المنقذ العالمي في فكر الشعوب والأمم
إن فكرة المنتظر والمنقذ العالمي تكاد تكون القاسم المشترك بين جميع الشعوب والأمم والحضارات فقد أكدت الدراسات والبحوث والاستقراء لجميع الأديان والعقائد ، انه لا يكاد شعب من الشعوب أو امة من الأمم تخلو من هذه الفكرة ، وهي ضاربة في عمق التاريخ البشري منذ نشوء الخليقة ، فكل شعب وكل امة تنتظر الشخص والقائد المنقذ الذي يخلصها من الشرور والظلم ويحقق لها الحياة الحرة الكريمة حيث يسود العدل والأمان والاطمئنان .
حتى لنرى أن هذه الفكرة قد استغلت بشكل واضح وكبير من قبل بعض الأفراد ذوي النفوس المريضة من اجل الوصول إلى السلطة ، من خلال إيهام شعوبهم بأنهم هم المنتظرون لإنقاذ الأمة ، حتى إذا ما استمكنوا من السلطة بطشوا بالشعب وأصبح حكمهم ملكا عضوضا يتوارثه الأبناء عن الآباء .
إذا فاصل الفكرة مشتركة بين جميع الأديان والشعوب ، ولكن الاختلاف يقع في نفس مصداق المصطلح ، ومن هو ؟
إذن فالمنتظر هو " عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها ، وصياغة لإلهام فطري ، أدرك الناس من خلاله – على الرغم من تنوع عقائدهم إلى الغيب – إن للإنسانية يوما موعودا على الأرض ، تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير وهدفها النهائي وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مر التاريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل ".(39)
ففكرة المنتظر والمصلح العالمي من البديهيات والضروريات الإنسانية ، فالشعوب المظلومة تنتظر من يحقق العدل ويأتي بقوانين عادلة حقيقية ، ويخلصها من القوانين الظالمة التي شرعها بعض حكام والجبابرة من اجل السيطرة عليهم وتقييد حرياتهم وقتل الروح الإنسانية فيهم لا لشيء سوى الأنانية والطمع .
" فقد امن الزرادشتيون بعودة بهرام شاه ، وامن الهنود بعودة فيشنو ، وينتظر البوذيون ظهور بوذا* ، كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق ، والمغول قائدهم جنكيز خان ، وقد وجد هذا المعتقد عند قدامى المصريين ، كما وجد في القديم من كتب الصينيين ، وينتظر المجوس اشيدربابي احد أعقاب زرادشت ، وان مسيحي الأحباش ينتظرون عودة تيودور كمهدي في آخر الزمان ".(40)
يعتقد البوذيون في(بوذا) حتى أنهم يسمونه(المسيح) المولود الوحيد ومخلص العالم ، ويقولون (انه اله كامل تجسد بالناسوت ، وانه قدم نفسه ذبيحة ليكفر ذنوب البشر) أهل البيت في الكتاب المقدس ص126 .
فجميع الشعوب والأمم تحمل في عقائدها وطيات فكرها الفكرة أو الأطروحة المهدوية ، ولم يقتصر الأمر على الشعوب المتدينة أو التي نشأت الفكرة لديها عن طريق الاعتقاد الديني .
بل إن الكثير من الملحدين والمنكرين للوجود الإلهي ، آمنوا بهذه الفكرة وكذلك الفلاسفة والكتاب والعلماء وخاصة من أهل الغرب .
فقد " صرح عباقرة الغرب وفلاسفته بان العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الأمور ويوحد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد .
منهم الفيلسوف الانكليزي الشهير برتراندراسل قال (إن العالم في انتظار مصلح يوحد العالم تحت علم واحد وشعار واحد ) .
ومنهم العلامة اينشتاين صاحب النظرية النسبية ، قال (ان اليوم الذي يسود العالم كله الصلح والصفاء ويكون الناس متحابين متآخين ليس ببعيد ". (41)
وكذلك " الفيلسوف الانكليزي برنارد شو بشر بمجيء المصلح في كتابه (الإنسان والسوبرمان )(42).
ومنهم أيضاً مينا جرجس " إن العلامات التي ذكرها الرب في الإنجيل تبدو واضحة بأكثر جلاء هذه الأيام وأصبحنا نعيشها كلها ..... كما انه لا توجد علامة من تلك العلامات التي ذكرها الرب في الإنجيل إلا ونراها واضحة هذه الأيام ، الأمر الذي يدعونا أن نكون في حالة استعداد قصوى لاستقبال الرب الآتي على سحب السماء "(43).
إذاً فاصل الفكرة ثابت عند جميع شعوب العالم ولا وجود للشك فيه وان كان هناك اختلاف في شيء ما ، فمرده إلى الاختلاف في ثقافة الشعوب نفسها ، إذ أن كل شعب يدعي أن المنقذ سوف يكون منه ، أو كل شعب يرى أن قائده هو الذي سيخلصه في نهاية المطاف من الظلم وبغض النظر أيضاً عن كون هذا الشعب موحِداً أم لا .
___________________
(39) بحث حول المهدي ، محمد باقر الصدر، ص7 .
(40) معالم الحكومة ، ص46 .
(41) أهل البيت في الكتاب المقدس ، ص127 .
(42) معالم الحكومة ، ص48 .
(43) المصدر السابق ، ص49 .