة فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يقول للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة و للحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قيل و ما حسنات الحرم قال الحسنة بمائة ألف حسنة « يأتين من كل فج عميق » أي طريق بعيد و روي مرفوعا عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يقول إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة يقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم و شفعت رغبتهم و وهبت مسياهم لمحسنهم و أعطيت محسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم فإذا أفاض القوم إلى جمع و وقفوا و عادوا في الرغبة و الطلب إلى الله يقول يا ملائكتي عبادي وقفوا و عادوا من الرغبة و الطلب فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم و شفعت رغبتهم و وهبت مسياهم لمحسنهم و أعطيت محسنهم جميع ما سألني و كفلت عنهم بالتبعات التي بينهم و قوله « ليشهدوا منافع لهم » قيل يعني بالمنافع التجارات عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قيل التجارة في الدنيا و الأجر و الثواب في الآخرة عن مجاهد و قيل هي منافع الآخرة و هي العفو و المغفرة عن سعيد بن المسيب و عطية العوفي و هو المروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) و يكون المعنى ليحضروا ما ندبهم الله إليه مما فيه النفع لهم في الآخرة « و يذكروا اسم الله في أيام معلومات » اختلف في هذه الأيام و في الذكر فيها فقيل هي أيام العشر و قيل لها معلومات للحرص على علمها من أجل وقت الحج في آخرها و المعدودات أيام التشريق عن الحسن و مجاهد و قيل هي أيام التشريق يوم النحر و ثلاثة بعده و المعدودات أيام العشر عن ابن عباس و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و اختاره الزجاج قال لأن الذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله « على ما رزقهم من بهيمة الأنعام » أي على ذبح و نحر ما رزقهم من الإبل و البقر و الغنم و هذه الأيام تختص بذلك و قيل إن الذكر فيها كناية عن الذبح لأن صحة الذبح لما كان بالتسمية سمي باسمه توسعا و قيل هو التكبير قال أبو عبد الله التكبير بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أولها صلاة الظهر من يوم النحر يقول الله أكبر الله أكبر لا إله
مجمع البيان ج : 7 ص : 130
إلا الله و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد الله أكبر على ما هدانا و الحمد لله على ما أبلانا و الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام و البهيمة أصلها من الإبهام و ذلك أنها لا تفصح كما يفصح الحيوان الناطق و الأنعام الإبل و اشتقاقها من النعمة و هي اللين سميت بذلك للين أخفافها و قد يجتمع معها البقر و الغنم فيسمى الجميع أنعاما اتساعا و إن انفردا لم يسميا أنعاما « فكلوا منها » أي من بهيمة الأنعام و هذا إباحة و ندب و ليس بواجب « و أطعموا البائس الفقير » فالبائس الذي ظهر عليه أثر البؤس من الجوع و العري و قيل البائس الذي يمد يده بالسؤال و يتكفف للطلب أمر سبحانه أن يعطي هؤلاء من الهدي « ثم ليقضوا تفثهم » أي ليزيلوا أشعث الإحرام من تقليم ظفر و أخذ شعر و غسل و استعمال طيب عن الحسن و قيل معناه ليقضوا مناسك الحج كلها عن ابن عباس و ابن عمر قال الزجاج قضاء التفث كناية عن الخروج من الإحرام إلى الإحلال « و ليوفوا نذورهم » أي و ليتموا نذورهم بقضائها و لم يقل بنذورهم لأن المراد بالإيفاء الإتمام قال ابن عباس هو نحر ما نذروا من البدن و قيل هو ما نذروا من أعمال البر في أيام الحج و ربما نذر الإنسان أن يتصدق أن رزقه الله الحج و إن كان على الرجل نذور مطلقة فالأفضل أن يفي بها هناك « و ليطوفوا بالبيت العتيق » هذا أمر و ظاهره يقتضي الوجوب و قيل أراد به طواف الزيارة لأنه من أركان أفعال الحج بلا خلاف و قيل إنه طواف الصدر لأنه سبحانه أمر به عقيب المناسك كلها و روى أصحابنا أن المراد به طواف النساء الذي يستباح به وصل النساء و ذلك بعد طواف الزيارة فإنه إذا طاف طواف الزيارة حل له كل شيء إلا النساء فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء و البيت العتيق هو الكعبة و إنما سمي عتيقا لأنه أعتق من أن يملكه العبيد عن مجاهد و سفيان بن عينية و أبي مسلم و قيل إنما سمي عتيقا لأنه أعتق من أن تصل الجبابرة إلى تخريبه و ما قصده جبار قبل نبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إلا أهلكه الله تعالى و إنما لم يهلك الحجاج حين نقضه و بناه ثانيا ببركة نبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فإن الله سبحانه أمن ببركته هذه الأمة من عذاب الاستئصال عن مجاهد و قيل سمي به لأنه أعتق من الطوفان فغرقت الأرض كلها إلا موضع البيت و قيل سمي به لأنه قديم فهو أول بيت وضع للناس بناه آدم (عليه السلام) ثم جدده إبراهيم (عليه السلام) عن ابن زيد « ذلك » قيل هاهنا وقف و معناه الأمر ذلك أي هكذا أمر الحج و المناسك « و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه » أي فالتعظيم خير له عند ربه أي في الآخرة و الحرمة ما لا يحل انتهاكه و قال الزجاج الحرمة ما وجب القيام به و حرم التفريط فيه و هي في هذه الآية ما نهي عنها و منع من الوقوع فيها
مجمع البيان ج : 7 ص : 131
و تعظيمها ترك ملامستها و اختار أكثر المفسرين في معنى الحرمات هنا أنها المناسك لدلالة ما يتصل بها من الآيات على ذلك و قيل معناها هاهنا البيت الحرام و البلد الحرام و الشهر الحرام و المسجد الحرام عن ابن زيد قال و يدل عليه قوله و الحرمات قصاص « و أحلت لكم الأنعام » أي الإبل و البقر و الغنم « إلا ما يتلى عليكم » يعني في سورة المائدة من الميتة و المنخنقة و الموقوذة و نحوها « فاجتنبوا الرجس من الأوثان » من هنا للتبيين و التقدير فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان و روى أصحابنا أن اللعب بالشطرنج و النرد و سائر أنواع القمار من ذلك و قيل إنهم كانوا يلطخون الأوثان بدماء قرابينهم فسمي ذلك رجسا « و اجتنبوا قول الزور » يعني الكذب و قيل هو تلبية المشركين لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه و ما ملك و روى أصحابنا أنه يدخل فيه الغناء و سائر الأقوال الملهية و روى أيمن بن خريم عن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قام خطيبا فقال أيها الناس عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ثم قرأ « فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور » يريد أنه قد جمع في النهي بين عبادة الوثن و شهادة الزور .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page