هناك بحوث تدور حول روايات في كتب السنّة تخالف هذا الذي انتهينا إليه، ولربّما اتّخذ بعض العلماء من أهل السنّة ما دلَّت عليه تلك الروايات عقيدةً لهم، ودافعوا عن تلك العقيدة، إلاّ أنّنا في بحوثنا حقّقنا أنّ تلك الروايات المخالفة لهذا العقيدة، إمّا ضعيفة سنداً، وإمّا فيها تحريف، والتحريف تارةً يكون عمداً، وتارة يكون سهواً، وتلك البحوث هي:
أوّلاً:
الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم في أنّ «المهدي هو عيسى ابن مريم»(1) ، فليس من هذه الاُمّة، وإنّما المهدي هو عيسى بن مريم، فالمهدي الذي أخبر به رسول الله في تلك الروايات الكثيرة المتواترة التي دوّنها العلماء في كتبهم، وأصبحت روايات موضع وفاق بين المسلمين، وأصبحت من ضمن عقائد المسلمين، المراد من المهدي في جميع تلك الروايات هو عيسى بن مريم.
وهذه رواية واحدة فقط موجودة في بعض كتب أهل السنّة.
وثانياً:
الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم من أنّ
«المهدي من ولد العباس»(2) ، فليس من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهذا كأنّه وضع في زمن بني العباس لصالح حكّام بني العباس.
وثالثاً:
الخبر الواحد الذي في كتبهم من أنّه «من ولد الحسن»(3) ، لا من ولد الحسين.
ورابعاً:
الخبر الواحد الذي في بعض كتبهم من أنّ «اسم أبي المهدي اسم أبي النبي»(4) ، وأبو النبي اسمه عبدالله، فلا ينطبق على المهدي ابن الحسن العسكري سلام الله عليهم، فتكون رواية مخالفة لما ذكرناه واستنتجناه من الادلة.
وخامساً:
ما عزاه ابن تيميّة إلى الطبري وابن قانع من «أنّ الحسن العسكري قد مات بلا عقب» وإذا كان الحسن العسكري قد مات بلا عقب، فليس المهدي ابن الحسن العسكري.
فهذه بحوثٌ لابدّ من التعرّض لها وإثبات ضعف هذه الاحاديث المخالفة، أو إثبات أنّها روايات محرّفة.
أمّا ما نسبه ابن تيميّة إلى الطبري صاحب التاريخ، وإلى ابن قانع، فهو كذب، وقد حققته بالتفصيل في بعض مؤلفاتي.
وأمّا بالنسبة إلى البحوث الاُخرى، فلو أردنا الدخول في تحقيقها لاحتجنا إلى وقت إضافي، فإن شاء الله تعالى بعد أن أُكمل البحث في هذه الليلة في الفصل الثالث، إن بقي من الوقت شيء، ندخل في هذه البحوث
لغرض التفصيل، وإلاّ فلا ضرورة.
وحينئذ نصل إلى الفصل الثالث.
____________
(1) المنار المنيف لابن قيم الجوزية: 148، كنز العمال 14/263 ح38656.
(2) المصدر نفسه: 149، كنزالعمال: 14/264 ح38663.
(3) المنار المنيف لابن قيّم الجوزية: 151.
(4) كنز العمال 14/268 ح38678.
الفصل الثاني
- الزيارات: 1180