إبراهيم في فلسطين
حلّ إبراهيم في فلسطين، بين قومه، وقد آمن به، منهم، قليلٌ!. وكانت حياته مقسّمةً بين عمل في سبيل العيش والحياة، وبثّ الدعوة بين قومه، وإرشادهم، وانصراف إلى شؤون بيته وأهله،... فلكل حقّهُ من الاهتمام!..
وكانت زوجهُ سارة عاقراً، فلم يُرزق إبراهيم منها ولداً، يخلُفُه من بعده..
وأنِسَت سارةُ من زوجها رغبةً في ولدٍ يليه، ويحفظ ذكره، بعد تصرّم أجله (أي: انقضاء أيامه) أنها طبيعة الحياة، وسنّة الله في خلقه.
والتمع في ذهن سارة خاطر: فلم لاتزوّج إبراهيم من هاجر، خادمتها، وبذلك توفّر على نفسها عناءً قد تلاقيه من ضرّةٍ غريبةٍ، لاتعرف من أمرها شيئاً؟..
وفاتحت سارة إبراهيم بهذا الخاطر الطارئ، فرضيَ!..
وتمّ ذلك!..
وشاء الله أن تحمل هاجر، لتلد، فيما بعد، إسماعيل، بكر أبناء إبراهيم، وخليفته من بعده. وامتلأت حياة إبراهيم سعادة، وقد رزقه الله غلاماً ذا شأن!.
وارتفع شأن هاجر في المنزل، فهي زوج إبراهيم، وأمُّ إسماعيل..
وأنست سارة بالوليد الصغير، المُنمنم المحيّا، البهيّ الطّلعة، على سُمرةٍ داكنةٍ، بعض الأنس، ورضيت بعض الرضى، فمن يدري؟.. لعل إسماعيل يكون لها بمثابة الإبن، في مستقبل الأيام، وهي العقيم!.
ولكن انصراف إبراهيم إلى ابنه، وأمّه، عنها، أثار حفيظتها، وأشعل غيرتها. فمتى كانت الأمةُ كالحرّة؟.. ومتى كان الليل الداكن، كالنّهار السّاطع بالضياء؟ ولم تطق سارة مع هذه الأمة وطفلها، عيشاً!.. وقد اسودّت الدنيا في عينيها. والغيرةُ داءٌ عُضالٌ!..
واحتار إبراهيم في أمره: فليس بوسعة أن يغضب سارة، وليس بإمكانه أن يتخلّى عن هاجر وابنها.
وتصر سارة على إبعاد هاجر وابنها عن الأرض التي هي عليها... فليس لهاجر في هذه الدّيار، مكانٌ!..
وكأن الله تعالى أوحى إلى نبيّه إبراهيم: أن سِر بهاجر وابنها إلى أرض الحجاز!.. فسار!..