• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثالث: عقیدة المهدویة



الفصل الثالث: عقیدة المهدویة
تأسیساً علی فلسفة التاریخ السّامیة، یجب علی البشریة أن تصل إلی الکمال و السموکی تستطیع بلوغ الهدف و المحطة الأخیرة للتاریخ. فی هذه المحطة الأخیرة یجب أن تکون علاقة الإنسان مع الله و مع نفسه و مع الآخرین و مع الطبیعة، قد تحسنت و تعدلت. إنّ هذا المعیار و المؤشر یعد النموذج الاهم و أساس أطروحة «عقدیة المهدویة».
هناک تعاریف عدّة و متنوعة لعقدیة المهدویة منها:
ـ «عقیدة المهدویة، عبارة عن الرؤیة إلی المهدویة کتعالیم جامعة و شاملة و کموضوع استراتیجی».
ـ «عقیدة المهدویة، هی مجموعة تعالیم تتمحور حول المهدویة و یمکن استثمارها فی عرض حلول عملیة و نظریات استراتیجیة فی ساحات مختلفه».
ـ «عقیدة المهدویة، هی تعالیم اعتقادیة خاصة بالإمام المهدی والتی تعرض تفسیراً استراتیجیاً للساحات الرئیسة من حیاة الانسان و السیاسة و الاقتصاد و المجتمع و الحکومة والعلاقات الدولیة... و فی الحقیقة هی عمل مثالی و صانع للفکر و فی نفس الوقت قابل للتنفیذ و عالمی شمولاً، و ذلک لاجل سعادة الانسان والرفاهیة فی حیاته و علی أسس النهضة الاسلامیة النبویة والعلویة[1]».
و أخیراً، التعریف الذی یعرضه الکاتب: عقیدة المهدویة نظریة جامعة و کاملة، بغیتها بناء مجتمع مرتجی و عرض تفسیر استراتیجی للساحات المختلفة من الحیاة الانسانیة.[2]
تأسیساً علی ما قلناه، فان «عقیدة المهدویة» هی التصویر و التخطیط الکامل و الشامل للمجتمع الموعود به و بیان خصائصه و برامجه و أهدافه و استراتیجیاته و تعالیمه المتنوعة. و ینبغی فی اطار هذه الرؤیة تعیین موضع السیاسة و الثقافة و الاقتصاد و الإجتماع و تبیین علاقة بعضها ببعض. إن عملیة وضع السیاسات فی هذا النظام سیکون فی صورتها العامّة والعریضة. و ستعین مداخله و مخارجه بدقة و سیکون متطابقاً مع المتطلبات الحقیقیة للشعوب و الناس. إن محصلة «عقیدة المهدویة» یلخص کمایلی:
ـ اعطاء رؤیة جامعة و کاملة عن قضایا المجمتمع.
ـ استکشاف جذور النقائص و المصاعب المزمنة للحیاة البشریة.
ـ عرض حلول عملیة لمحوها.
ـ تنظیم و بناء نمط من العلاقات السلیمة و الصحیحة بین أرکان المجتمع.
ـ عرض نموذج سامٍ و مرتجی للحیاة السیاسیة و عقد علاقة ثنائیة بین الدنیا و الآخرة. هذا و یمکننا عد بعض من مقومات «عقیدة المهدویة» استناداً علی المصادر الوحیانیة المتوفرة و معطیات «فلسفة التاریخ السامیة».

الف) الشمولیة العالمیة و النظرة العامة
إن أهم خصائص أیة عقیدة أو نظریة هی شمولیتها لجمیع الطبقات و الفئات الإجتماعیة و استیعابها جمع مجالات الحیاة. إن عقیدة المهدویة خلافاً لجمیع النظریات الراهنة، عقیدة ذات شمولیة عالمیة و إن جامعیتها و شمولیتها تحتضن أفراد البشریة الممتدة من المشرق إلی المغرب. و لاتعزب أیة طبقة أو فئة انسانیة من دائرتها و لا یستثنی ای جانب من جوانب الحیاة (الثفاقة و السیاسة و الإجتماع و الاقتصاد و...) منها. انها ذات شمولیة عالمیة و لیست مناطقیة أو اقلیمیة. إن هذه العقیدة لاتکون حکراً لقومیة أو مجموعة أو دولة أو عرق أو لغة... و ضامنة سعادة الجمیع. و ان الطبقات الدنیا للمجتمع البشری سیصلون إلی القمة و ستراعی الفئات المنسیة فی المجتمع. و لیس الأمر کذلک فی النظریات الأخری، فهناک طبقه خاصة یرتکز علیها، کـ «الطبقة العاملة والبرولتاریا» عند مارکس أو «القومیة الالمانیة الفضلی» عند هیغل او «الشعب المختار» عند الیهود، أو «العالم الغربی» عند فوکویاما و قد وردت فی روایات کثیرة: «تشرق الارض بنور ربها و یبلغ سلطانه المشرق و المغرب»[3]، و ایضاً «یحیها الله بالقائم...»[4] و انّ تلک الروایات دالّه علی شمولیة النجاة و الفوز لکافة البشر و ان عقیدة المهدویة لهی تصور و مخطط ینصبان فی هذا الاتجاه.

ب) النزوع إلی العدل
إن من الأوجه اللازمة لأیة نظریة أو عقیدة، هو ضمان العدل و عرض سبل عملیة فی هذا المضمار، ای لزوم تحقیق العدالة للجمیع و فی جمیع الأصعدة، من قبل تلک النظریة أو العقیدة، ای تحقیق المساواة و توزیع الثروات بصورة عادلة و إزالة المظالم و ارساء دعائم العدل و الحق و تحقیق التوازن فی جمیع الشؤون (خصوصاً فی سلوک و افکار الناس) و وضع الاشیاء و الاشخاص فی المواضع الخاصة بهم. إن العدالة هی أمر جامع و کامل و لاینحصر فی مجال القسط و القضاء. و علیه فللعدالة مکانتها الخاصة فی السیاسة و الثقافة و الاقتصاد و القانون و خاصة فی الاخلاق و ان ضمان العدالة بصورة شاملة هو من ممیزات أیة نظریة أو عقیدة ناحجة. إن فکرة العدالة موجودة فی عقیدة المهدویة بصورة متکاملة و تامة و تعد رکناً اساسیاً فی تلک العقدیة و ذلک لکی یشهد الإنسان ـ ماعاش ـ تنفیذاً عملیاً لها فی جمیع مجالات حیاته.
إنه «یـملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد أن ملئت ظلماً و جوراً»[5]. «یملأ الارض قسطاً و عدلاً... حتی یتمنی الاحیاء الاموات تعیش فی ذلک...»[6]. و ایضاً «اذا قام القائم علیه السلام حکم بالعدل و ارتفع فی ایامه الجور...»[7].
إن ضمان العدالة سیؤخذ بنظر الاعتبار فی مخطط عقیدة المهدویة و النظام المهدوی، سواء علی المستوی الداخلی و فی التسریع بالمصالح أو فی وضع السیاسات و خلق المصالح و یعد ذلک الخط الاحمر لجمیع البرامج و الانشطة.

ج) النزوع إلی المعنویة و الکمال
إن التفسیر و التصویر الأستراتیجی عن الساحات الأساسیة لحیاة الانسان و الرؤیة الجامعة و الکاملة إلی الامور، تستوجب معرفة جذور جمیع مشکلات الانسان و عرض حلول لها. اعتماداً علی التعالیم الوحیانیة و الروائیة و تجارب حیاة الانسان نجد ان الانسان یعانی من الفساد الاخلاقی و ضیاع الفکر، اکثر مما یعانیه من فقدان العدالة و الامن و التمییز و...
و ترجع جذور جمیع الحروب و المظالم و عبادة الاوثان و ضیاع الحق و الطغیان و الآلام و انعدام التهذیب، یرجع إلی فقدان النمو الفکری و الأخلاقی. اذا وصل الانسان إلی الکمال او البلوغ العقلی و الاخلاقی و عرف لنفسه و لغیره کرامةً حقیقیة، فلایکون عندئذٍ فی صدد الإستغلال و الظلم و التمییز و الحرب و اراقة الدماء والفساد و الطغیان و لا یعتد علی الاخرین. و سیکون فی هذه الحالة فی غنی روحی و جسمی و فی صدد التکامل و السمو الشامل.
و من جانب آخر، تأسیساً علی معطیات فلسفة التاریخ السامیة، فان الانسان یسعی إلی کماله النهائی (التقرب إلی الله) و لا یتحقق ذلک الاّ ان تکون المعنویة و النمو الفکری و الاخلاقی لدی الانسان، و التهذیب و التعلیم، فی اولویة مهامه. و علی هذا الأساس یعدّ الألتزام بالجوانب المعنویة و الروحیة فی الإنسان من اشدّ البرامج و الأفکار لزوماً، و اکثرها اساسیة فی عقیدة المهدویة، کما جاء فی الروایة «اذا قام قائمنا وضع یده علی رؤس العباد، فجمع بها عقولهم و کملت بها احلامهم»[8] و لأجل تطبیق هذه الفکرة فإن الأمام سیلتفت إلی سریرة الانسان و باطنه و سینور جوهرهم و اخلاقهم و سلوکهم و افکارهم و یجعلها الالهیة.

د) النزعة إلی الحق (واجتثاث رموز الباطل)
طالما کانت الحیاة السیاسیة والاجتماعیة للإنسان شاهدة للصراعات المستمرة بین الحق و الباطل فی کثیر من الساحات، و قد تبین فی فلسفة التاریخ السامیة، ان الانبیاء و اتباعهم قد اعلنوا معارضتهم الکفر و الظلم و زعماء الثراء و القوة و تحدّوا مصالحهم غیر المشروعة و الباطلة. کانت دعوتهم إلی التوحید و الحق و العدل و قد اصطدمت تلک الدعوة بمصالح اصحاب الباطل و یذکر القران ذلک تحت عنوان صراع الایمان و الکفر او الحق و الباطل. ان مواجهة هاتین الفئتین استمرت منذ بدایة التاریخ و فی الساحات المختلفه للحیاة و تبادلتا النصر و الهزینة بینهما. لکن نهایة التاریخ ـ وفقاً للسنن الالهیة ستکون لأصحاب الحق و ذلک کی تزال عوائق الکمال و السمو عن طریق الانسان و یحکم التوحید قلوب الناس و نفوسهم. وفقاً للتعالیم الوحیانیة، سیکون الحق منتصراً و الباطل مهزوماً جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُو ان غلبة المهدی الموعود ستکون عصراً لسیادة الحق. و علی هذا الاساس نجد ان النـزوع إلی الحق و مناهضة الباطل یشکلان محوراً فی «عقیدة المهدویة». إن الکفر و الإلحاد و الشرک و عبادة الاوثان و الأفساد و الطغیان و الفداء یشکلون اهم رموز الباطل و ستجتث بناءاً علی عقیدة المهدویة کما یقول الامام الهادی7: «یحق الله الحق و یزهق الباطل... ثم قرأ بَقِیةُ اللّهِ خَیرٌ لَّکُمْ ثم قال لنا: والله هو بقیة الله»[9].

هـ) تحقق العبودیة و التوحید
إن احدی المقومات البارزة لـ «العقدیة المهدویة» هی العنایة الخاصة لحکمة و فلسفة خلق الانسان و الرّویة التکاملیة إلی اهداف و غایات الحیاة. بناءاً علی معطیات «فلسفة التاریخ السامیة» فان المحطة الاخیرة للبشریة، لیست تأسیس مجتمع لاطبقی، او تقدم متواصل، او انتصار حضارةٍ ما، او تحرر الفکر (الروح) و... بل الهدف هو الوصول إلی حیاة و معیشة مثالیة و مرتجاة و فضلی و ذلک فی ظل الوصول إلی الله و العبودیة له. ینبغی القول ببالغ من الأسی إنّ تاریخ البشریة یشهد الاستکبار و التمرّد و مناهضته العبادة، بدلاً من عبادة الله و العبودیة له. إن فارس هذه الضلالة و العصیان و رمزه التام هو الشیطان و اعوانه. إن ضلالة ابلیس سببٌ لإبتعاد الانسان عن المسار الحقیقی للتاریخ و تورّطهم فی انحرافات و مفاسد منوعة، فقد استعان ابلیس فی کل عصر و مرحلة من وسائل و اسالیب مختلفة لبلوغ غایاته و قد ابلغ فی مناهضته للعبودیة فی عصرنا الراهن. انّه یجب ازالة هذا العائق و استقرار شریعة التوحید و العبودیة کی تصل البشریة إلی قمم الکمال و التقرّب إلی الله و تحقق العبودیة. فبناءاً علی «عقیدة المهدیة» فإنّ علی المجتمع ازالة العوائق التی تمنع تقرب الانسان إلی الله و یجب أن یهئ الارضیة للعبادة و العبودیة. و سیتحقق ذلک فی عصر الظهور و مع اندحار الشیطان و مع السیادة الکاملة للتوحید و المحوریة الالهیة. و قد جاءت فی الروایات ان المهدی «یملأ قلوب عباده [ای عبادالله] عبادة...»[265] و ایضاً یمیل الناس الی عبادة الله و العمل بالدین[10] و ایضاً، عند ما یقوم القائم لا یعبدون الا الله[11] لا یبقی الارض الا نودی فیها بشهادة ان لا اله الا الله...»[12]

و ) مناهضة العنف (الظلم و الحروب و فقدان الامن و...)
ان احدی الاوجه المشینة للحیاة البشریة هی الحروب و فقدان الامن و المظالم. و لم یستطع ایة مدرسة او فکر فی ازالة هذه المعظلة عن طریق حیاة الانسان و اقامة السلام و الاستقرار فی العالم. إنّ اکثر دول العالم کانت تأمل بحلول الاستقرار و السلام فی أعقاب الحربین العالمییتین الاولی و الثانیة و تشکیل منظمتی عصبة الامم و الامم المتحدة علی التوالی. بل وقع العکس، فقد تحولت هذه المنظمات إلی آلة للاحتلال و الحرب و قد سایرت کثیراً من الصراعات العالمیة و الاقلیمیة (کإحتلال العراق) او عجزت عن حل اسبط النـزاعات. و قد بلغت المجازر و الفجائع أوجها فی هذه الصراعات و کثیراً ما انکرت ما فی الحروب من الحماسات و الاستبسالات. و قد عودی الانبیاء و من استخلفوهم و استشهد الکثیر منهم فی سبیل ابلاغ و نشر الشریعة الالهیة و... بناءاً علی فلسفة التاریخ السامیة، کان العالم شاهداً علی النزاعات و الحروب بین هاتین الفئتین و قد استمرت لفترة معینة. إنّ العنف فی جمیع صوره یشکل جزءاً لازماً من الحیاة البشریة و لا یزول منها الاّ فی ظل خطة کاملة و جامعة. هذا الاتجاه یفرض اجتثاث جذور العنفت (الإستکبار و الشهوات و صراع القوة و النـزاعات الاجرامیة) و ابادة فاعلی ذلک. و یجب ان تکون تربیة الناس و تعلیمهم بحیث یصرفهم عن الاعتداء و سفک الدماء و یکون سببا فی إستتباب الصداقة و السلام. انّ هذه الرؤیة لا تُفعَّل الاّ فی ظل «عقیدة المهدویة» و تکون من خصائصها استقرار السلام الدائم و العالمی: «و لذهبت الشحناء من قلوب العباد و اصطلحت السباع و البهائم»[13] و ایضاً: «... لیرفع عن الملل و الادیان الاختلاف...»[14]
بناءاً علی فلسفة التاریخ السّامیة فإن الصراعات و الحروب المستمرة، خاصةً ما دارت منها بین الحق و الباطل، ستضع اوزارها بقیام المهدی و سیتم الانتصار لاصحاب الحق و طلاب السلام.

ز) ضمان رضا الناس
إن الالتفات إلی حاجات الناس الحقیقة و کسب رضاهم سیکونان فی الاولویة، عند تبیین و عرض (عقیدة المهدویة). و انّ خططها و برامجها و افکارها السیاسیة و الثقافیة و الاقتصادیة و الاجتماعیة ستکون فی مسار ضمان جمیع حاجات الناس المادیة و المعنویة و حل جمیع مشاکلهم.
إن التاریخ المجید للادیان السماویة و خاصةً الاسلام منها، شاهدٌ علی سعی الانبیاء و الائمة فی سبیل تلبیة حاجات الناس کافة و السعی فی التقلیل من مشاکلهم. إنّ الدفاع عن طبقات المجتمع المحرومة و الدانیة و المظلومة و المستضعفة و السعی لانقاذهم وتحریرهم من براثن الظلمة و الطاغوت یعد من المع صفحات التاریخ إشراقاً، و قد کان احدی أسباب کفاحهم ضد المجامیع الظالمة و الطاغیة، هی محاربة الإستغلال و الإستئثار بین الناس و زیادة الآمهم و معاناتهم الکثیرة اصلاً. مثلما بینّا فی فلسفة التاریخ السامیة فان نهایة هذا التنازع و الصراع، هی انتصار المستضعفین و الطبقات الدنیا فی المجتمع و اندحار الاستغلالیین و اصحاب القوة اللامشروعة.
إن الشعوب و علی امتداد حیاتهم السحیقة، لم یشهدوا ـ کواقع تاریخی ـ یوماً حلولاً لجمیع مشاکلهم و تلبیةً لحاجاتهم، الامر الّذی سیتحقق فی «عصر الظهور» و سیؤدی إلی الرضا و المسرة للجمیع.
جدیرٌ بالقول إنه تأسیساً علی ما یدّعی فوکویاما، فان اللیبرالیة الدیموقراطیة، هی اسمی و آخر الانظمة المثالیة المرتجاة و انها النهایة السعیدة للتاریخ و الحال أنّ ادنی مناقب رؤیته، هی ضمان مصالح طبقة خاصه بالمجتمع و تلبیة رضا الاکثریة (المادیة و الشکلیة الظاهریة)، اما الاقلیة فی هذا النظام، فهم محرومون من کثیر من الامکانیات و وسائل الراحة و الرضا و ستکون نغمات العدالة غریبةً علی آذانهم. بینما نجد فی عقیدة المهدویة، أن جمیع صنوف المجتمع و طبقاته و أنّ جمیع المطالیب المشروعة ستکون موضع عنایة و رعایة و ستنفّذ خطط و برامج کثیرة فی مسار خدمة المجتمع و کسب رضاهم. و قد جاء فی الروایات: «یرضی فی خلافته اهل الارض و اهل السماء و الطیر فی الجو»[15]، و ایضاً: «یفرح به اهل السماء و الارض»[16]، و ایضاً: ورد انه یرضی عنه الجمیع و یسعدوا به.[17]

ح) سلطة اصحاب الکفاءة (حکومة الصالحین و المستضعفین)
انّ احدی المقومات الرئیسیة لـ (الفلسفة السیاسیة)، هی التساؤل عمّن ینبغی او یجدر به ان یکون حاکما؟ و قد عرضت اجابات مختلفة لهذا السؤال من قبل المدارس الفکریة و النظریة، منها ممثلوا الآلهة و الملوک الفلاسفة و الملوک و النخب و الطبقة العامة و الحائزون علی اصوات الشعب و اصحاب القدرة (الثروة و السلاح و القوة) و المختارون من قبل الله و... و لکن قلّما عرجوا بالحدیث علی حکومة الکفوئین (الصالحین و المستضعفین). ان هذه الفرضیة قد وجدت التفاتا و عنایة فی المدرسة الاسلامیة و علی الأخص فی العقیدة المهدویة. سیرث الصالحون و المستضعفون (من لم یکن له قدرة) ـ من منظار القرآن و الاحادیث ـ الارض و یحکمون علیها و سوف یفقد اصحاب الثروة و القوة و الخداع دورهم فی الحکم.
تأسیساً علی «فلسفة التاریخ السامیة»، فانّ نهایة التاریخ ستکون لحکومة الصالحین و المستضعفین و انّ الظفر و الغلبة سیکون للکفوئین. ان معاییر الکفاءة و اللیاقة و الاهلیة فی هذه التعالیم، هی التقوی و العلم و الدین.
انّ «الاستضعاف» فی هذا المتجه، هو بمعنی تنحیة اصحاب الکفاءة و الصالحین من الحکم (و ذلک بفعل الحکام اللاشرعیین) و فقدانهم للوسائل المناسبة لعرض الخدمات علی الناس و ارساء العدل. اذاً حکومة اصحاب الکفاءة هی احدی المؤشرات المهمة «للعقیدة المهدویة»، خصوصاً فی المجال السیاسی و الخاصیة البارزة للحکام السیاسین. سوف لاتُحّّل أیة مشکلة فی المجتمع و سوف یکون مستقبل العالم معتماً مظلماً، مادام المنحطون و ذوو القوة و الخداع ـ و هو مانشهده حتی الیوم ـ یسرحون فی ساحات السیاسة. لکن عقیدة المهدویة تعطینا الامل بأنَّ: انصار المهدی رجال عرفوا الله حق معرفته،[18] و انهم جادون و مجتهدون فی سبیل العبودیة،[19] و انهم «خیار الامة».[20] و جاء فی تفسر آیة وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا... انها نزلت فی صاحب الامر الذی یظهر فی آخر الزمان و یهلک الجبارین و الفراعنة...[21] و جاء فی تفسیر آیةأَنَّ الأَرْضَ یرِثُهَا عِبَادِی الصَّالِحُون ای «القائم و اصحابه»[22] و من الواضح ان یکون فی ذلک العصر، اصلح الافراد و اطهرهم و اعلمهم و اقواهم ای الإمام المهدی، ممسکاً بزمام الامور، ثم یقوم برفع الصالحین الی مناصب السلطة.

ط) التطور الایحابی و البنّاء
إن تاریخ البشریة قد شهد تغیرات و تحولات عدیدة و قد اجتاز مراحل مختلفة. و کان عادة ما تحدث امور جدیدة و تحول عمیق فی کل مرحلة. إنّ من اهم هذه التغیرات خصوصاً فی العصر الحاضر، هی التحولات المادیة و التقدم الصناعی و التکنولوجی، هنا یطرح سؤال نفسه، ما هی نتیجة هذه التحولات و این المحطة النهائیة لها و این هی قیمة هذه التحولات؟ و هل کان لها تأثیر بناء و ایجابی علی حیاة الانسان أم کانت تتضمّن نقاطاً سلبیة و تحدّیات؟
جدیر بالقول إن هذه التغیرات سلبیة و ایجابیة. ان الصفحة الایجابیه فیها هی، ان الحیاة المادیة للانسان قد تحسنت و انهم تنعموا بمزایا الصحة و التعلیم و الصناعة. و قد تغیرت الثقافات و سلوک الناس و ابدلت إلی صورة موّحدة و علیه ازداد مستوی تنعم عامة الناس من النعم و کُسب رضاهم و قناعتهم. اما الجوانب السببیة لهذه التحولات خاصةً ما یتعلق منها بمناهضة الدین و التمییز و العزوف عن الحق الذی ملأ صدر البشریة فیها و قللّ من مستوی رضاهم و قناعتهم. ان الحداثة فی عصرنا الحاضر لرمز تام لتحوّل تواجه تحدیات اساسیة و ازمات کثیرة (کأزمة المعنویة و الهویة و المساهمة...) و لا یتوقع لها سیراً جیداً اذ کلّما استمر التقدم الصناعی و الرفاهیة الظاهریة، کلّما ازدادت المتاعب و الصعوبات و قد دبّ الفساد و فقدان الکفاءات إلی البنی المختلفة للسطلة و ادّی إلی عدم الإستقرار و إلی التفتت فی السیاسیة و الاقتصاد و الثقافة و سبب روابط غیر عادلة. و هذا ما یستدعی تعدیلاً واسعاً فی جمیع الساحات.
ان عقیدة المهدویة تتکفل صیاغة علاقات سلیمة و انسانیة و تتکفل التحول الواسع فی جمیع المجالات و الاصعدة: اذ قام القائم، یقوم بأمر جدید و کتاب جدید و سنة جدیدة و قضاء جدید،[23] و «... یبایع الناس بأمر جدید و کتاب جدید و سلطان جدید».[24]
علیه فأن احدی الأتجاهات المحوریة لعقیدة المهدویة، هی خلق تطورات فی جمیع الشؤون والتحدیث فی جمیع الساحات المختلفه للحیاة، لاشک انه یمکن الاشارة إلی مقومات اخری (کمحوریة الأمامة و الحکمة والعقلانیة...)، ان واجب الأختصار یفرض علینا عدم الخوص فی التفاصیل.

هـ) تحقیق التناسق و التناغم
ان احدی الوجوه اللازمة لعقیدة المهدویة، هی تحفیق التناسق و التناغم و الانسجام فی المجتمع الانسانی و فیما بین أفراد المجتمع. و فی اطار هذا التوجه سوف تزول الخلافات و الأمتیازات و التکثرات و... و سوف تتحقق الوحدة و تآلف القلوب و التناغم الکامل.
و یوجد هذا الأنسجام و التناغم فی جمیع ارکان و ابعاد عقیدة المهدویة و لا تجد اثراً لأی اختلاف أو تناقض فی ذلک.




[1] . فصل نامه انتظار (مجلة الانتظار)، العدد16، ص11، 20، 52 و... .
[2] . نفسه، ص20.
[3] . کمال الدین، ج1 ص280.
[4] . ینابیع المودة، ج2، ص514.
[5] . الکافی، ج1، ص338؛ الاحتجاج، ج2، ص449.
[6] . بحارالأنوار، ج51، ص250؛ اثبات الهداة، ج3، ص639.
[7] . الارشاد، ج2، ص384؛ کشف الغمّة، ج2، ص465.
[8] . بحارالأنوار، ج52، ص336؛ منتخب الاثر، ص482.
[9] . یوم الخلاص، ج2، ص663.
[10] . کتاب الغیبة، ص179.
[11] . منتخب الاثر، ص592، ح4. (جای دقیق این پاورقی مشخص شود)
[12] . تأویل الایات الظاهرة، ص369.
[13] . تفسیر العیاشی، ج1، ص183.
[269] . بحارالأنوار، ج52، ص316؛ منتخب الاثر، ص592.
[14] . بحارالأنوار، ج53، ص2.
[15] . کشف الغمة، ج3، ص269.
[16] . دلائل الامامة، ص250.
[17] . کتاب الغیبة، ص178.
[18] . منتخب الاثر، ص6111.
[19] . یوم الخلاص، ص224.
[20] . نفسه، ص224.
[21] . البرهان، ج3، ص230.
[22] . تفسیر القمی، ج2، ص77.
[23] . اثبات الهداة، ج7، ص73؛ الغیبة، ص253.
[24] . بحارالأنوار، ج52، ص95.




أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page